ركوب النمر
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

ركوب النمر..!!

 فلسطين اليوم -

ركوب النمر

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

توقفنا قبل أسبوع عند ترامب "الرجل في الوقت المناسب" كما يراه بانون، وأشرنا إلى مكان ومكانة توصيف كهذا في "نظرية" (بصراحة تخبيص) سيّدة فرنسية نازية ومن منظري أقصى اليمين الغربي.
ونستكمل، اليوم، الكلام عن سمات الرجل الثاني والثالث في "النظرية" نفسها.
الثاني "رجل فوق الزمن"، وهو الذي يدرك حقيقة الزمن، ويتعالى عليه، ويدرك هشاشة مسعى الإنسان للتقدّم، ويدرك، أيضاً، أن الخلاص يكمن في الخلود لا في المستقبل.
نجد هذا النوع من الرجال بين الزاهدين، والمتصوفة المجانين في البريّة، وفي شخصيات لا يعيرها المجتمع ما تستحق من اهتمام، بينما مكانتهم عالية ومرموقة في العصر الذهبي.
بيد أن تجاهلهم من جانب، المجتمع في عصور لاحقة، لا يعني أنهم بلا تأثير، فهم يُسهمون في تحرير ما حولهم من أفراد، لا المجتمعات، وحكمتهم تشع في كل اتجاه كضوء الشمس.
أما الثالث "رجل ضد الزمن" فيولد من أصحاب القدرة على الغوص في ألغاز الكون، والمطلين على حقيقة الزمن، ويتحلى بطبيعة المحاربين. يعرف هؤلاء أن تيارات الزمن تسير في اتجاه الدمار، ولكن يفتنهم المجد على الضفة الأخرى (ضفة ماذا، ومجد ماذا، بصراحة لا أفهم) ويسكنهم طموح حارق تحض عليه المُثل العليا، لا الأنانية والمكاسب الشخصية، ويأخذون على عاتقهم حمل العالم، والعبور به، وسط الظلام.
وبهذا يتحوّل هؤلاء إلى برق وشمس في آن. كان هتلر، رغم هزيمته، أحد هؤلاء في نظر السيّدة المذكورة، وقد فعل ما فعل تجسيداً للقيم الآرية.
هذا كله كلام فاضي، بطبيعة الحال، لا تسنده علوم السياسة، والاقتصاد، والتاريخ. ومع ذلك، فلنفكر في أشياء من نوع: أن التاريخ لا تحركّه الأفكار الكبرى، والمُعقّدة، دائماً، وبالضرورة، بل يمكن أن تحرّكه وتصنعه، في الشرق والغرب على حد سواء، فنتازيا واستيهامات على قدر مفزع من السذاجة والفقر المعرفي، والانفصال عن الواقع.
وهذه الصفات كلها، في ظروف مواتية، قد تصبح ذات قابلية عالية للعدوى وإشعال الحرائق. ولنفكر، مثلاً، في حرب الفقيه النجدي على "الشرك"، و"أستاذية" العالم، التي حلم بها شاب مصري في مدرسة ابتدائية، و"الحاكمية" التي كانت مرافعة اليمين الديني ضد الجمهورية والقومية (كنظام في الحكم، وأيديولوجيا معادية للاستعمار) في زمن الحرب الباردة.
على أي حال، فلنبقَ في "الغرب". ينتمي ترامب، كما سبق وأشرنا، في معالجة سبقت، إلى الفئة الأولى.
ويمارس في الواقع، دور "المُفسد"، أو "المُخرّب"، و"المُعطّل". وهذه فعاليات لا تستدعي قراءة الكتب، أو التفكير في الزمن، من جانب القائمين بها، كما يقول بانون.
ولعل في هذه الخلاصة ما يفسّر كيف ولماذا يلتف أشخاص لا يعوزهم الذكاء، والاطلاع على الكتب، حول شخص من فصيلة ترامب، ولا يتورّع هؤلاء، أحياناً، وبانون منهم، عن السخرية منه، والتندر عليه، رغم إيمانهم به، ودفاعهم عنه.
فهم عن طريقه "يركبون النمر". وهذا المجاز مُستمد من "فلسفة" الفاشي إيفولا، الذي يرى أن مُخرجات التنوير والحداثة، كما تتجلى في الدولة القومية الحديثة، وفي أنظمة ليبرالية وشيوعية تعترف بالمساواة وحقوق الإنسان، أصبحت قوّة هائلة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، ويرى أن حظوظ اليمين القومي والديني في مجابهتها والقضاء عليها قليلة.
يشبه هذا الوضع، والكلام لإيفولا، وضع إنسان وجد نفسه وجها لوجه، في الغابة، مع نمر مفترس. فماذا يفعل؟ في الهجوم على الوحش نهايته، وفي الهرب منه نهايته، أيضاً. ويبقى أن الوسيلة الوحيدة للنجاة هي ركوب النمر، ومحاولة البقاء على ظهره حتى يشيخ، وتخور قواه. عندئذ، يمكن للراكب أن ينزل عن ظهر النمر، ويجز عنقه.
وهذا يعني أن على اليمين القومي والديني تفادي المواجهة المباشرة مع الدولة، والاستفادة مما توفر من فرص وضمانات وحريات، (أي ركوبها) وانتظار ضعفها للانقضاض عليها.
هذا ما ترددت أصداؤه، أيضاً، في مشاريع ونقاشات "ركوب" كثيرة لدى الصحويين الوهابيين والحركيين الإخوان، على مدار العقود القليلة الماضية، وما تجلى في نفاد الصبر لدى "دواعشنا" للانقضاض على النمر، وما سيتجلى لدى "دواعش" الغرب على الأرجح، وفي وقت قد لا يطول.
وعلى خلفية هذا كله يمكن أن نفهم، الآن، دلالة "الإفساد" و"التخريب" و"التعطيل"، التي يراها فريق فاعل، ومؤثر، في أقصى اليمين الأميركي، في شخصية ترامب ودوره.
لا يشكو هؤلاء ندرة المهارة، والموارد، ولا فتور الهمة والتصميم، ، وقد تمكنوا عن طريق المذكور، من ركوب النمر، كما لم يحدث من قبل في التاريخ الأميركي.
وفي أميركا خطوط تماس قد يؤدي اشتعالها إلى تفكك الولايات، وانهيار النظام الديمقراطي.
هناك جراح الحرب الأهلية، التي لم تندمل تماماً، وكذلك العنصرية، وميراث استعباد واضطهاد السود.
(والأخيرة أكثر حدّة، في الواقع، من الانقسام السني ـ الشيعي الوهمي الذي نجحت الوهابية، والشيعية السياسية، في تحويله إلى حقيقة).
وهناك، أيضاً، ما لا يحصى من التفاصيل، التي لا تحتل العناوين الرئيسة في نشرات الأخبار: ترجيح كفة اليمين في المحكمة العليا، وفي النظام القضائي الفيدرالي، وتعديل القوانين، وسن تشريعات جديدة، ناهيك طبعاً عن الهبوط بهيبة الرئاسة إلى درك غير مسبوق، ومعها لغة الصراع السياسي، وطريقة إدارته. لذا، لم يعد في وسع العاقل طرد الحرب الأهلية من قائمة الاحتمالات.
المقصود: في ترامب الشخص والظاهرة ما يكفي لإضعاف النظام الليبرالي، وزعزعة قواه، وما يكفي، أيضاً، لتمكين مهووسين بأفكار قيامية، وأصحاب مشاريع إجرامية تماماً، من ركوب النمر، والتفكير بأن لحظة الانقضاض عليه تقترب.
وإذا نجحوا في أميركا، يصبح الانقضاض عليه في كل مكان آخر مسألة وقت لا أكثر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ركوب النمر ركوب النمر



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 02:22 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أبل تقلّل أداء الموديلات القديمة للحفاظ على البطارية

GMT 14:47 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فوزي غلام يستمر مع نابولي ويجدد لفقراء الجنوب

GMT 08:57 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

نصائح إيمي تشايلدز لتعيش حفل رأس سنة مميز

GMT 08:55 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ترشيح ثلاثة مدربين لقيادة نادي "اتحاد الشجاعية"

GMT 20:31 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

"أسرة فيلم الفيل الأزرق2" تنتهي من تصوير العمل بعد أسبوعين

GMT 07:59 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

السياح يغلقون فنادق موسكو في أعياد رأس السنة الجديدة

GMT 18:08 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

سانتياغو سولاري في حيرة بسبب خط الوسط قبل مواجهة "العين"
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday