بقلم : صادق الشافعي
حقيقة، إن هناك الكثير مما يجلب الهم والغم وربما أكثر مما يمكن احتماله.
للهم والغم أكثر من نوع وشكل وأكثر من مصدر ومستوى ودرجة.
الوضع الذاتي هو المسبب الأول لهذا الهم والغم، والانقسام ما زال يحتل الصدارة فيه. خصوصاً وهو يتكرس أمام أعين الجميع في شكل كياني سياسي مطلق الانفرادية والتحكم وبكل المكونات والتفاصيل، وانه يسير بثبات نحو القبول به والتعايش معه، من باب الأمر الواقع، او باب الخضوع لسطوته، أو من باب ضعف العاجز.
يتضاعف همّ وغمّ الوضع الذاتي ويضاف اليه القلق والتحفز مع كل أشكال وأنواع المشاريع والاعتداءات والتهديدات القادمة من دولة الاحتلال، خصوصاً وهي تكتسب تطوراً نوعياً يهدد الكيانية السياسية والمستقبل الوطني الفلسطيني، ويتم الإقدام عليها بدرجة غير مسبوقة من العدوانية المتحدية والصلف والتنمر.
ثم هناك الغم والهم القادم من الواقع العربي المحبط بخلافاته وانقساماته وسياساته، وأيضاً، من مؤشرات التطبيع مع دولة الاحتلال، حتى وهي لا تزال في المرحلة الجنينية المشكوك بإنجابها، وفي دائرة التنصل والنفي.
مع حقيقة الهم والغم، يجب رؤية ما يُفرح، وما يحفظ التوازن الرؤيوي، مستقراً في دائرة التفاؤل والأمل الاستراتيجيين، والقائم على حقائق موضوعية وليس مجرد اماني وتطلعات.
إن القاعدة الصلبة التي تقوم عليها هذه الرؤية هي الحالة الجماهيرية التي ظلت ولا تزال متوحدة على قلب رجل واحد، متمسكة بتحقيق كامل أهدافها الوطنية، بأشكال النضال المتكاملة، ومهما كان الثمن في سبيل ذلك.
وعلى قاعدة الحالة الجماهيرية الموصوفة ظل شعبنا الفلسطيني يحقق إنجازات وابداعات وانتصارات في أكثر من مجال، وطني وسياسي وفني واقتصادي وتضامين، وعلى امتداد العالم وهيئاته ومؤسساته: الوطنية والدولية.
من إنجازات الفترة الأخيرة يمكن انتقاء الثلاثة التالية:
الإنجاز الأول، "حملة التضامن مع فلسطين تهزم الحكومة البريطانية أمام محكمة العدل العليا" كما جاء في عنوان "الأيام" في 30 نيسان الماضي.
جاء هذا الإنجاز كمحصلة نهائية لمعركة قضائية طويلة بين الحكومة البريطانية وحركة التضامن مع فلسطين، امتدت من محكمة الدرجة الأولى الى محكمة الاستئناف، وصولا الى محكمة العدل العليا، التي جاء حكمها لصالح حملة التضامن مع فلسطين.
أما بداية القضية وموضوعها فكانت اللوائح والتعليمات الحكومية البريطانية التي طالبت صناديق التقاعد في الحكومات المحلية (البلديات) "عدم سحب استثماراتها في الشركات المتواطئة مع قمع إسرائيل للشعب الفلسطيني، ومن الصناعات العسكرية أيضاً".
وجاء قرار محكمة العدل العليا ليجعل تلك اللوائح باطلة ولاغية تماماً ونهائياً. وليعطي البلديات الحق في سحب استثماراتها من شركات دولة الاحتلال (يعني ممارسة المقاطعة وسحب الاستثمارات)، وكذلك أيضاً، من الصناعات العسكرية البريطانية، في حال ضلوع تلك الشركات بانتهاكات لحقوق الإنسان.
هذا الإنجاز جاء في مسار معركة واسعة وطويلة تخوضها دولة الاحتلال وحلفاؤها في بريطانيا لنزع الشرعية عن النشاط الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني.
أما الإنجاز الثاني، فهو قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان، والذي اتخذ بالإجماع:
" بإدانة القرار الذي اتخذته المحكمة الفرنسية العليا ضد نشطاء المقاطعة لإسرائيل BDS واعتباره انتهاكاً للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان".
وحسب المنسق العام لحركة المقاطعة (BDS)، فإن هذا القرار/الحكم يعد صفعة قانونية لنظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلي، ولحربه ضد حركة المقاطعة، وانتصاراً حاسماً للحركة ونشطائها حول العالم. ويشكل غطاء قانونياً لنشاطات حركة المقاطعة ويضفي عليها الشرعية في بلدان الاتحاد الأوروبي. والقرار يأتي متسقاً مع موقف الاتحاد الأوروبي عام 2016 الذي أكد ان الدعوة الى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها هو حق مكفول.
والإنجازان شكلا انتصارين في مسار المعركة الأوسع على المستوى الدولي ضد BDS. ولوقف النجاحات المؤثرة التي تحققها في معظم بلاد العالم، ولوقف الضرر المؤثر والمتصاعد الذي تلحقه بدولة الاحتلال، بالذات في مجالي الاستيطان والاقتصاد.
تحية حارة لـ BDS وللجنود المجهولين من جمهورها وقادتها وفاعليها ومناصريها.
أما الإنجاز الثالث، فهو إعلان جامعة "براون" في ولاية رود ايلاند الأميركية تسمية قسم الدراسات الفلسطينية فيها باسم شاعرنا الفلسطيني العظيم "محمود درويش" وأنها بصدد إنشاء كرسي محمود درويش في الدراسات الفلسطينية.
ومن المفيد المعرفة، ان جامعة براون هي، الى جانب سبع جامعات أميركية أخرى، واحدة من أرقى وأهم الجامعات في أميركا (برينستون هارفارد، ييل، كولومبيا، كورنيل، بنسلفانيا ودارتموث) وكلها تجتمع تحت اسم "أيفي ليغ".
واختارت الجامعة لرئاسة هذا القسم (قسم الدراسات الفلسطينية) البروفسور والأكاديمي الفلسطيني المعروف بشارة دوماني.
جمع الجامعة بين الاسمين درويش ودوماني، يسلط الضوء على حيوية الحياة الفلسطينية" باعتبارها مصدر اهتمام وقلق رئيسي في الشؤون الاكاديمية والثقافية والسياسية على المستوى العالمي.
بهذا يكون محمود درويش الفلسطيني الثاني بعد ادوارد سعيد، الذي يحمل اسمه قسم للدراسات في واحدة أخرى من الجامعات السبع المذكورة (جامعة كولومبيا).
وبهذا يستمر "محمود درويش" كما ادوارد سعيد، يصنعان المجد لوطنهما وأهله ميتَين، كما ظلا يصنعانه وهما حيان.
قد يهمك ايضا :
خواطر من حرب حزيران 1967
جدل مع مداخلة للأخ إسماعيل هنية