أميركا أولاً أم أميركا فقط
آخر تحديث GMT 17:56:49
 فلسطين اليوم -

"أميركا أولاً" أم أميركا فقط ؟

 فلسطين اليوم -

أميركا أولاً أم أميركا فقط

طلال عوكل
بقلم : طلال عوكل

جائحة كورونا التي تواصل انتشارها وحصدها المزيد من الأرواح يبدو أنها لا تستهدف فقط كبار السن، بما يخفف على نحو واضح مدفوعات الدول المخصصة للتقاعد والمساعدات الاجتماعية، وانما تقدم نموذجين في التعامل المسؤول، مع القضايا التي تشترك فيها البشرية جمعاء. تقدم الصين تجربتها ورؤيتها على مستوى العلاقة بين مسؤولياتها القومية ومسؤولياتها على المستوى العالمي، ولها على الجميع أن يرفع القبعة حيث نجحت من خلال التعامل المبكر والصارم مع الفيروس في أن تحتفل في مدينة يوهان التي كانت بؤرة الجائحة، وأن تبدأ بتقديم المساعدة للآخرين.
قد لا تكون المساعدات الصينية كافية لتمكين الكثير من الدول من تجاوز عجزها على وقف التقدم المتسارع للفيروس، ولكن ذلك ينطوي على مؤشر سياسي وأخلاقي إزاء ما تتعرض له البشرية. لسنا بصدد إقحام دور الفيروس في التنافس بين القوتين الأعظم الصين والولايات المتحدة على موقع الأفضلية، ولا حتى بما له صلة بالتغيرات الكونية ذات العلاقة مع النظام الدولي، وأفضلية النموذج السياسي فثمة الكثير من السيناريوهات المتضاربة وغير المكتملة. مقابل ذلك تقدم الولايات المتحدة نموذجها الخاص إزاء العلاقة بين القومي والأممي، ونحو إعطاء أولوية شبه مطلقة للقومي على حساب التوازن في المسؤولية. منذ بداية عهد الرئيس دونالد ترامب كان قد أعلن أن استراتيجية ادارته تقوم على مبدأ "أميركا أولا"، وقد كانت البداية الأكثر وضوحا تتمثل في السياسة التي اتبعها وتحمست لها المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي. كانت الذريعة المعلنة لاستهداف الأمم المتحدة تقوم على اتهامها بمعاداة إسرائيل والانحياز للفلسطينيين، ثم اتبعها بانسحاب أميركا من اتفاقية المناخ. لم تتوقف الإجراءات السياسية العملية لتأكيد مبدأ "اميركا أولا" فلقد أوقفت مساهماتها المالية في موازنة اليونسكو والمجلس الأعلى لحقوق الإنسان، وأخيرا إعلان الرئيس ترامب عن وقف مساهمتها في موازنة منظمة الصحة العالمية بذريعة تواطئها مع الصين. وفي السياق كانت الولايات المتحدة قد أوقفت مساعداتها للعديد من الدول بما في ذلك المساعدات الإنسانية، الأمر الذي يهدد دور الأمم المتحدة، في مجال القيام بمسؤولياتها التنموية والإنسانية بما يعرض الأمن والسلام العالميين للخطر. تأخرت الإدارة الأميركية في التعامل الجدي مع جائحة كورونا، الأمر الذي أدى إلى عجزها عن ملاحقة انتشار الفيروس داخل اميركا. في وقت متأخر أي في السابع والعشرين من آذار اتخذ الكونغرس قراراً بتخصيص 2,2 ترليون دولار لاحتواء الفيروس وتوفير الإغاثة الاقتصادية المؤقتة للعمل والشركات الأميركية، واللافت أن الإدارة الأميركية خصصت فقط مليارا ونصف المليار لدعم الأنشطة الدولية بما في ذلك مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وهذه ربما تتوقف بعد قرار الرئيس ترامب بوقف مساهمات أميركا في ميزانية منظمة الصحة العالمية. عام 2018 كان ترامب أعلن وقف تقديم المساعدة الأجنبية لأولئك الذين لا يحترمون الولايات المتحدة، وكان في مقدمة هؤلاء دولة فلسطين التي قطعت الولايات المتحدة عنها لأسباب سياسية كل أشكال المساعدات، بما في ذلك للمستشفيات في القدس بعد أن توقفت عن تقديم مساهمتها التي تتجاوز 350 مليون دولار للأونروا. خلال الفترة الرئاسية السابقة كانت الولايات المتحدة تقدم نحو سبعمائة مليار دولار في إطار المساعدات سواء لبرامج الأمم المتحدة أو في إطار المساعدات الإنسانية والتنموية، أما في عهد ترامب فقد جرى تجفيف هذا الصندوق إلى بضعت مليارات. في ضوء ذلك فإن دور وأداء منظمة الصحة العالمية في مجال مكافحة الأمراض والوقاية منها سيتراجع على نحو ملحوظ، ذلك أن الولايات المتحدة هي المساهم الأكبر في موازنتها بالمقارنة مع حصة كل من الصين واليابان وألمانيا وهي الدول الأساسية التي تتحمل عبء موازنة هذه المنظمة. إزاء ذلك لا يمكن حصر الدول التي يمكن أن يتعرض نظامها الصحي للانهيار، بل إن عديد الدول ربما تشهد انهيارات وفوضى في أنظمتها السياسية وقدرتها على الاستقرار. لقد تعود الرئيس ترامب على اتخاذ سياسات و مواقف واجراءات جذرية تحقيقا لمبدأ "أميركا أولا" وفي إطار تغيير الدور التقليدي الذي تلعبه فوق استراتيجياتها لتحقيق مصالحها، بما في ذلك اجراءاته في مجال التعامل الأمني والتجاري مع دول الاتحاد الأوروبي. إذ ذاك من الطبيعي أن تنعكس السياسة الأميركية على كل مفاصل وتفاصيل المجتمع الدولي ومكوناته وآليات عمل النظام السياسي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، فهي الدولة التي تنتج ما يقرب من ربع الإنتاج العالمي والدولة الأقوى عسكرياً التي تقف لفترة طويلة على رأس النظام العالمي. ولكن في زمن العولمة هل يمكن للولايات المتحدة أو غيرها أن تحمي نفسها من الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية التي تؤثر على نحو جماعي على سكان الأرض؟ خاصة وأن العديد من هذه الظواهر لا تعترف بالحدود كما هو الحال الآن مع "كورونا"؟ إن سياسة "أميركا أولاً" التي يتم ترجمتها وفق سياسة "أميركا فقط" قد تكون وصفة لحجْر استراتيجي أميركي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا أولاً أم أميركا فقط أميركا أولاً أم أميركا فقط



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 17:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25
 فلسطين اليوم - "نيسان" تحتفل بـ40 عامًا من الابتكار في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان

GMT 09:52 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قناعاتنا الشخصية
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday