بعد هدأة الغبار جردة في «ميزان الربح والخسارة»
آخر تحديث GMT 17:56:49
 فلسطين اليوم -

بعد هدأة الغبار... جردة في «ميزان الربح والخسارة»

 فلسطين اليوم -

بعد هدأة الغبار جردة في «ميزان الربح والخسارة»

عريب الرنتاوي
بقلم : عريب الرنتاوي

بعد انجلاء غبار أول مواجهة أميركية ـ إيرانية مباشرة، ثمة ما يشجع المراقبين على إجراء «جردة حساب» لتحديد الرابحين والخاسرين في هذه الجولة، ومعرفة ما الذي أنجزه كل فريق وما الذي خسره... هل ثمة رابح وخاسر بنتيجتها وفقاً لقواعد «اللعبة الصفرية» المعتمدة بين الطرفين، أم أنها انتهت بمعادلة «رابح ـ رابح» أو «خاسر ـ خاسر»؟ من وجهة نظر أميركية، يمكن الاستناد إلى

«تقييم» وزير الدفاع مارك إسبر بأن واشنطن «استعادت مستوى من الردع» في علاقاتها مع طهران. الضربة الأميركية غير المسبوقة لهدف إيراني وازن، محمّل بالدلالات و»الرمزيات»، تركت وستترك أثرا على سلوك إيران وسياساتها في المنطقة... وإن صحت المعلومات «المشجعة» التي كشف عنها نائب الرئيس مايك بينس بأن طهران أبلغت ميليشيات محسوبة عليها بتفادي ضرب

الأميركيين، فإن تطورا ملموسا سيكون قد طرأ على «معادلة القوة» بين طرفي هذا الصراع الممتدة على مساحة أربعة عقود. لكن في المقابل، ومن وجهة النظر الإيرانية، فإن قيام طهران باستهداف منشآت وقواعد عسكرية أميركية مباشرة، والإعلان عن ذلك رسميا، جهارا نهارا، وفي سابقة لم تجرؤ عليها دولة من قبل، ومنذ أمد بعيد جدا، يستبطن في ذاته، دلالة رمزية عالية، لا تقتصر على

«حفظ ماء الوجه»، بل وتبعث برسائل دالة على ما يمكن أن تكون عليه ردود أفعال إيران إذا ما، وعندما، تقع المواجهة الشاملة، على الرغم من «الحصيلة الصفرية» انتهت الضربة لجهة الخسائر البشرية. مع خسارة إيران الجسيمة بفقدانها «الأب المؤسس» لمجالها الإقليمي الحيوي الممتد من أفغانستان حتى غزة، ومن اليمن مرورا بالعراق وسورية ولبنان، فإن إيران نجحت في توظيف العملية

الأميركية في مطار بغداد، لترميم جبهتها الداخلية، وتنحية الصراع المحتدم بين إصلاحييها وأصولييها، وإن إلى حين... ودفعت للخلف بمطالب «الحراك الشعبي» الذي بدأ يشكل مصدر قلق وتهديد للنظام الإيراني، فتحت شعار «العدو على الباب»، بات بمقدور المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، أن يصرّح بأن «دماء سليماني» أعادت الاعتبار للثورة الإسلامية، بعد أن ظن كثيرون بأن جذوتها قد

خبت. لقد قلنا من قبل، وقال كثيرون غيرنا، إن «التغيير» في إيران، لا يأتي من الخارج، وإن فكرة العدو أو التهديد الخارجي، من شأنه استثارة الشعور القومي لدى الإيرانيين بدل إضعافه، وتغليب كفة «الأصوليين والثوريين» على الإصلاحيين والمجددين في إيران. قلنا وما زلنا نقول، إن طريق إيران للتغيير، يشبه مع اختلاف الظروف، طريق «البيريسترويكا» في الاتحاد السوفياتي المنحل،

ولهذا السبب ـ من بين أسباب أخرى بالطبع ـ أيدنا الاتفاق النووي مع إيران، وراهنّا كغيرنا، على أن إدماج إيران في الاقتصاد والسوق العالميين، من شأنه تشجيع قوى الإصلاح والتغيير وتمكينها، وربما كان هذا رهان إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وغيره من قادة دول مجموعة «5+1». وسنكون على موعد وشيك، الشهر المقبل، للتعرف على أثر المواجهة الأميركية ـ الإيرانية على

الداخل الإيراني، فانتخابات مجلس الشورى يُتَوقع لها، أن تكون «مؤشرا» على حجم التغيير في موازين القوى بين مختلف التيارات الإيرانية، مع أن أغلب التقديرات ترجح من الآن، تصعيد عناصر متشددة وأكثر تشددا إلى سدة البرلمان الإيراني. التطور الأبرز الثاني، يتصل بأثر هذه المواجهة على «ديناميكيات» الانقسام الداخلي في العراق... هنا، وهنا بالذات، يمكن التمييز بين مستويين من

الانقسام ... الأول؛ وقد مثلته الانتفاضة الشعبية العراقية غير المسبوقة، والتي تركزت في الأساس في البيئة الشيعية الحاضنة لأحزاب وميليشيات «الإسلام السياسي الشيعي»، قبل أن يتردد صداها باستحياء وعلى نحو متواضع في المحافظات العربية السنيّة، وظل الأكراد بعيدين عنها. والثاني؛ ويتجلى في اتساع الفجوة بين المكونات العراقية الثلاثة على خلفية الاشتباك الأميركي ـ الإيراني، وهو

ما عكسه على نحو جليّ غياب ممثلي المكون الكردي بالكامل عن جلسة مجلس النواب العراقي التي تقرر فيها الطلب من الحكومة الشروع في إجراءات إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق، وحضور ثلاثة نواب فقط من العرب السنة، أحدهم جادل بالضد من القرار المذكور.هنا، يبدو العراق على مفترق طرق داخلي حاسم: فإما السير على طريق تطوير انتفاضته الشعبية واستعادة هويته

الوطنية الجامعة، واستنقاذ العراق من «صندوق بريد» لتبادل الرسائل الدامية، ودائما على حسابه وفي انتهاك لسيادته واستقلاله، وإما العودة لسياسة التنابذ الطائفي والمذهبي والإثني، في استعادة أكثر فتكا وخطورة، لمشروع «أقلمة» العراق على هذه الأسس، توطئة ـ ربما ـ لانقسامه وتقسميه. ثمة معطيات، لم تنضج بعد، عن حراك سنّي يستعيد ملامح مرحلة ما قبل «داعش»... وثمة معلومات

لم تتأكد من مصادر موثوقة، عن رغبة سنيّة، في العودة إلى مشروع «الأقلمة»، وتوفير «حواضن آمنة» للوجود العسكري الأميركي بوصفه عنصر التوازن الوحيد مع الوجود الإيراني المهيمن في العراق... وثمة معلومات، يصعب الجزم بمدى صحتها، عن اتصالات تجري بين كيانات سنية وعواصم عربية وإقليمية ودولية بهذا الصدد. أما المكون الكردي، فثمة اعتقاد راسخ بدأ يتسلل إلى

أوساط المراقبين في العراق والمنطقة، بأن قادته يتحينون الفرصة لـ»الثأر» من الفشل الذي طاول ضفاف الهزيمة، بعد الاستفتاء على استقلال الإقليم عن العراق (2017)، بالاستفادة من حالة التباعد بين واشنطن وبغداد (المكون الشيعي بخاصة)، والرهان على حاجة واشنطن للإقليم للاحتفاظ بموطئ قدم في العراق، إن لم يكن في سياق الحرب على الإرهاب، ففي سياق «رصد وتتبع» الأنشطة

الإيرانية، داخل إيران وفي العراق وسورية على حد سواء. مستقبل العراق، الذي ارتبط بمصائر الصراع الأميركي ـ الإيراني في العراق وعليه، بات اليوم، مرتبطا أكثر من أي وقت مضى، بمستقبل الصراع بين مشروعين: مشروع الانتفاضة الشعبية بما هي استعادة للهوية الوطنية والدولة المدنية والسيادة العراقية... ومشروع «الأقلمة»، بما هو تعبير عن فشل المكونات والكيانات العراقية في

التوافق والاتفاق على «صورة عراق المستقبل وموقعه». أما التطور البارز الثالث، الذي يتعين التوقف عنده، ويتعلق بمواقف دول الخليج العربية، التي أظهرت إجماعا نادرا في ردة فعلها على المواجهة الأخيرة بين واشنطن وطهران، إذ على الرغم من حالة «الابتهاج» التي هيمنت على وسائل إعلام خليجية بمقتل سليماني والمهندس، إلا أن الأوساط السياسية القيادية في دول المجلس الست،

أظهرت رغبة حقيقية في تجنيب المنطقة خطر الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها. لقد غابت لغة «التجييش» و»التحريض» عن خطاب الثلاثي السعودية الإماراتي البحريني، وحلت محلها لغة «النأي بالنفس»، وتسابقت دول خليجية للتنصل والبراءة من اتهامات «الحرس الثوري» لها باحتضان الطائرات الأميركية التي قتلت سليماني... لم يهدد أحدٌ بقطع يد إيران، ولم يتعهد أحد بنقل

المعركة إلى «الداخل الإيراني». مردّ ذلك يعود من وجهة نظري، لعاملين رئيسين اثنين: الأول؛ خشية هذه الدول من تحول جغرافيتها إلى ساحة للحرب الشاملة المقبلة، مع كل الكلف والخسائر التي يمكن أن تتكبدها... والثاني؛ تآكل جدران الثقة بالولايات المتحدة في مواجهة التهديد الإيراني. هنا، يتعين على واشنطن التفكير مطولاً في مغزى التحول في مواقف أقرب حليفاتها العربيات، سيما بعد

تكرار حالات «التخلي» و»الخذلان» التي أصابت عددا من أصدقاء واشنطن وحلفائها. إن لم يقع ما ليس في الحسبان، من الآن وحتى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في تشرين الثاني القادم، فإن الصراع الأميركي ـ الإيراني في العراق والمنطقة، سيتواصل من ضمن مستويات قابلة للتحكم والسيطرة، على أن الكثير سيعتمد على ما يمكن أن تتخذه إيران من خطوات وإجراءات ترجمة

لشعارها المركزي المستجد: إخراج القوات الأميركية من «غرب آسيا»... ففي منطقة اعتادت المفاجآت من العيار الثقيل دائماً، يصعب التكهن بما هو أبعد من ذلك. وإذا كان من غير المرجح أن يدخل الجانبان في مواجهة شاملة لا يرغب أي منهما في خوض غمارهما، كما يعلنان صباح مساء، فإنه من غير المرجح كذلك، أن ينخرط الجانبان في «مفاوضات جادة وغير مشروطة» دعا إليها

الرئيس الأميركي. إيران، لم تستجب لدعوات ترامب قبل مقتل سليماني، ومن الأصعب عليها أن تستجيب لها بعد مقتله، والأرجح أنها لن تتخذ قراراً استراتيجياً بهذا الشأن وبهذا الحجم، قبل أن ينجلي غبار المعركة الرئاسية في الولايات المتحدة.

قد يهمك أيضا : 

  هل من "نصف ممتلئ" لصفقة القرن؟

  "حل الدولتين": في نقد التفكير الرغائبي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعد هدأة الغبار جردة في «ميزان الربح والخسارة» بعد هدأة الغبار جردة في «ميزان الربح والخسارة»



GMT 22:40 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 17:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25
 فلسطين اليوم - "نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday