بقلم : غسان زقطان
يصل طرق سنابك تتقدم من مبنى كلية الشرطة، أجراس مكتومة ومتداخلة تطرق الإسفلت، أربعة خيول تصعد الشارع، خيول ضخمة، قوية ولامعة بصدور عريضة تشي بموطنها البعيد البارد، وقوائم متينة، وذيول كثيفة مسترسلة مغسولة وممشطة بعناية، الفتيان الأربعة من كلية الشرطة الذين يقودون الموكب الصغير لا ينظرون نحو النوافذ والشرفات، ولكنهم يعرفون أن الناس هناك ينظرون، ثمة غيمة خفيفة من الدهشة تنزل من النوافذ ومن الشرفات وتحيط بهم، الفتيان يعرفون ذلك والخيول أيضا.
ما يمنح هذا المرور الصباحي سمة استعراض صغير.
أفكر أنها لا تشبه الخيول التي نواصل مديح جمالها ورشاقتها ودقة قوائمها كلما تحدثنا عن الخيل، أو حين نردّد قصيدة عربية قديمة، خيول عنترة وطرفة والمتنبي، أو حصان مالك بن الريب الأشقر، "خيولنا" التي منحناها في احتكار بلاغي، لا رجعة فيه، صفة الأصالة، الأصالة التي أخرجنا من مملكتها فصائل لا نهاية لها من الخيول.
الصعاليك لا خيول لهم، يمكن مشاهدتهم في القصائد وهم يعبرون الكثبان الحارة، ويتسابقون مع حيوانات البر بسيقان مكشوفة وأقدام تطحن الصخر. يصعد الفتيان بخيولهم الجميلة المدللة، بعد أن لونت ضحى آخر من أيام "الحجر" الطويلة، ويختفون وراء المنعطف ولكن طرق السنابك القوية يواصل بعث صداه في الشارع، الشارع الذي يبدو خاليا الآن، بانتظار الصمت الذي سيحتويه من جديد بعد قليل.
الصمت هو المكان الجديد الذي وصلنا إليه، الصمت الذي افتقدته الأرض منذ وصلت الآلات.
في اليونان، يقول علماء الزلازل، إنهم سمعوا صوت الأرض، في أثينا وسالونيك يستطيعون الإصغاء إلى الطنين المكتوم لقلب الكوكب والسير خلف الهزات الخفيفة التي لا تصل السطح.
الضوضاء التي كانت تحجب الصوت الأزلي تنسحب لتترك الصخور العميقة قادرة على بعث الرسائل. في الشمال السوري، بدأ اللاجئون العودة الى بيوتهم المهجورة، بعد أن خفتت، ولو قليلا، ضوضاء السلاح وبراميل الحوامات ودوي الطائرات التي كانت تحرق الهواء والتراب، وابتعد ضجيجها قليلا عن أغطية البنات والأولاد والنباتات، عادوا لأن الطيور عادت لتحلق فوق سهوب القمح في الجزيرة، عودة فيها كثير من القهر والمفاضلة بين خوف وخوف، المفاضلة المؤلمة بين الخسارات.
قد يهمك أيضا :
غزة أيضاً ودائماً
بيت جالا/ الفصح