بقلم : عبير بشير
يبدو أن ارتفاع الصوت الروسي في وجه بشار الأسد خلال الآونة الأخيرة، يؤشر على تغييرات عميقة في علاقة القيصر بوتين، ببشار الأسد.
وعلى عكس طهران التي لا مستقبل لها في سورية خارج «الماركة الأسدية» تتمتع روسيا بمرونة أكبر في البحث عن خيارات لها للمستقبل في سورية. وقد لا تجد روسيا أنسب من اللحظة الراهنة لتثبيت مواقع قوتها ولو من دون الأسد. فدينامية المنطقة تغيرت بعد وباء «كوفيد- 19» لناحية الأولويات والقدرات، وإيران في أضعف حالاتها في الداخل كما في الخارج، في حين أن الأسد يجتر كل سلوكيات الفشل السياسي والإداري ؟
وتظهر الحملة الإعلامية الروسية غير المسبوقة، نفاد صبر بوتين إزاء الأسد، الذي يعيق التوصل إلى تسوية سلمية مع المعارضة السورية، تسمح بانهاء التحركات العسكرية، وإعلان النصر، كمدخل ضروري لبدء مشروع إعمار سورية، وتدفق الاستثمارات عليها، والتي سيكون للشركات الروسية فيها نصيب الأسد، وخصوصاً أن بوتين بات يعاني من انهيار أسعار النفط، وتفشي وباء كورونا في روسيا.
ولكن رفض الأسد التنازل عن أي من صلاحياته مقابل الحصول على مزيد من الاعتراف الدولي، ومليارات الدولارات على شكل مساعدات لإعادة الإعمار، وقيام وفد الحكومة السورية بتخريب المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة للتوصل إلى مسودة للدستور السوري عن عمد، أثارت فورة غضب روسية نادرة، وبات بوتين ينظر للأسد كشخص عنيد ويمثل خيبة أمل له، ويعرقل خططه.
وخصوصاً أن سورية باتت تغرق في الفوضى الاقتصادية العارمة، وخلال الشهور الستة الماضية، انزلق الاقتصاد السوري إلى هاوية الأزمة، ولقد ارتفع التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، فضلاً عن أزمة القمح التي تتحدى مقدرة المواطن السوري العادي على شراء السلعة الرئيسية في البلاد. ولقد رفع النظام السوري الدعم عن المواد الأساسية الأخرى، وفي الأثناء ذاتها، يعاني قطاع النفط والغاز في سورية مشكلات كبيرة.
ويبرز الفساد كإحدى المسائل ذات الحساسية الكبيرة لدى روسيا في سورية، نظراً لتأثيرها المزعج للغاية على قدرة النظام السوري على العمل بكفاءة، وشفافية، وبطريقة تزيد من احتمالات جذب الاستثمارات الأجنبية. ولذلك.
ونشر موقع تابع ليفجيني بريجوجين، المعروف بطاهي بوتين- كونه يقدم الضيافة والطعام للكرملين- مقالا في وقت سابق يهاجم الأسد ووصفه بـ»الفاسد»، والعاجز، الذي لم ينتخب بطريقة شرعية. وخلص استطلاع الرأي العام في المناطق الخاضعة لسيطرة الرئيس السوري، وأجراه الموقع بأن نسبة 54% من السوريين أعربوا عن قرارهم بعدم التصويت لصالح بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
لكن التصريح الأقوى جاء عن طريق ألكسندر شويلين وهو دبلوماسي روسي يدير مركز أوروبا والشرق الأوسط الممول من الدولة في موسكو: «يحتاج الكرملين إلى التخلص من الصداع السوري.. المشكلة تكمن في شخص واحد - هو بشار الأسد - وحاشيته».
كما وألمح «مجلس الروسي للشؤون الخارجية»، والذي يديره وزير الخارجية الأسبق إيغور إيفانوف، إلى إمكانية التوصل إلى توافق بين روسيا وإيران وتركيا على الإطاحة بالأسد وإقرار وقف شامل للنار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تضم أطرافاً من النظام والمعارضة والقوى الديمقراطية.
ويبدو أن الحملة الإعلامية الشرسة ضد الأسد، التي وصلت إلى حد الإهانة والتقريع، تأتي بمباركة من الكرملين، وتعكس الإحباط في موسكو من الأسد، في الوقت الذي باتت فيه سورية بلا أهمية تذكر على الرقعة الدولية.
لقد اعتمد الكرملين مسارات أخرى متعددة لتوجيه الإهانات إلى الأسد تباعاً. كما حدث في زيارة الرئيس الروسي الخاصة إلى قاعدة حميميم الجوية السورية عام 2017، عندما جرى إبعاد الرئيس السوري بصورة متعمدة ومنعه من السير إلى جانب مع الرئيس الروسي. وكذلك في الزيارات السورية الرسمية لموسكو، حيث كانت الأعلام الوطنية السورية غائبة بصورة واضحة عن الصور المشتركة التي جمعت فلاديمير بوتين مع الأسد.
ولكن معضلة روسيا الحالية، وهي أنه لا يوجد بديل مقنع وقابل للحياة، لبشار الأسد، وهو الذي استغل كلا من موسكو وطهران للبقاء في السلطة، والذي طالما أظهر صلابة في مواجهة الضغط الروسي لأنه يعرف أهمية سورية لروسيا».
حتى محاولات روسية صناعة بديل للأسد، كما فهم من سياق تسريبات رامي مخلوف، والتي هاجم بها رأس النظام السوري، وابن عمته بشار الأسد، لم تصمد مطولاً أمام شراسة النظام السوري في الدفاع عن رئيسه.
قد يهمك أيضا :
عن الخوف الوجودي
عن الخطة الاقتصادية في لبنان