تعرقل الضم ولم يأتِ الضوء الأخضر الذي انتظره نتنياهو من البيت الأبيض كإشارة للبدء بتعميد مشروعه في نهر الدم وبقي الأمر مفتوحاً على كل الاحتمالات، كيف سيسير الثعلب الإسرائيلي في قادم الأيام والأسابيع والأشهر القليلة المتبقية من عمر الإدارة الأكثر جهلاً في تاريخ الولايات المتحدة؟ لا أحد لديه قدرة على التكهن لأن المعلومات والمعطيات متضاربة، ولكن الفلسطينيين يدركون ألا أمان لتل أبيب حين يقودها من دمر كل شيء.
لكن هذا الفيلم سيئ الاخراج لم ينته بعد، فما زال الجميع يبحث عن خطط ومخارج، نتنياهو لم يستسلم بعد كما يقول الوزير المقرب منه أوفير كوينيس، وأيضاً الرئيس ترامب الذي تشهد إدارته خلافاً حول الموضوع بين مبعوثه آفي بيركوفيتش وبين سفيره الاستيطاني ديفيد فريدمان وما بين مشاكله الداخلية الاجتماعية والاقتصادية وبين ضغوطا الانجيليين الذين يضغطون عليه لإعطاء الضوء الأخضر وإلا فإن مستقبله الانتخابي بعد أشهر على المحك.
وكذلك الوضع بالنسبة للفلسطينيين الذين تنفسوا قليلاً حين مر الأول من تموز بسلام، لكنهم الآن بين مستويين أقل كثيراً من الانتصار وأكبر كثيراً من الهزيمة حين اكتشفوا أن ما يجري هو إسدال الستار على مشروع تمت إعادة هيكلة حركتهم الوطنية بناء عليه، فلم تعد قادرة على التقدم ولا التراجع، ويجيء خيار حل السلطة أو تسليم إسرائيل المسؤولية كخيار أخير يائس يعكس عمق المأزق بعد أكثر من ربع قرن.
ولكن أمر الضم كشف ما هو أبعد، إذ أظهر حجم هشاشتنا فالأدوات القائمة لا تكفي للجم الإسرائيلي، والمناخات القائمة شديدة الإحباط والمؤسسة القائمة لا تستطيع الصد والتفتت الفلسطيني آخذ بالاتساع، والأكثر صعوبة أن يكتشف الفلسطيني ألا برنامج بديلا أو مشروعا آخر يذهب إليه سوى الانتحار السياسي وإغلاق الملف وحل السلطة فيما تلاشت المنظمة كمؤسسة احتياطية كخيار يوم القيامة وحركة الشارع لا تتناسب مع الخطر القائم وتلك لها أسبابها الكثيرة.
المؤتمر الصحافي الذي عقد الخميس الماضي يعكس أيضاً تثاقل الفلسطيني بشكل يثير الإحباط، إذ جاء في اليوم الثاني المفترض للضم وليس قبله للتحضير للصد، وكأن الفلسطيني كان ينتظر الإعلان عن ضم كل تلك المساحات من أراضي دولته المفترضة ليبدأ بعدها التحرك وكأن لا خطط استباقية، أو كأن السياسة الفلسطينية مازالت تراوح في مربع رد الفعل وليس الفعل، رد الفعل البسيط الذي لا ينتج ما ينتظره الفلسطينيون الذين يدركون أن انقسام الفصائل كان حجر أساس نهاية المشروع الوطني حين اقتتلوا على سلطة الآن يتم التهديد بحلها في صراع الوهم.
خلال الأشهر الماضية كان نتنياهو يهيئ كل الظروف للحظة الإعلان عن ملكية المسروقات، وهو جر الإدارة الأميركية متكئاً على سفير الاستيطان الذي ذهب حد إقناع شركاء نتنياهو غانتس وأشكنازي بالضم، إذ عمل خادماً صغيراً لدى صاحب المشروع وكذلك حاول مد الخطوط مع دول عربية لضمان صمتها أو صوتها الخافت.
لا مصادفات في السياسة خاصة حين يتعلق الأمر بالسياسة الإسرائيلية التي ترسم بهدوء شديد، فالدولتان العربيتان الأكثر اقتراباً من القضية الفلسطينية هما مصر والأردن، ويدرك نتنياهو أن هاتين الدولتين هما جزء من الداخل الفلسطيني وممكنات قوته فليس من المصادفة أن تنفجر قضيتان كبيرتان تهددان الأمن القومي المصري في الأيام التي تسبق الضم ...سد النهضة في أثيوبيا الذي يشكل تهديداً حقيقياً للحياة في مصر لأن النيل هو روحها وقلبها وعقلها أيضاً، وهو الملف الذي أحيل منذ عهد عبد الناصر إلى الرئاسة وليس الحكومة.
أما القضية الأخرى فتواجد مجموعات سلفية في ليبيا تحت الجدار المصري وتكثيف حضور الدولة التركية التي تشكل نداً للدولة المصرية.
هذان الملفان كان يجب أن يشغلا السياسة والأمن والمجتمع المصري حتى بعيداً عن موضوع الضم كيف ولماذا؟
فهذه مصر المعروفة بثقلها القادر على إحداث التغيير بصرف النظر عن تغيرات الموازين في الإقليم لصالح بعض دول الهامش، لكن مصر تبقى مصر وحين تنشغل مصر بهذا القدر من الخطر هذا أفضل كثيراً لمن يريد أن ينفذ سرقته.
أما الأردن والذي تعاملت معه إسرائيل بتجاهل شديد وبلا إمكانيات تأثير فالحقيقة هنا أن الملك الأردني هذه المرة قاتل بأكبر من إمكانيات بلاده، فقد وضع ظهره للحائط دفاعاً ليس فقط عن الفلسطينيين بل عن وطنه الذي بات مهدداً إن تمت عملية الضم؛ لأنه يقضي على حلم الدولة الفلسطينية ولأن السياسة لا تعرف الفراغ لن يبقى سوى مشروع الوطن البديل.
ويتحدث بعض الأوساط عن دور مركزي للأردن بعلاقاته بالولايات المتحدة وأعضاء الكونغرس وكذلك بمكالمة مهمة جرت بينه وبين رئيس الوزراء البريطاني أحدثت تقدما في الموقف الضاغط.
لقد كشف وقف مشروع الضم أن هناك حدوداً للبلطجة الأميركية التي كانت تتصرف بعنجهية شديدة فلأول مرة تكون أوروبا بهذا الحسم وتتحدث عن عقوبات تشبه العقوبات على روسيا بعد ضمها جزيرة القرم، وتهدد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 67 ولو فعلت ذلك سابقاً لما رأينا العنجهية الأميركية تطرح خطتها أصلاً ولكن كشفت العملية أن لأوروبا لا يزال دور مركزي اذا تجرأت بالموقف.
عودة للفلسطينيين، يتحدث الصحافي الإسرائيلي جال بيرجر أن هناك خيارات في جعبة الفلسطينيين ولكن هذه الخيارات تتطلب شرطاً واحداً وهو ترتيب البيت الفلسطيني هل نفهم ذلك..؟
فد يهمك أيضا :
امتحانات «التوجيهي»: شبهة خطأ ما...!!!
عن الاستهداف القادم!