بقلم : عقل أبو قرع
حسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر قبل عدة أيام، فإن فيروس كورونا أو فيروس «كوفيد - 19» قد أصبح خارج السيطرة في الكثير من دول العالم، ومع تسجيل دول مثل الولايات المتحدة أكثر من 60 ألف إصابة في اليوم الواحد، في حين سجلت دول أخرى عشرات الآلاف من الحالات اليومية، ومع امتلاء أسرة غرف العناية المكثفة وإشغال كامل لأجهزة التنفس الاصطناعي في مستشفيات دول في العالم، ومع وصول عدد الوفيات في بلادنا الى نحو 30 حالة وعدد الإصابات اليومية الى المئات، ومع عدم وجود تفاؤل حقيقي في الوصول الى نوع من الأمل، سواء على شكل لقاح يحمي من الفيروس أو دواء يخفف من تداعياته ويقي من الموت، ومع مواصلة التضارب والتخبط والغموض حول الفيروس وآلية عمله وطريقة انتشاره، فبدون شك أن هذا الفيروس ليس تحت السيطرة، بأي شكل من الأشكال.
ومع الانتشار المخيف لهذا الوباء، ما زال الكثير مجهولا عنه، ورغم كل الحديث عن احتمال إيجاد لقاح أو دواء، ورغم تصريحات المسؤولين في دول عديدة، بقرب الوصول الى لقاح أو دواء، إلا أن الواقع هو عكس ذلك، وما زال التشاؤم والغموض حول هذا الفيروس هو السائد، ورغم إنفاق مئات المليارات من الدولارات للتعامل مع هذا الفيروس، ومنها إجراء الأبحاث لفهم طريقة انتشاره السريعة المذهلة، إلا أن الغموض ما زال يكتنف هذا الفيروس، ومن عدة نواح:
أولا ـــ طريقة وسرعة الانتشار: حيث ما زال الغموض يحيط بذلك، وربما ما زاد هذا الغموض، تقرير مئات العلماء والباحثين من عدة دول، الذي تم تقديمه قبل أيام الى منظمة الصحة العالمية، والذي يشير الى إمكانية انتقال الفيروس من خلال جزيئات الهواء ولمسافات أطول بكثير مما كان يعتقد العديد من الباحثين، وإذا صح ذلك، فإن هذا ربما يفسر الانتشار السريع والواسع لهذا الفيروس في مناطق وتجمعات، حتى لو كان فيها التباعد الاجتماعي يتم تطبيقه، والمقصود هنا التباعد عدة أمتار بين الناس، وإن ثبت ذلك، فإن هذا الفيروس سوف يبقى لفترات طويلة ويصيب عشرات الملايين الإضافيين من البشر، وسوف يكون من أخطر الفيروسات التي هاجمت البشرية في العصر الحديث.
ثانيا ــــ الطفرة والتحولات: حسب الدراسات الحديثة، هناك نسخ مختلفة من الفيروس في دول العالم، وأن النسخة الحالية من الفيروس، في موجته الثانية، تختلف عن نسخة الفيروس من الموجة الأولى، أي أن الفيروس، والذي هو عبارة عن جزيء من الحامض النووي، والذي يتشكل من بروتينات أو أحماض أمينية، يقوم بإحداث تغييرات أو تعديلات في هذه السلسلة، والهدف من الطفرة، وكأي طفرة أخرى، هو الحصول على المزيد من القوة أو المزيد من المناعة، وبالتالي القدرة الأكثر على التكاثر والتأثير والانتشار، وهذا ان ثبت سوف يجعل عملية الوصول الى لقاح أكثر تعقيدا وتكلفه وتأخذ وقتا أطول.
ثالثا ــــ فترة الحضانة: حيث ما زال الكثير مجهولا عن فترة الحضانة، أي المدة التي تبدأ من دخول الفيروس الى جسم البشر، سواء من خلال الانف أو الفم أو العين، وحتى ظهور الأعراض على الناس، وهناك دراسات أعطت الحد الأقصى لهذه المدة حوالي 14 يوما وبعضها حوالي 17 أو 21 يوما وبعض الدراسات الى حوالي 5 أسابيع، والمرعب أنه خلال فتره الحضانة هذه، فإن الشخص الذي يحمله لقادر على نقل العدوى، أي أن الفيروس قادر على الانتقال، وقد ينتقل الى عشرات بل الى مئات من الأشخاص المخالطين خلال هذه الفترة، ودون علم أحد، حتى تبدأ الأعراض بالظهور على الشخص المصاب صاحب العدوى وبعد ذلك على عشرات الأشخاص الآخرين الذين تمت إصابتهم من الشخص المصاب، وهكذا تدور العجلة وتتصاعد الإصابات وترتبك الحكومات، ومن المعلومات المجهولة عن هذا الفيروس كذلك، هي المدة التي يمكثها على الأجسام بعد انتقاله من داخل جسم المصاب، حيث إنه ومن لحظة وصوله الى داخل الخلايا، وبالأخص خلايا الرئة، يبدأ بقضمها وتحطيم الأنسجة، ويتكاثر الى المئات والآلاف وحتى الى مئات الآلاف من النسخ، ومع كل عطسة أو تنفس، تتطاير هذه النسخ الى البيئة المحيطة، مع القدرة على البقاء على الأسطح، لعدة ساعات حسب بعض الدراسات، ولعدة أيام حسب أبحاث أخرى، وحتى لمدة أسبوع حسب دراسة حديثة، ومع كل الاحتمالات للانتقال الى أشخاص آخرين وبالتالي التسبب بالعدوى وهكذا دواليك.
رابعا ــــ تداعيات غير متوقعة: حيث بات من المعروف أن هذا الفيروس وبالإضافة الى التأثير على الجهاز التنفسي والتكاثر في الانف ومن ثم الانتقال الى الرئة والتكاثر وتحطميها بشكل تدريجي ما يفسر الحاجة الى أجهزة التنفس الاصطناعي للمصابين في المستشفيات، فإن هذا الفيروس له تأثيرات بعيدة المدى على التهابات الدماغ والقلب والدم والكلى وأعضاء أخرى في الجسم، وهذا ما يوحي بمدى خطورته، وبالتالي الحاجة الى التحضيرات اللازمة للتعامل مع تداعياته، من أجهزة وحيز مكاني وكوادر بشرية، وربما هذا يفسر التصاعد الكبير في عدد الوفيات بعد فتره ليست بالطويلة من التصاعد في عدد الإصابات.
خامسا ـــ اللقاحات والعقارات: رغم الإعلان عن التجارب السريرية لهذه الشركة أو تلك، أو لهذا المعهد أو المركز أو ذاك، ورغم التسابق بين الدول وبين الشركات للوصول الى نتيجة، سواء على شكل لقاح أو دواء، تطمئن الناس والأسواق ورجال السياسة والأعمال، إلا أن هذا ما زال بعيدا، وفي أحسن الأحوال لن يتم قبل منتصف العام القادم، حيث يكون الفيروس وفي ظل الوتيرة الحالية، قد أصاب عشرات أو مئات الملايين وتسبب في وفاة الملايين من البشر، وربما يكون التسابق والاندفاع السريع في محاولة الوصول الى لقاح أو عقار، له رد فعل سلبي، حيث إن لقاحا أو دواء يفتقران الى السلامة ولم يجتازا الخطوات المطلوبة والمعروفة في هذا الصدد، لن تجد الكثير من الناس متحمسين لاستعمالها، والكارثة سوف تكون اكبر إذا ثبت بعد فترة، أن لهما آثارا سلبية غير متوقعة على متعاطيهما، وهذا حدث مع الكثير من الأدوية ومنها ما هو معروف وواسع الانتشار، والذي تم سحبه من الأسواق بسبب آثاره العكسية، رغم أنه اجتاز سنوات عديدة من الأبحاث والتطوير على بني البشر وعلى الحيوانات.
سادسا ــــ الوقاية والإجراءات المطلوبة: لا شك أنه وفي ظل هذا الغموض والتخبط وعدم الوضوح، تبقى الإجراءات وتوفير الظروف التي تمنع وصول هذا الفيروس إلى الناس هي الأهم، سواء أكانت الفحوصات وبالتالي تحديد بؤر الإصابة وعزلها وتتبعها، أو الإغلاقات على مناطق تحوي إصابات، أو الوقاية الشخصية، من النظافة وارتداء الكمامة والابتعاد عن الآخرين وعن التجمعات، هي الطريقة الوحيدة من أجل الابتعاد عن فيروس ما زال الغموض يكتنفه من كافة الجوانب.
قد يهمك أيضا :
ملاحظات حول مستقبل انتشار فيروس كورونا!!
«كورونا» والإغلاقات.... من ينتصر أولاً؟؟