كليم الرواية الفلسطينية
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

كليم الرواية الفلسطينية

 فلسطين اليوم -

كليم الرواية الفلسطينية

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

في البدء كانت «الكلمة» وفي الختام تكون الكلمة؛ والكلمة هنا بمعناها العظيم؛ أي «لوغوس» ولعلّ منها «الكليم».  وليس فقيدنا أميل حبيبي أكبر من الكلمة، ولكن إزاء جلال الموت يليق الصمت أول ما يليق. فماذا تراني أقول، وقد نقل إلي زميل لي قبل 48 ساعة سلامات هاتفية من «أبي سلام» وهو على سرير موته؛ أو وقد دخل سياق الموت، أو حضره الموت؟

 هل رأيته دخل سياق الموت، فودّعته في عدد الجمعة من «الأيام» الصادر 9-2-1996 وهل نعيته في عدد الجمعة الرابع من نيسان، عندما أشرت إليه في السياق وفي العنوان «نفعنا الله بعلمه، وقلت: يُسأل الإنسان بين أيدي الديّان عن ثلاثة: ماله وكيف أنفقه. عمله وماذا عمل به.. وعلمه وبماذا نفّع الناس فيه؛ وأن العرب إذا حمدت رجلاً كبيراً أو ترحّمت عليه، قالت : «نفّعنا الله بعلمه»؟

ولقد شكرني «أبو سلام» على المقالتين؛ وجاهيّاً عن الأولى؛ وهاتفياً عن الثانية، فكبر في نفسي - وهو الكبير - لأن المثقّف العربي يرتبك أمام حقّ الموت؛ ولأن العرف الاجتماعي يستهجن حديث موت إنسان قبل حَدَث موته. .. غير أن أبا سلام، على خوفه الإنساني المشروع أمام سؤال الموت، كان رحب الصدر. فلأحكي عن رحابة صدره ورحمة أبوته المعنوية.

ذات يوم زارنا «أبو سلام» مصطحباً رفيقه مائير فلنر في مكاتب «فلسطين الثورة» بنيقوسيا. وبسبب غياب نائب رئيس التحرير، وجدت نفسي كمدير للتحرير، ملزماً بواجب كلمة الترحيب. فأشرت في سياقها إلى ضرورة تخلي «حداش» عن «عنعنة» حملاتها على «الحركة التقدمية».. فما كان من أبي سلام إلاّ وتصرّف كأنّه ربّ البيت، وتولّى المترجم الى العبرية نقل تقريعه القارس لي على مسامع الرفيق فلنر.

فسكتُّ احتراماً لأبي سلام، أباً معنوياً، وضيفاً عزيزاً، لكنني انكمشت في اجتماعه ومساجلاته مع الأدباء والصحافيين مساء ذات اليوم.. فلمّا انصرفت غير مودعٍ إيّاه، انتهرني بحب كبير، واحتضنني سائلاً مني الصفح على قسوته... وطالباً من المصور تسجيل ذلك «الاحتضان»! قال :»بدي صورة مع البطل»!
 

.. وهكذا يجوز أن يخطئ «الأب» أميل ويصيب «الابن حسن» بدلالة معطيات الصوت العربي الحالية وخارطته.وأما آخر عهدي بأبي سلام فكان عصر يوم اجتماع المجلس التشريعي في رام الله، عندما أطللتُ مصادفةً على مكاتب «مشارف» فإذا به ينتهرني مرحّباً: «أين أنت يا وغد..» ثم قام من فوره - ذاوياً متثاقل الخطو - ليشهد المجلس... فتذكّرت كيف قام من فوره أيضاً - بقوة أكبر قليلاً - ليزور أقرب قلم اقتراع  في الانتخابات التشريعية.. كان يريد ان يرى مطلع الفجر الفلسطيني.

ليس أبو سلام أقرب الناس إليّ؛ ولستُ بداهة من أعزهم على قلبه. ولست صاحب «قلم سيّال» كما ادعى محمد حمزة غنايم، فجرؤت على نعي أبي سلام في حياته... غير أنّني أعترف بأنه واحد من آبائي الفكريين، مذ قرأت «سداسية الأيام الستة» فقارعت بها النقّاد بدمشق ولست بناقد.. الى فكرة روايته عن المهندس يحيى عيّاش التي لم يقوَ على إنجازها.. ولكنني لم أقوَ على انتزاع «المملحة» من يده في مطعم البردوني.. لأنني أردت له أن يعيش ليس فجر الاستقلال فحسب، ولكن فجر القرن الأول من الألفية الثالثة. مداعباً إيّاه بأن «نوبل» ستكون من نصيبه .. إذا «صمد» حتى طلوع ذلك الفجر.

ها هو «الغروب» إذاً.. لأن الإنسان لا يرحل لكن يغرب، فبعد الغروب شروق. وقد أهدى أبو سلام للرواية الفلسطينية شيئاً أسلوبياً يؤسس عليه، أسلوباً أصيلاً بلغة أصيلة عن واقع أصيل.. وبنفَس روائي أصيل. قبله كانت الرواية الفلسطينية «ابنة أكثر من أب»؛ فصار أباها الشرعي.. فهو كليم الرواية الفلسطينية.
  إلى من أنعى آخر الروّاد؛ روّاد الانبعاث الفلسطيني في الجليل الفلسطيني؟

   إلى رفيقه إحسان عبـّاس الذي لم يلتقه منذ النكبة؛ وإلى رفيقه محمود درويش، الذي كان ليلة موت أميل حبيبي يتحدّث في مكاتب «الأيام» عن لهفته للقيا أبي سلام.
  أهو «الموت الفلسطيني» صنو «العرس الفلسطيني»؟!.. لا يصل الحبيب الى الحبيب إلاّ شهيداً.. ولا يصل الصديق الى الصديق إلاّ ميّتاً؟

ليس «جهينة» أكبر من «الكلمة» فكلمة الموت تقطع خطبة الحياة.. لكنه أكبر من كلماتي. هو الأكبر مني، وأنا كبرت به، بقلمه... بنضاله، فهو واحد من آبائي الفكريين، ولكنه الأب الفكري والروحي للزميلة سهام داود وهي أكثرنا «تيتّماً» الآن.
ذوى أبو سلام جسداً.. غاب، وأهدانا ظلّه العالي والطويل.. إلى الأبد.

قد يهمك أيضا : 

   سراج الغولة

لغسان؛ للجمع في صيغة المفرد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كليم الرواية الفلسطينية كليم الرواية الفلسطينية



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday