بقلم : طلال عوكل
كلٌ بخلفية تتفق وأهدافه، تتزامن الإجراءات العقابية والعدوانية وبتنسيق كامل، بين طرفي التحالف الأميركي الإسرائيلي. من الواضح ان السلطة الفلسطينية والشعب والقضية والحقوق، قد وضعت تحت مكبس ينطوي على ضغط شديد لابتزاز سياسة فلسطينية تخضع للإملاءات، لا تكتفي الإدارة الأميركية بما اتخذته من قرارات وإجراءات وتحركات لمحاصرة السلطة والسياسة الفلسطينية، ليس بالمال وحده، وانما باستخدام نفوذها السياسي والاقتصادي للتأثير على مواقف الدول والجماعات الدولية.
لا يكف ترامب عن إعلان اعتزازه، بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها، بل ان الدبلوماسية الاميركية تواصل الضغط على دول اخرى، لكي تتخذ الموقف ذاته، ولا تكتفي الادارة الاميركية بوقف تقديم مساهمتها في موازنة الاونروا، بل تواصل ايضا الضغط على آخرين لتجفيف موارد المنظمة الدولية، وتحضر نفسها لتغيير المكانة القانونية للاونروا وتغيير معايير التعريف باللاجئ الفلسطيني.
المؤسسة التشريعية في الولايات المتحدة تواصل اصدار التشريعات والقوانين التي تتعلق بفلسطين، من قانون ربط المساعدة المالية التي تقدمها الولايات المتحدة لأي كيان آخر، بموضوع الإرهاب، الى سن تشريعات في الطريق الى إقرارها لمعاقبة الأفراد والمؤسسات التي تدعم حملة المقاطعة (B.D.S)، الأمر الذي ادى بالسلطة لأن تغلق كل نوافذ ما تبقى من الدعم الأميركي والذي كان مخصصا لأجهزة الأمن الفلسطينية، وفي موضوع الاستيطان، تعطي الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإسرائيل لكي تواصل سياساتها التوسعية والاستيطانية رغم قرار مجلس الأمن الدولي ٢٣٣٤.
بعد كل هذا يتحدث مستشارو الرئيس الأميركي باستغراب عن المواقف الفلسطينية الرافضة لصفقة القرن التي يقول كوشنير انه سيقدم بعض ملامحها خلال اجتماع وارسو حول الشرق الاوسط في الثالث عشر والرابع عشر من الشهر الجاري.
وبعد كل هذا، يتساءل المرء عما تبقى للفلسطينيين من حقوق يمكن للادارة الاميركية ان تقدمها للفلسطينيين من خلال صفقة القرن التي تؤجل الادارة اعلانها الى ما بعد الانتخابات الاسرائيلية في توقيت منسق مع حكومة نتنياهو.
بالاجمال يمكن من خلال استعراض مسيرة هذه الادارة، التأكيد على انها اقل ادارة اميركية على الاطلاق، وجهت انتقادات جدية او حتى شكلية على ما تقوم به اسرائيل، فضلاً عن انها الادارة الاكثر سخاءً في دعم السياسات والمخططات الإسرائيلية.
على المقلب ذاته، لأن إسرائيل لا تقف على أرضية مختلفة تكثف اسرائيل من اعتداءاتها وضغوطها الشديدة والمتلاحقة على السلطة الفلسطينية، ولكن ليس بهدف الاستجابة لصفقة القرن التي قد تتحدث عن دولة في الضفة وغزة، لا علاقة لها بمواصفات الدولة، وانما تفعل إسرائيل ذلك انطلاقاً من مخططات تسعى لتنفيذها وفرضها على الفلسطينيين وعلى المجتمع الدولي.
تحذر بعض الأوساط الإسرائيلية من انهيار السلطة، ومن احتمال انفجار حالة من الفوضى في الضفة الغربية، تضعها أمام المسؤولية المباشرة عن اكثر من مليونين ونصف المليون من الفلسطينيين، ولكن السياسة الرسمية الاسرائيلية لا تتوقف عن محاولة إضعاف هذه السلطة استنادا الى حسابات خاصة.
اسرائيل تواصل، اقتحاماتها للمسجد الأقصى، ولا يقتصر الامر على الجماعات الدينية المتطرفة، وانما يتقدم هذه الجماعات وزراء ونواب في الكنيست وقيادات حزبية، بمعنى ان المؤسسة الرسمية مشاركة ولا تكتفي بحماية من يقوم بهذا الفعل يوميا.
وخلال المرحلة التحضيرية قبل إجراء الانتخابات ينفتح بازار المزايدات بين الأحزاب المتنافسة لكسب دعم المستوطنين، عبر إعلان وخطط متطرفة. في آخرها عدا ما تقوم به الحكومة رسميا، يوقع عشرات نواب الكنيست، والمرشحين من قوائم مختلفة على وثيقة يتعهد هؤلاء بموجبها بنقل مليوني مستوطن الى الضفة الغربية، لاسترداد ما يدعيه هؤلاء، من «أرض الآباء والأجداد في يهودا والسامرة».
وفي الاتجاه ذاته، تقدم الحكومة الإسرائيلية على مصادرة أموال المقاصة، بما يغطي الرواتب التي تصرفها السلطة للشهداء والجرحى، وربما الأسرى في عملية قرصنة مفضوحة لا تتفق ونصوص اتفاقية أوسلو، وباريس الاقتصادي.
إسرائيل تعمل ليل نهار من اجل تجفيف موارد السلطة الى ابعد حد ممكن ولا يهمها ان كان ذلك سيؤدي الى إضعاف السلطة او انهيارها، فالمخطط الإسرائيلي لا يتضمن بقاء السلطة كما هي وبما هي عليه اليوم، بل تفكيكها، وتحويلها الى سلطات محلية في كل مدينة.
تشتغل اسرائيل على كل الجبهات من تكثيف اعتداءاتها على الحركة الأسيرة، الى خطف جثامين الشهداء، ومنع رفع الاذان، وانهاء مهمة البعثة الدولية المؤقتة في الخليل، ومحاولة مصادرة ما تبقى من الحرم الإبراهيمي، الى نسف المنازل ومصادرة الاراضي والتهجير القسري وإطلاق يد المستوطنين للعبث في مقدرات الفلسطينيين.
ان اسرائيل تشن حربا شاملة على الفلسطينيين تتركز اساساً في الضفة والقدس ولكنها تمتد الى قطاع غزة الذي تواصل حصاره ودفعه خطوة وراء اخرى نحو الانفصال والاعتماد على مصر.
يحصل ذلك فيما الفلسطينيون يخوضون حروبهم الخاصة ضد بعضهم البعض، ما يستنزف قواهم، ويشتت نضالاتهم، بما يعطي إسرائيل الفرصة للتغول على حقوقهم، وتسهيل إمكانيات تنفيذ مخططاتها، حتى لو كانت نوايا الفلسطينيين لا تقود الى ذلك.
تشن اسرائيل والولايات المتحدة حروبهما على الفلسطينيين في غياب الدعم او التعويض لا من الاتحاد الأوروبي ولا من الاشقاء العرب والمسلمين، الذين ينخرطون بهذا الشكل او ذاك في التعامل مع الوقائع والواقع الذي يفرضه على الأرض الحلف الأميركي الإسرائيلي.