بقلم : هاني حبيب
بحث 11 قاضياً من المحكمة الإسرائيلية العليا، الأحد الماضي، ومن خلال بث مباشر على كافة وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، أهلية رئيس الحكومة الانتقالية بنيامين نتنياهو لتولي منصب رئيس الحكومة القادم على ضوء لوائح اتهام تم توجيهها له من قبل القضاء الإسرائيلي، وفي حين يرى بعض المحللين الإسرائيليين أنه يجب على هذه المحكمة التوصل إلى قرار فوري وخلال دقائق لعدم أهليته لتولي هذا المنصب الأكثر أهمية في الدولة العبرية نظراً وببساطة شديدة لاتهامه بجنايات تتعلق بالرشوة والتحايل وخيانة الأمانة وهي الجرائم التي تم توجيه لوائح اتهام ضده من قبل القضاء الإسرائيلي، هكذا ببساطة يقول هؤلاء إنّ الأمر لا يستحق كل هذا النزف القضائي والنقاش القانوني في مسألة يجب ألا يتوقف عندها القضاء كثيراً، باعتبار الأمر بديهياً أهليته لتولي هذا المنصب.
والواقع أن نظر القضاء الإسرائيلي بأهلية نتنياهو لتولي منصب رئاسة الحكومة ما كان يجب أن يكون أصلاً لو أنّ هذا القضاء نفسه كان قد اتخذ القرار اللازم في الوقت المناسب وذلك عند توجيه ثلاث لوائح اتهام أواخر العام الماضي لجرائم ارتكبها، ونقصد بهذا القرار أنه لا يجوز لمتهم بجرائم الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، وكلها تتعلق بجنايات كبرى تخل بالشرف أن يواصل عمله في منصبه كرئيس للحكومة في دولة تتغنى بديمقراطيتها، لم يستمر أي رئيس حكومة، أو وزير أو حتى موظف عادي، بعمله في أي ديمقراطية من الديمقراطيات المعروفة في حال توجيه أي لائحة اتهام ضده خاصة إذا كانت هذه اللوائح تمس بالشرف، فكيف الحال مع متهم بجرائم كبرى ويشغل أهم وأخطر منصب في البلاد، مثلما الحال مع نتنياهو، ما كان في الأصل أن ينشغل القضاء الإسرائيلي ومحكمة عليا مؤلفة من 11 قاضياً وممثلين عن النيابة العامة وممثلي الاتهام والشهود وممثلي الملتمسين بضجيج النقاش حول الأدلة والبراهين والوقائع مثلما شاهدنا من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية في احتفالية قضائية هي في الواقع أقرب إلى جنازة لقبر مؤسسة القضاء في إسرائيل.
كان يجب أن تعقد المحكمة العليا في اسرائيل، بعد توجيه لوائح اتهام جديدة لنتنياهو، لائحة اتهام بسبب دفعه الناخبين في دولة الاحتلال للتوجه ثلاثة مرات متتالية لصناديق الاقتراع، دون أي مبرر سوى محاولته للإفلات من العدالة، رغم التكاليف المادية والاجتماعية والسياسية لهذه الانتخابات التي لم يكن لها أي داعٍ من الناحية المنطقية، ولائحة اتهام أخرى تتعلق بتهديده بعقد انتخابات رابعة في حالة اتخاذ القضاء قراراً بعدم أهليته لتولي منصب رئاسة الحكومة، هذا التهديد جاء بالتوازي مع تهديد آخر بتحريك الشارع الإسرائيلي للتظاهر ضد المؤسسة القضائية وأحكامها، ناهيك عن تهديده المباشر واتهامه المتواصل بأن القضاء الإسرائيلي يتآمر ضده من دون أن يقدم أي دليل على ذلك، حتى أن عقد جلسات المحكمة العليا مؤخراً يأتي في ظل هذه التهديدات التي ربما لها تأثير مباشر أو غير مباشر على قراراتها، ما يوفر أسبابا إضافية لتحريك لوائح اتهام ضد نتنياهو بهذا الخصوص.
كما بحثت المحكمة العليا الإسرائيلية الاتفاق الائتلافي بين نتنياهو وغانتس، ذلك أن هذا الاتفاق قد انتهك بشكل صارخ ما يسمى قانون الأساس، وناقشت المحكمة بنود هذا الاتفاق على ضوء هذه الانتهاكات، وربما تقوم المحكمة بالإشارة إلى مثل هذه الانتهاكات في هذا البند أو ذاك أو تقوم ببعض التعديلات، لكننا نرى أن المسألة تتجاوز ذلك كله إذ إنّ تنمر الائتلاف الجديد على قانون الأساس لم يكن يهدف إلاّ إلى شيء واحد أساسي وهو توفير مزيد من الثقة والضمانات والالتزامات حول تناوب كل من نتنياهو وغانتس على رئاسة الحكومة، كافة الصياغات والبنود والانتهاكات التي جاءت في الاتفاق الائتلافي تعود إلى انعدام الثقة بينهما، ليس إلاّ، وبالتالي إخضاع هذا الاتفاق وتحوير وتدوير والالتفاف على قانون الأساس لم يكن إلاّ لخدمتهما بشكل شخصي ما كان من شأنه أن يدعو إلى توجيه لائحتي اتهام ضدهما باعتبار أنهما استغلا هذا الاتفاق لمصالح شخصية بالأساس.
قد يهمك أيضا :
إسرائيل: هل أغلق الباب أمام انتخابات رابعة ؟!
اختصاص «الجنائية» حول دولة فلسطين: قرار تاريخي وشجاع