بقلم : رجب أبو سرية
بعد استقالة أفيغدور ليبرمان من الحكومة الإسرائيلية، وانسحاب حزبه "إسرائيل بيتنا" من الائتلاف الحاكم، يكون رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمام عدة خيارات، ليست سهلة، لكنها لا تضطره بالضرورة إلى تبكير موعد الانتخابات العامة، كما طالب بعض الإسرائيليين خاصة من المعارضة، وكما يتوقع بعض المراقبين الفلسطينيين، ورغم ذلك فإن ما كانت قد شهدته هذه الحكومة من "استقرار سياسي" لم يتمتع به كثير من الحكومات من قبلها، لن يطول كثيرا، وذلك بعد أن تلقت الصفعة الناجمة عن استقالة الرجل وانسحاب حزبه، التي نغّصت عليها نشوتها المتواصلة منذ عام، أي منذ إعلان دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وما تبعها خلال هذا العام من "فتوحات" تطبيعية نتنياهوية لعدد من دول الخليج العربية.
أولا وقبل كل شيء، لا تفقد الحكومة أغلبيتها البرلمانية مع انسحاب حزب ليبرمان، فهي لا تزال تحتفظ بالأغلبية البسيطة، أي بـ61 عضوا من أصل 120، وهي بالمناسبة كانت بدأت حكمها بهذه الأغلبية، حيث إن ليبرمان وحزبه كانا قد انضما للحكومة بعد نحو العام من تشكيلها، كذلك كانت حكومة اسحق رابين التي عقدت اتفاق السلام مع (م ت ف) تتمتع بمثل هذه الأغلبية، التي لم تحل دون أن تقدم على الخطوة التاريخية، بعقد اتفاقات أوسلو.
كذلك لا بد من التذكير بأن بضعة أشهر فقط لا تتعدى الأربعة هي التي تفصلنا عن الموعد الطبيعي لإجراء انتخابات الكنيست الواحد والعشرين في إسرائيل، حيث في آذار القادم تكون قد مرت أربعة أعوام على إجراء الانتخابات السابقة.
كل هذا كان يدركه بنيامين نتنياهو وهو يقوم بشلّ يدي وزير دفاعه، خلال الأشهر الماضية، ويحاصره، ويمنعه من الظهور كوزير دفاع قوي، أو قادر على فرد عضلاته واستعراضها أمام جمهور اليمين الإسرائيلي، خاصة مستوطني ما يسمى غلاف غزة، الذين كانوا يتنمرون عليها، ولا يطيقون رؤية البعوضة وهي تدمي مقلة الأسد، وذلك من خلال ما يحدثه الشباب الفلسطيني من صخب على الجانب الآخر من السياج الشائك الفاصل بين غزة وإسرائيل،
استمر منذ آذار الماضي وحتى الآن، دون أن تنجح إسرائيل بكل جبروتها في وضع حد له ولما يسببه من صداع لها.
لكن لماذا اختار ذلك نتنياهو، فعلى الأغلب لأنه كمسؤول أول يرى المعادلة السياسية من كل جوانبها، فهو لا يريد أن يشوش على "فتوحاته" الخليجية، كذلك هو يدرك أن ترامب صار أضعف قليلا بعد انتخابات الكونغرس النصفية، ولا ينقصه سبب إضافي لتعطيل إعلان صفقة القرن، ثم إنه يعرف ما هي حدود غزة، وأن اندلاع حرب معها، قد يعطل جهده في إخراج إيران من سورية، بل وفي متابعة حصارها ومحاربتها وتقليص نفوذها في الشرق الأوسط، ويدرك تماما بأن غزة بعد أن رفع إسماعيل هنية راية المقاومة السلمية لا تشكل تهديدا أمنيا وجوديا لدولته ولا بأي حال من الأحوال، فلم المبالغة في الرد على البالونات الحارقة، وكل ما تريده غزة هو لقمة خبز وكهرباء واتصال خارجي عبر الوسيط الذي تقبله إسرائيل، إن كان الأمم المتحدة، مصر، تركيا أو قطر، بل وحتى بصيغة اتفاقية كوندوليزا رايس، أي مع مراقبة خفية إسرائيلية على المعبر الخارجي عبر الكاميرات.
ولعل بنيامين نتنياهو قد عبّر في احتفائه بذكرى ديفيد بن غوريون يوم استقالة ليبرمان، وحاول أن يظهر لأول مرة صورته كقائد تاريخي لإسرائيل حين تحدث عن القرارات الإستراتيجية التي قد لا تعجب بعضا من الجمهور لكن صحتها ستظهر لاحقا، وهو يقول هذا بعد أن تولى الحكم بأطول فترة منذ بن غوريون، وبعد أربع حكومات ترأسها، في إشارة تغمز من قناة منافسه على زعامة اليمين الذي كان قد فاز بستة مقاعد فقط في الانتخابات السابقة.
لكن نتنياهو الذي ظفر مع آخر حكومة شكلها باستقرار لم تشهده حكوماته السابقة، لديه مشاكل تتمثل في كونه مضطراً لأن يجد حلا لوزارة الجيش، التي كان يطمح فيها شريكه اليميني الآخر، الطامح أيضا لوراثته كزعيم لليمين ونقصد بالطبع نفتالي بينيت زعيم البيت اليهودي.
فقد كان الرجلان - ليبرمان وبينت - شريكين مناكفين طوال عمر الحكومة الرابعة والثلاثين في تاريخ إسرائيل، ورغم أن البيت اليهودي حاز على ثمانية مقاعد في الكنيست العشرين، إلا أن تكتيك ليبرمان، الذي كان قد تريث في انضمامه للحكومة الحالية، منحه إياها، في حين كان يصعب على الليكود أن يمنح وزارتي الجيش والخارجية للأحزاب الشريكة، لذا فقد احتفظ نتنياهو بالخارجية إلى جانب الصحة والآن بوزارة الأمن، وهذه مشكلة.
كيف يحلها نتنياهو هذا هو مربط الفرس، فبينت بدأ منذ لحظة استقالة ليبرمان بابتزازه مطالبا بها، وإلا فانه سيجبر رئيس الحكومة على الذهاب المبكر للانتخابات، حيث معروف بأن تبكير الانتخابات عادة ما يضر بحظوظ الأغلبية في الانتخابات القادمة.
يمكن القول إذا إن عهد نتنياهو قد بدأ في الأفول، وان معركة وراثته في زعامة اليمين قد انفتحت خاصة بين شريكيه في الحكومة الرابعة والعشرين، أي ليبرمان وبينيت، ذلك أن شخصية نتنياهو القوية قد أضعفت رموز الليكود، بحيث لا يبدو أن هناك واحدا منهم يمكنه أن يقود الليكود في المرحلة التالية، وإذا كان بينيت يعتمد في صعود نجمه على مستوطني الضفة الغربية، فإن ليبرمان قد أضاف إلى جمهور ناخبيه مستوطني غلاف غزة، الذين عارضوا، بل وتظاهروا علنا ضد موافقة الكابينت على وقف النار مع غزة.
لذا بتقديرنا يحتاج نتنياهو إلى وقت حتى يحتوي على نتائج ما حدث، لكن السؤال هو هل يسعفه الوقت، خاصة إذا ما اضطر ترامب لإعلان صفقة القرن قريبا، لذا فالمهم هو أن نتنياهو قد تعرض إلى "خضّة" أو هزة، كما حدث مع حليفه ترامب قبل أسبوع، وكل هذا يغري الجانب الفلسطيني ليعيد ترتيب أوراقه، حتى يفرض واقعا أكثر توازنا في معادلة الصراع.