بقلم : عقل أبو قرع
ما زالت سرعة وحدة انتشار فيروس «كورونا» تحير العلماء والباحثين والأطباء ورجال السياسة والاقتصاد، وما زالت أرقام الوفيات والإصابات وأعداد الفحوصات في تزايد غريب لم يتوقعه أحد، وأصبحت الزيادة اليومية في عدد الإصابات بعشرات الآلاف، وفي طريقها الى الارتفاع اليومي بمئات الآلاف قريباً، وما زلنا نشاهد المناظر المأساوية ونقرأ أرقام الوفيات تزداد وتصل الى الآلاف، ليس في الدول الفقيرة أو بلدان العالم الثالث، ولكن من أوروبا، حيث تشمل إيطاليا وأسبانيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من دول أوروبا ذات الرفاه، وما زال مئات الملايين من الناس يقبعون في البيوت في مختلف بقاع الأرض، ولا يستطيع أحد عمل شيء غير الانتظار، على أمل أن تبدأ الأرقام بالتناقص أو الدعوة بأن تصل أجهزة تنفس، أو أنابيب للفحوصات المخبرية.
وما ينطبق على أوروبا، أصبح الآن واقعاً في الولايات المتحدة، الدولة العظمى التي تملك الترسانة الصاروخية العابرة للقارات والطائرات والقاذفات العملاقة، ولكن لا يوجد فيها العدد الكافي من أجهزة التنفس، ولا حتى من أدوات الوقاية البسيطة، وما زالت الولايات الأميركية تصرخ وتستنجد بالبيت الأبيض من أجل توفير ما لا تملك من أجهزة معدات، وشاهدنا كيف تحولت مستشفيات مدينة نيويوك، عاصمة المال وأسواق الأسهم والبنوك في العالم، الى أشبه بتجمعات مبعثرة، من لا يعرفها يعتقد أنها من أحد مخيمات اللاجئين المنتشرة في العالم، من سورية الى العراق واليمن وأفغانستان وغيرها، وما حدث ويحدث في ولاية نيوريوك من الواضح أنه بدأ بالامتداد الى ولايات أخرى وبالتدريج، من كاليفورنيا الى الينوي وميشغان وفلوريدا والحبل على الجرار، وأمام هذه الصور والضعف وقلة الحيلة، تنهار صورة أميركا العظمى ولسنوات أو لأجيال قادمة، ويصبح الوصول الى 100 الف فقط من الوفيات شيئاً جيداً حسب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ومع الانتشار العاصف والمرعب لهذا الوباء، ما زال الكثير مجهولاً عن فيروس كورونا، وما زالت الجامعات ومراكز الأبحاث الحكومية وتلك التابعة للقطاع الخاص وبالأخص شركات الأدوية، تتسابق من أجل الوصول الى معلومة هنا أو هناك، أو تفسير ظاهرة ما، هذا قبل البدء في العمل من أجل الوصول الى لقاح لمنع العدوى من الأساس، أو الوصول الى دواء يعمل على التخفيف من أعراض الإصابة. ورغم كل الحديث عن احتمال إيجاد لقاح أو دواء، ورغم تصريحات المسؤولين في دول عديدة، وعلى رأسهم الرئيس ترامب بقرب الوصول الى لقاح أو دواء، الا أن الواقع هو عكس ذلك، وما زال التشاؤم والغموض حول هذا الفيروس هو السائد.
ومن الأمور المرعبة عن هذا الفيروس هو سرعة الانتشار، والتي تحاول دراسات بحثية حديثة تفسيرها أو إيجاد الإجابة على مثل هكذا تساؤلات، من حيث التركيز على فترة الحضانة، اي المدة التي تبدأ من دخول الفيروس الى جسم البشر، سواء من خلال الانف أو الفم أو العين، وحتى ظهور الأعراض على الناس، وهناك دراسات أعطت الحد الأقصى لهذه المدة حوالي 14 يوما وبعضها حوالى 17 يوما وبعض الدراسات الى حوالي 5 أسابيع، والمرعب أنه خلال فترة الحضانة هذه، فإن الشخص الذي يحمله قادر على نقل العدوى، أي أن الفيروس قادر على الانتقال، وقد ينتقل الى عشرات بل إلى مئات من الأشخاص المخالطين خلال هذه الفترة، وبدون علم أحد، حتى تبدأ الأعراض بالظهور على الشخص المصاب صاحب العدوى وبعد ذلك على عشرات الأشخاص الآخرين الذين تمت إصابتهم من الشخص المصاب، وهكذا تدور العجلة وتتصاعد الإصابات وترتبك الحكومات وينحشر الناس في بيوتهم وتغلق الشركات والمصالح أبوابها.
ومن المعلومات المجهولة عن هذا الفيروس كذلك، هي المدة التي يمكثها في الأجسام بعد انتقاله من داخل جسم المصاب، حيث أنه ومن لحظة وصوله الى داخل الخلايا، وبالأخص خلايا الرئة، يبدأ بقضم هذه الخلايا وتحطيم الأنسجة، ويتكاثر الى المئات والآلاف وحتى الى مئات الآلاف من النسخ، ومع كل عطسه أو تنفس، تتطاير هذه النسخ الى البيئة المحيطة، مع القدرة على البقاء على الأسطح، لعدة ساعات حسب بعض الدراسات، ولعدة ايام حسب أبحاث اخرى، وحتى لمدة أسبوع حسب دراسة حديثة، ومع كل الاحتمالات للانتقال الى أشخاص آخرين وبالتالي التسبب بالعدوى وهكذا دواليك.
وفي ظل هذا الغموض والمجهول والتخبط والخوف والذهول، وفي ظل عدم وجود بارقة أمل حقيقية علمية بالتوصل الى شيء ما لإيقاف انتشار هذا الفيروس أو للتخفيف من حدة الإصابة به، تبقى الإجراءات الحالية حسب تفاوتها وتخبطها التي تقوم بها ولدرجات متفاوتة دول العالم، هي التي من الممكن أن تبطئ في افضل الأحوال من زحف هذا الفيروس، وسواء أكانت هذه الإجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي، أو ما بات يعرف بالتباعد الاجتماعي، أو البقاء في البيوت، أو الحجر المنزلي، أو إجراء المزيد من الفحوصات للتعرف على أكبر عدد من الحالات، أو التسابق لتوفير أجهزة التنفس والفحص والكمامات، فنحن على ما يبدو سنستمر في مشاهدة التزايد في أعداد الإصابات والوفيات، وسوف تستمر الفضائيات ووكالات الأنباء في التزاحم لتغطية هذا الفيروس من خلال الأخبار العاجلة، وسوف يتواصل فقدان ملايين من العمال والموظفين فرص العمل وإغلاق الشركات والمصانع أو إفلاسها في أرجاء العالم.
قد يهمك أيضا :
فيروس كورونا ... وإمكانية اكتشاف دواء أو لقاح قريباً؟
«كورونا» والأولويات المحلية والعالمية الجديدة!!