بقلم : عاطف أبو سيف
في خضم الكفاح ضد فيروس كورونا والتفاصيل التي لا بد منها من أجل حماية المواطن من الموت الذي يحمله الفيروس فإن السياسة يجب ألا تغيب أبداً خاصة في حالة شعب مثلنا يناضل من أجل حريته أمام احتلال لا يحترم أي أخلاق أو قوانين أو أعراف. وعليه فإن تأكيد الحديث عن السياسة يجب أن ينظر له بوصفه جزءاً من حماية المواطنين أيضاً من خلال صون حقوقهم السياسية، الحقوق التي تضمن استمرارنا على هذه الأرض التي يريد العدو أن يقتلعنا منها. والتمسك بهذا الخطاب هو تمسك بهذا الاستمرار على الأرض وكفاح من أجل ضمانه وضمان سلامة المواطنين على هذه الأرض.
إسرائيل استغلت كل الظروف من أجل المساس بالحقوق الوطنية الفلسطينية والتأكد على جعل وجودنا قلقاً وغير مستقر. لم تفعل هذا فحسب بل قامت بمحاربة الجهود التي تبذلها الحكومة لمحاربة تفشي الوباء. حيث يتم اعتقال كل العاملين في القدس في محاربة الوباء والنشطاء الميدانيين والمتطوعين في قطاع الصحة بجانب المسؤولين الرسمين واستخدام كل التهديد والتعذيب الذي تسعى من خلاله إلى ردع الإرادة الفلسطينية على حماية المواطنين ووقايتهم. كما تصادر العيادات المؤقتة التي يتم نصبها في المناطق المصنفة «ج» وبالتالي حرمان سكان تلك المناطق من الخدمة الطبية الممكنة التي قد تساعد في حمايتهم من الوباء.
وربما على النقيض من رغبة دولة الاحتلال فإن تدخلات الحكومة في مناطق القدس حققت نجاحات كبيرة رغم ما يمكن تسميته محاولات «التطهير العرقي» عبر نشر المرض وقوبلت بترحاب كبير وعززت العلاقة مع سكان العاصمة في ظل ما يواجهونه من سياسات.
وبكلمة أخرى، فإن السياسات التي اتخذتها القيادة نجحت في أن تفشل الكثير من سياسات إسرائيل في العاصمة. وبعبارة أخرى فإن الحديث هنا يدور حول السياسة بقدر إن قناته هي الصحة. فالتدخل في القدس ومنع تفشي الوباء فيها يشكل صراعاً آخر في وجه سياسات دولة الاحتلال التي تريد أن ينتشر المرض هناك وتحارب كل ما يمكن أن يحد من انتشاره. إن البعد السياسي والمكون الوطني في أزمة كورونا يجب ألا يغيب في أي لحظة عن بالنا ونحن نفكر في تفاصيل الأزمة.
فالقضية صحيح أنها صحية وطبية وبحاجة لمعالجات وقائية لكنّ ثمة عمقا سياسيا بامتياز في كل ذلك، وأيضاً انشغالنا في محاربة الوباء يجب ألا يجعل الخطاب السياسي يتراجع أو يتوارى في الخلف، فكل ما يجري في البلاد له بعده السياسي أو على الأقل يجب ألا يغيب البعد السياسي عنه. ففي البداية وفي النهاية ثمة قضية مركزية للشعب الفلسطيني تتمثل في الاحتلال وإن نضالنا يجب أن يستمر في محاربة الفيروسين: فيروس الاحتلال وفيروس كورونا. في ظل هذا الفهم يمكن لنا أن نحقق الكثير ونمنع أي تآكل في حقوقنا.
حتى في ذروة جائحة كورونا واصلت إسرائيل كل سياساتها الاستيطانية والعدوانية لابتلاع الحقوق الوطنية الفلسطينية. فلم تتوقف اعتداءات المستوطنين على القرى والمواطنين الفلسطينيين وكانت تتم كما دائماً وربما بوتيرة أكبر بتعاون ودعم من قوات الجيش وإسناد من الحكومة الإسرائيلية. ولا يمكن تصور أي انتهازية لاإنسانية هذه التي تستغل انشغال الناس بمحاربة الفيروس وتواصل الاعتداء عليهم. ليس هذا فحسب بل أيضاً تتواصل سرقة المواقع الأثرية والتراثية ونهب التاريخ من أجل خلق تاريخ زائف. سياسات لا يمكن أن يقوم بها بشر أو تتصرف بها دولة، لكن إسرائيل تفعل. هذه السياسات كلها تشير إلى حقيقة الاستغلال التي اتسم بها المشروع الإحلالي الكولونيالي الصهيوني في أرض فلسطين.
مثلاً، في الوقت الذي يمتنع فيه المصلون عن أداء صلوات الجماعة حفاظاً على أرواحهم واتباعاً لطرق السلامة الوقائية التي تعمل بها كل البشرية تقوم إسرائيل باستغلال هذا الظرف وتشجيع قطعان المستوطنين على تدنيس المسجد الأقصى وبقية الأماكن المقدسة. وبالقدر الذي يمكن وضع قائمة بالجرائم الإسرائيلية غير المسبوقة في تاريخ البشرية والتي ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية منذ سرقة البلاد وتوطين غرباء فيها حتى سياسات التمييز العنصري بأنماطها المتجددة إسرائيلياً، بالقدر الذي يمكن فيه تصور أنه فقط في هذه البلاد هناك من يستغل الكوارث الإنسانية من أجل سرقة حقوق الآخرين. ربما هذه سابقة بحاجة لتشريع جديد في القانون الدولي.
في خضم كل ذلك تتبنى الحكومة الإسرائيلية بطبعتها الائتلافية الجديدة مشروع ضم غور الأردن أو بالأحرى سرقة غور الأردن، عبر الانتقال من الاحتلال والسيطرة بالقوة إلى السرقة والابتلاع. وفيما العالم منشغل بالحرب الكونية على الفيروس فإن إسرائيل تضع خططاً أكثر لمواصلة احتلالها للبلاد وانتهاكها لكل القوانين والشرائع الدولية. وهذا يعيدنا للسؤال الكبير بأنه في خضم كل ذلك يجب أن نركز على السياسة. صحيح أننا بحاجة لمحاربة الفيروس والسياسات التي يتم اتباعها ناجعة وقادت إلى الحد من الكثير من المخاطر فإننا بحاجة لتطوير الصراع السياسي الآن وتفعيل الكثير من الأدوات من النضال في المؤسسات الدولية إلى النضال الميداني.
وربما أيضاً في خضم الحديث عن استعادة السياسة في ظل الأزمة يجب علينا التذكير مرة أخرى بوجوب الوحدة الوطنية. إن تحقيق الوحدة الوطنية ليس ترفاً ولا من الكماليات بل من الأصول الواجبة، وإن عدم تحقيقها حتى الآن بسبب تعنت «حماس» وبحثها عن بدائل أخرى يجب ألا يدفعنا للتوقف عن النضال من أجل تحقيقها. إن الخطاب السياسي بشقيه المتعلق بالمطالب الوطنية ومواجهة سياسات دولة الاحتلال وبتحقيق المصالحة وإنجاز الوحدة لا بد من تثويره بما يكفل الوقوف في وجه سياسات الضم والابتلاع وإعادة الاعتبار للوحدة الغائبة منذ ثلاث عشرة سنة.
قد يهمك أيضا :
"كورونا" وعالمنا المعاصر
عن التجربة الإيطالية