فيروس كورونا ولعبة الموت والحياة
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

فيروس كورونا ولعبة الموت والحياة

 فلسطين اليوم -

فيروس كورونا ولعبة الموت والحياة

سما حسن
بقلم : سما حسن

 ما كل هذه الفوضى وهذا الخوف من فيروس صغير، والحقيقة أنه ليس صغيراً، وقد أصاب كل العالم بالذعر، لا يمكن أن تتخيل أن الإنسان يحب البقاء في هذه الحياة، وكلما رأينا مدى ذعره من الموت لتصورنا انه يعيش في نعيم مقيم وان حياته مفتحة الأبواب على السعادة، ومشرعة النوافذ على الرخاء، ولا مشاكل ولا آلام حوله ولا شيء ينغص صفو يومه سوى هذا الفيروس المستجد اللعين.في سبعينات القرن الماضي وضعت أمي مولوداً جميلاً، وقد كان جميلاً لدرجة لا توصف، حتى ان أبي رحمه الله لم يجد له وصفاً أجمل من وصفه بالسلفوح، «ما هو السلفوح» لا أدري، وربما كان نوعاً من السمك الأبيض العريض اللامع الجلد، ولكن ابي كان يصفه كلما أتينا على ذكره بأنه كان مثل السلفوح، ولكن هذا الطفل مات وهو ابن ستة أشهر بسبب نزلة معوية حادة، وقديماً لم تكن النزلة المعوية تعالج إلا بمغلي المرمية، ولم تدخر جدتي لأمي رحمها الله جهداً في سقيه المرمية على مدار الساعة، وكانت تنقعه بالماء البارد لتخفض حرارته، ولكن الإسهال والقيء لم يتوقفا حتى اصبح السلفوح مثل ورقة خريف صفراء ذابلة تتطاير في مهب الريح.

مات الرضيع ابن ستة أشهر وحزنت أُمي وحزن أبي، وكان أبي رجلاً جلداً من النادر ان يظهر حزنه، ولكنه بكى ورأيت دموعه لأول مرة، وجاء جدي لأمي مسرعاً إلى البيت ليشد من أزر أبي، وهكذا رحل الصغير الذي كان يملأ البيت صراخاً، وكان جميلاً لدرجة لا توصف.قبل وفاة ابي بأيام قليلة جئنا على ذكره، فتذكره ابي بنفس الوصف وتحشرج صوته واحتقن وجهه بحزن قديم ثم سالت دمعته، وتحيرت، هل لا يزال أبي يذكره ويحزن عليه بعد كل هذا العمر، لو عاش هذا الطفل لكان في الأربعينات من عمره وكنا وقتها في العام 2018، حتى لحق به أبي ولم نعد نذكره.

هل الفقد يكون موجعاً حين يكون مفرداً، ويهون حين يكون جماعياً، تساءلت بيني وبين نفسي وأنا أتذكر الأفلام العربية القديمة التي استعرضت الأوبئة التي حلت بمصر مثلاً، وكذلك بعض المسلسلات وأذكر منها مسلسل «الأيام» الذي يروي قصة حياة طه حسين وكيف مات شقيقه، وكان طبيباً حديث التخرج بسبب وباء الكوليرا الذي اجتاح الريف المصري في الثلث الأول من القرن العشرين، وتخيلت الموت الجماعي الذي كان يجتاح الريف، وكانت الجنائز تخرج جماعات بصلاة واحدة، وكيف أن الحزن قد غلف بيت عائلة طه حسين حين توفي أحد أفراد العائلة، وكلما تحدث الابن الراحل عن الكوليرا وطرق التصدي لها كان الجميع يرونها بعيدة، حتى حلت بأحدهم فرأوها أقرب مما تخيلوا.

استعاذت جدتي لأبي رحمها الله من الدفن في مقبرة جماعية ويطلق عليها في بلادنا «الفسقية»، وأوصت أن تدفن في قبر مفرد وكأن جسدها سيبقى على هيئته وتخشى أن تنكشف حرمته، وطالما سمعت جدي يؤكد وعده لها مرة مازحاً ومرات على سبيل الجد حين اشتد بها المرض، ودفنت في قبر مفرد كما أوصت.تخيلت كم تكون المقابر الجماعية مؤلمة لأشخاص كانوا أعزاء ومقربين، كيف يكون الموت مثل قطار لا يتوقف في محطة، وكيف يحصد الرؤوس بضربة واحدة، حتى يصبح الحديث عن الموت مثل الحديث عن آخر كوب شاي احتساه احدهم في مقهى وتركه وغادر.

الموت يصبح هيناً في وقت الأوبئة، والأعزاء والأحبة يصبحون رقماً، هل هذه هي الحياة؟ هل هي هينة لهذه الدرجة بحيث يتحول أحبتنا في بعض الأوقات إلى أرقام؟ وهل كل هذه التكنولوجيا تقف عاجزة أمام فيروس مستجد ينبئ بمقابر جماعية وجنائز مشتركة، وحملات تطهير لا تتوقف حتى تذكرنا برش الأشجار لوقايتها من الحشرات والأمراض؟ أذكر تلك النقاط البيضاء التي تترك على أوراق الأشجار وتظل لمدة طويلة حتى حين تؤتي ثمارها أكلها، هل تألمت الشجرة وهي تصاب برذاذ الدواء رغم أن الألم قد جاء بهذه الثمار؟

إن الحياة يا رفاق كذبة، لو لم تكن كذبة لما انتهت سريعاً أمام فيروس مستجد، ولو لم تكن كذبة جميلة لما أصابنا كل هذا الهلع ولما فرغت الصيدليات من الكمامات والمطهرات، وفرغت محال السوبرماركت والمولات من أوراق التواليت، لست أدري لماذا فرغت في استراليا مثلاً أوراق التواليت من محال السوبرماركت؟ ما هي العلاقة بين الفيروس المستجد وأدوات التنظيف في المرحاض، لو عرفت العلاقة ربما كنت سأفهم قليلاً لعبة الموت والحياة....

قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ : 

المدرسة.. وأيام الشتاء الجميلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فيروس كورونا ولعبة الموت والحياة فيروس كورونا ولعبة الموت والحياة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 02:22 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أبل تقلّل أداء الموديلات القديمة للحفاظ على البطارية

GMT 14:47 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فوزي غلام يستمر مع نابولي ويجدد لفقراء الجنوب

GMT 08:57 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

نصائح إيمي تشايلدز لتعيش حفل رأس سنة مميز

GMT 08:55 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ترشيح ثلاثة مدربين لقيادة نادي "اتحاد الشجاعية"

GMT 20:31 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

"أسرة فيلم الفيل الأزرق2" تنتهي من تصوير العمل بعد أسبوعين

GMT 07:59 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

السياح يغلقون فنادق موسكو في أعياد رأس السنة الجديدة

GMT 18:08 2018 السبت ,22 كانون الأول / ديسمبر

سانتياغو سولاري في حيرة بسبب خط الوسط قبل مواجهة "العين"
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday