تأملات في عالم متغيّر 10
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

تأملات في عالم متغيّر (10)

 فلسطين اليوم -

تأملات في عالم متغيّر 10

حسن خضر
بقلم : حسن خضر

هذه هي المعالجة العاشرة، والتي نريد لها أن تكون أخيرة، في محاولة لتقصي ما أثارت «صفقة ترامب» من تداعيات ودلالات بالنسبة للعرب والإسرائيليين والفلسطينيين والعالم. وقد جاءت مختزلة، وفي صيغة خلاصات عامة، لعل فيها ما يُحرّض على نقاش أوسع، لما يبدو نافذة أغلقها التاريخ ليفتح، في الوقت نفسه، ومن حسن الحظ، غيرها.

تناولنا، قبل أسبوع، رهان الإسرائيليين على الشعبويات الصاعدة، في الغرب ومناطق مختلفة من العالم، وتحوّل دولة لليهود في آخر، وأعلى، تجلياتها، إلى عبء على الديمقراطيات الليبرالية الغربية، لا من حيث الواقعية السياسية (Realpolitik) حتى الآن، بل الضمير، وما ينجم عن التناقض من توتر دائم في، وتوتير لعلاقتها بإسرائيل.

كما تكلمنا عن نفاد الرصيد الرمزي والأخلاقي لدولة لليهود بوصفه نتيجة موضوعية للرهان. وهذه التضحية يقدم عليها الإسرائيليون، اليمين القومي ـ الديني على نحو خاص (يمثل الأغلبية في الوقت الحاضر)، على أمل تصفية المسألة الفلسطينية بطريقة حاسمة ونهائية، أي إعلان الانتصار النهائي.

وتجدر الإشارة، هنا، إلى مفارقة تتجلى في القدرة على خلق واقع تبدو فيه المسألة، من ناحية، وكأنها قد صُفيت فعلاً، واستحالة التصفية بقدر ما يتعلّق الأمر بإكراهات الجغرافيا السياسية، والديمغرافيا، والذاكرة والتاريخ، من ناحية ثانية. وما قد تُحرّض عليه مفارقة كهذه، في وقت ما، من محاولات لحل التناقض، وبعد اليأس من نجاعة حل الأبارتهايد (القائم منذ عقود، والمرشح لعقود لاحقة بتسميات وصيغ مختلفة) بطريقة تنطوي على سيناريوهات كابوسية وكارثية إلى حد بعيد.

واقعياً: وعلى طريقة إنشاء عالم «الحقائق البديلة» التي دخلت قاموس السياسة بعد صعود ترامب: يمكن تصفية الأونروا، وقضية اللاجئين، وشطب تعبير الاحتلال من التداول في العلاقات، والمحافل الإقليمية والدولية، وتكريس واقع الأبارتهايد، وتجريم المقاومة الفلسطينية السلمية والمسلحة على حد سواء، في الإقليم والعالم، كنوع من الإرهاب.

بيد أن هذا كله لن يحل مشكلة الديمغرافيا الفلسطينية، ومشكلة انفتاح أفق جديد للترابط العضوي والمصيري بين المسألتين العربية والفلسطينية، وما ينجم عنه من حركة وحراك كفاحيين، ولن يحل مشكلة نفاد الرصيد الرمزي والأخلاقي لدولة لليهود، وما ينجم عن النفاد من فقدان مصادر الشرعية، ما يعني تقويض الدولة نفسها.

وهذا مرعب بشكل خاص لحملة كولونيالية أوروبية تأصلنت (أي أصبحت مثل السكّان الأصليين إلى حد تحولت معه صورتها في المرآة إلى مصدر خوف دائم) وأصبحت مرشحة «للضياع»، إن فقدت الخصوصية، في «غابة» الشرق الأوسط العربية، والتركية، والفارسية.

والواقع أن هذا كله، معطوفاً على الشوكة القيامية السامة للخلاص الميسيائي (التي حذّر غيرشوم شولم من مخاطرها) قد يجعل من سيناريوهات كابوسية وكارثية تماماً الخيار الوحيد، والانتحاري، لحل المسألة الفلسطينية بطريقة نهائية وحاسمة: الحرب «الأهلية» بين السكّان الأصليين والمستوطنين، والترانسفير، وهندسة الخرائط والمصائر والحدود القريبة والبعيدة.

وإذا كان ثمة من «فضيلة» لانهيار الإمبراطورية السوفياتية، مثلاً، بطريقة مفاجئة بعد فقدان شرعيتها في زمن الطغيان الستاليني (أطالت الحرب العالمية الثانية عمرها) أو من «فضيلة» لفيروس كورونا الحقير، الذي فرض منع التجوّل على البشرية، فتتمثل في القبول بالمفاجئ، وغير المتوقع من التحوّلات كاحتمال قائم، والتدريب على قراءة وتأويل علامات الشقوق، والإنصات لصوت التيارات الجوفية المائية في الأعماق، وعدم الثقة بالمألوف، أو التعامل مع الظاهر كتمثيل صحي وصحيح للباطن في كل ما يتصل بمنظومات وأنظمة وهياكل الدول والعلاقات.

لذا، في لحظة تبدو فيها استراتيجية «الجدار الحديدي» (بلغة جابوتنسكي) وقد حققت المُراد، يفشل الإسرائيليون في إدراك أن الانتصار نسبي، كما الهزيمة، فلا هذا نهائي في التاريخ ولا تلك. وعلى خلفية هذا الفشل تبدو الشرعية، في أكثر لحظات دولة لليهود قوّة في تاريخها، ورقة يابسة في مهب الريح.

على أي حال، لا ينبغي لخلاصات كهذه أن تكون مبعثاً لسرور أحد. فالكثير يعتمد على سلوك وخيارات الفلسطينيين، أيضاً. فهم لا يستطيعون الرهان على، والانخراط، في موجة الشعبويات والقوميات الصاعدة، ولا يمكنهم تعظيم رأس المال الرمزي والأخلاقي للمسألة الفلسطينية، والرهان عليه، كقاسم مشترك بينهم وبين الشعوب العربية من ناحية، وشعوب الإقليم والعالم من ناحية ثانية، ما لم تكن مضامين رأس المال هذا إنسانية، وديمقراطية، ومعادية للعنصرية والتمركزات القومية والدينية.

وهذا، وليكن معلوماً بلغة لا تقبل التأويل: ما سلبته حماس من رأس المال الرمزي والأخلاقي للمسألة الفلسطينية، وما لن تتمكن الفصائل المسكينة القائمة، التي تعتاش على أمجاد ماض مضى، من توفيره لهم. سيحتاج الأمر فترة قد تطول أو تقصر قبل عودة الروح إلى الحركة الوطنية الفلسطينية. ولا عودة للروح دون إعادة تصوّر وتصوير فكرة فلسطين كلغة مشتركة بيننا وبين العرب، والعالم، وكلغة يمكن أن يعثر فيها الإسرائيليون أنفسهم على مشترك من نوع ما.

قد يهمك أيضا :

تأملات في عالم مُتغيّر (6) 

  تأملات في عالم مُتغيّر (5)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات في عالم متغيّر 10 تأملات في عالم متغيّر 10



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 02:22 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

أبل تقلّل أداء الموديلات القديمة للحفاظ على البطارية

GMT 14:47 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فوزي غلام يستمر مع نابولي ويجدد لفقراء الجنوب

GMT 08:57 2014 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

نصائح إيمي تشايلدز لتعيش حفل رأس سنة مميز

GMT 08:55 2015 الأربعاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ترشيح ثلاثة مدربين لقيادة نادي "اتحاد الشجاعية"

GMT 20:31 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

"أسرة فيلم الفيل الأزرق2" تنتهي من تصوير العمل بعد أسبوعين

GMT 07:59 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

السياح يغلقون فنادق موسكو في أعياد رأس السنة الجديدة
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday