بقلم : هاني حبيب
الفيديو الذي وثق عملية قتل همجية لجورج فلويد المواطن الأميركي من أصلٍ إفريقي، مكّن المشاهد وبسرعة وبدقة من متابعة عملية القتل العمد الذي قام به الشرطي القاتل، وفي قراءة أكثر تفصيلاً للمشهد من خلال الفيديو الذي استمر لحوالي تسع دقائق متواصلة، يمكن ملاحظة أن الشرطي القاتل كان يستمتع لصرخات فلويد الذي كان يصرخ أنه لا يستطيع التنفس، ذلك أنّ الشرطي القاتل كان يضع يده في جيبه بلا اكتراث لصرخات الضحية بينما يزيد لحظة بعد أخرى من ضغط ركبته على رقبة الضحية، وفي تفصيل آخر للمشهد أنّ الشرطي القاتل كان يلاحظ عددًا من الشهود الذين استخدموا كاميرات جوالاتهم في تصوير المشهد الإجرامي، وكأنه يحثهم على مزيد من التقاط هذا المشهد الوحشي، ما يشير بوضوح أنّ هذا القتل ليس فقط متعمدًا بل قتل سادي استمتع القاتل من خلاله بينما كانت الضحية تلفظ أنفاسها الأخيرة.
وقبل أن يفرج عنه وعن فريقه التلفزيوني وبينما كان مراسل شبكة CNN عمر جيمز يقوم بعمله في تغطية الاحتجاجات على جريمة مقتل فلويد قامت شرطة مدينة مينابوليس بإلقاء القبض عليه وتقييده مع طاقمه واحتجازه لأكثر من ساعة. هذا المراسل هو أسود من أصل أفريقي أيضًا، ما يشير إلى طبيعة الانتقاء والاختيار في استقصاد لا شك فيه للأميركيين من أصلٍ أسود حتى لو كان هؤلاء يمارسون عملهم في تغطية الأحداث.
بعد نهاية الحرب الأهلية الأميركية، قامت مجموعة عنصرية تتغذى على الكراهية وتتبنى نظرية سيطرة الرجل الأميركي الأبيض اتخذت من اسم الكوكس كلان اسماً لها، وبلغ تعدادها أوائل القرن العشرين أربعة ملايين عنصري أبيض، كانوا يتجمعون في سياق طقوس مظهرية ويرتدون زياً موحداً للملابس البيضاء وأقنعة بيضاء مثلثة الشكل تغطي الوجه باستثناء العيون. التاريخ الأميركي مليء بهجمات هذه المجموعة العنصرية ضد الأفراد والمجموعات من الأميركيين من أصلٍ أفريقي، وأحد أهم طقوس أعمالهم الإجرامية قيام هذه المجموعة بقتل الضحايا من خلال صلبهم وحرقهم أحياء.
تلاشت المظاهر المنظمة لهذه المجموعات العنصرية وتراجع عدد المنتمين إليها بحيث وصل إلى 2000 عنصري عام 2006، إلاّ أنّ نظرياتهم ومعتقداتهم وسلوكهم لا تزال تجد لها مكانة في أوساط مختلفة من المجتمع الأميركي، والذي مع مرور الوقت لم يعد بحاجة إلى أقنعة تغطي هوية العنصري ولا إلى اللجوء إلى حرق الضحية الأسود على الصليب، ذلك أن هذه المجموعات العنصرية أخذت تمارس عنصريتها من خلال المؤسسات السياسية والأمنية، خاصة في جهاز الشرطة كما تشير وقائع عديدة موثقة جرت خلال العقود الماضية، عندما مارست الشرطة الأميركية أساليب سادية لترجمة عنصريتها ضد المواطنين السود دون أن يحظى الضحايا وعائلاتهم بمحاكمة عادلة للقتلة المجرمين الذي عادة ما يتم الإفراج عنهم إما بتبرئتهم أو اتهامهم بتهم بسيطة، كما هو حال القاتل الذي قتل فلويد قبل أيام، ذلك أنّ المؤسسة العدلية الأميركية أشارت الى أن سبب موت فلويد يعود إلى تناوله الممنوعات واتهام القاتل بالقتل غير العمد في أفضل الأحوال رغم الشهود ورغم الفيديو ورغم أنف الحقيقة.
لم تعد هناك حاجة لمنظمة عنصرية مثل الكوكس كلان، فإدارة ترامب حولت النظريات والسلوكيات العنصرية إلى سياسة يومية، تصريحات الرئيس الأميركي التي تتخذ من العنصرية منهجاً عملياً بات أمراً متفقاً عليه من مختلف الأوساط في الداخل الأميركي كما لدى الرأي العام العالمي، اعتراض تويتر وموقف منظمة العفو الدولية الذي أدان تصريحاته العنصرية ضد المتظاهرين وتهديدهم المعلن والمباشر بإطلاق النار عليهم يعتبر تحولاً من مظاهر أزياء الكوكس كلان إلى عنصرية وقحة يرتدي أصحابها البدلات والياقات البيضاء ويتخذون من البيت الأبيض غرفة عمليات للقيادة العنصرية.
قد يهمك أيضا :
من تداعيات صفقة ترامب ـ نتنياهو: حكومة وحدة وطنية في إسرائيل!
من أجل الأسرى: مبادرة "الغموض البنّاء"!