بقلم : عقل أبو قرع
مع كل المآسي والأضرار والخسائر بأنواعها التي أحدثها تفشي فيروس «كورونا» في مختلف أنحاء العالم، إلا أنه وحسب المعطيات والدراسات الأولية، ونتيجة لبعض الأبحاث من هنا ومن هناك، خرج النظام البيئي العالمي رابحاً ولو في الوقت الحاضر على الأقل، حيث تشير المعطيات الى انخفاض نسب التلوث بدرجة تصل الى حوالي الـ 80% في المدن الصناعية الكبيرة، مثل بكين ودلهي ولوس أنجلس ونيويورك وسان باولو وغيرهما، وتظهر بعض الصور التي تم التقاطها من الفضاء بدء تعافي طبقة الأوزون التي تحمي الأرض ومن عليها من أشعة الشمس فوق البنفسجية الضارة، وحتى بينت الوقائع أن قمم جبال الهمالايا في الهند قد تم رؤيتها منذ عشرات السنوات، لأول مره بالعين المجردة، نتيجة انقشاع طبقات التلوث التي كانت تغطيها وتغطي أجواء الهند بكثافة.
حيث نعرف أن التلوث البيئي هو نتاج مباشر للتقدم الصناعي ونشاطات البشر، وأن هناك علاقة مباشرة بين التلوث البيئي وأمراض كثيرة ومنها أمراض عضالة لها علاقة بالتلوث البيئي وتداعياته، ومنها ما هو اصبح شائعاً عندنا، ومنها أمراض السرطان المتنوعة، والتي أصبحت وخلال السنوات القليلة الماضية، مسبباً أساسياً للوفيات في كثير من الدول، والمسبب الثاني للوفاة في بلادنا، سواء أكان ذلك في الضفة الغربية او في قطاع غزة، حيث على ما يبدو هناك ممارسات حياتية وظروف بيئية وأنظمة غذائية هي التي ساعدت وتساعد على انتشار هذه الأمراض.
ومع الأثر الإيجابي الآني لفيروس «كورونا» على النظام البيئي العالمي، إلا أن هناك دراسات تربط وبشكل ما بين انتشار الأوبئة وبالأخص الفيروسات وبين عبث الإنسان في النظام البيئي الذي نحيا فيه، وان إخلال الإنسان بالتوازنات البيئية الحيوية الذي يحويها النظام البيئي، من بشر وحيوانات ونباتات ومياه وهواء وتربة وما الى ذلك، هو الذي ساعد على انتشار كائنات دقيقة ومن ضمنها الفيروسات من المكونات الأخرى في النظام البيئي الى الإنسان، وبالأخص حين يكون هذا العبث في شكل إحداث الاختلالات الجينية أو الهندسة الجينية في نباتات وحيوانات من أجل تغيير صورتها الأصلية، وذلك من أجل الاستفادة أكثر أو الاحتكار، وهذا ربما وحسب دراسات، قد ينطبق على المساعدة التي كان في الأصل يستأصل بها هذا الفيروس، الى الإنسان ومن ثم انتقاله من الإنسان الى الإنسان، وصولاً الى الأوضاع التي نعيشها في الوقت الحاضر.
وانتشار «كورونا» في مختلف بقاع العالم، وبالأخص في الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والصين والهند والبرازيل وروسيا وغيرهما، وبالتالي توقف عجلة الدوران الصناعي وبالتالي التلوث البيئي، قد ينطبق عليه المثل الشائع بأن «مصائب قوم عند قوم فوائد»، حيث ورغم ملايين الإصابات ومئات الآلاف من الوفيات، والخسائر الاقتصادية بمئات المليارات من الدولارات، الا أن بقاء حوالى 4 مليارات إنسان في بيوتهم، أو توقف نشاطاتهم وتنقلاتهم وحركتهم وتفاعلهم مع بعضهم، وبالتالي توقف الطيران والسيارات والمصانع وضعف الإقبال على استهلاك النفط، قد أحدث أثراً سريعاً إيجابياً على النظام البيئي، متمثلاً في قياس نسبة تلوث الهواء في المدن الصناعية الكبرى، وبالتالي انخفاض نسبة التلوث هذه الى اكثر من 50% مقارنة بالظروف العادية، وبالطبع سوف يكون لذلك أثر على النظام البيئي، على المدى البعيد.
حيث إن الاحتباس الحراري وارتفاع حرارة الأرض وما جر ذلك من ذوبان للجليد والفيضانات وقلة الأمطار والتصحر، هي ظواهر نتجت بفعل تواصل وتراكم الملوثات في الجو، وبالأخص ملوثات تقوم المصانع والمعامل ومصافي النفط ومحطات الطاقة ببثها الى طبقات الجو في الدول الصناعية، ومن الواضح أن تلك الدول هي التي تأثرت وما زالت تتأثر كثيراً بتفشي وتداعيات انتشار فيروس كورونا، وبالتالي من المتوقع أن يكون هناك أثر إيجابي بعيد المدى على هذه الظواهر في هذه الدول.
ومع المآسي التي تتواصل نتيجة انتشار فيروس «كورونا» وتزايد عدد الوفيات وارتفاع عدد البلدان التي اجتاحها هذا الفيروس، دعونا نتذكر أن التقدم التكنولوجي والصناعي وبث الملوثات الى الجو، ليس دائماً في الصالح الإيجابي للبشر، حيث دلت نتائج دراسات ومعطيات سريعة، أنه من الممكن التوازن بين نشاطات البشر المفيدة لهم وبين الحفاظ على النظام البيئي لهم ولأجيالهم، سواء من حيث حماية الهواء والمياه والغذاء من التلوث، أو حماية الأرض ومن عليها من أشعة الشمس الضارة، أو من حيث منع إحداث الخلل في حرارة الأرض والاحتباس الحراري، وبالتالي قلة الأمطار والتصحر وذوبان الجليد وارتفاع مستوى البحار والمحيطات واختفاء أماكن في بقاع الأرض، وبالتالي إحداث الدمار والوفيات والتشتت، والتي تكون أكثر بكثير مما أحدثه «كورونا» وربما غيره من الفيروسات الأخرى.
قد يهمك أيضا :
عالم «كورونا» العجيب... المجهول والمعلوم
فيروس كورونا... حين يضرب السياسة والاقتصاد والصحة معاً!!