بقلم : هاني حبيب
حرب تجر الحرب التالية، ثلاث حروب شنتها إسرائيل على قطاع غزة خلال العقد الماضي، وجولة تصعيد تجر جولات إضافية، كل منها كان من الممكن أن تتدحرج إلى حرب أخرى. جولة التصعيد الأخيرة، لم تكن سوى تكرار للجولات السابقة مع أنها كانت أكثر من تصعيد وأقل من حرب، وككل تلك الحروب وهذه الجولات المتلاحقة، كانت التفاهمات والتهدئة هي النتاج النهائي المؤقت «لوقف إطلاق النار»، وكما كان الأمر دائماً وفي كل مرة، ليس هناك اعتراف رسمي إسرائيلي حول مثل هذا الاتفاق، في كل مرة، اثر الحرب واثر التصعيد، كانت الأنباء تأتي من المصادر الفلسطينية، تصريحات وإعلام، تنقل عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية وتنسب إليها ما تم التوصل إليه، سواء لجهة وقف إطلاق النار، أو لجهة العودة إلى اتفاق التهدئة السابق، حتى الآن لم يصدر عن المستويات الرسمية الإسرائيلية أي خبر أو تصريح رسمي حول وقف إطلاق النار أو التوصل إلى تهدئة، واقعياً هناك اتفاق بهذا الشأن برعاية مصرية قطرية دولية، كافة التفاصيل منقولة عن المصادر الفلسطينية.
منذ بداية الجولة الأخيرة، حددت الحكومة الإسرائيلية، ونقلاً عن المصادر العسكرية والأمنية من خلال وسائل الإعلام الإسرائيلية، يومين أو ثلاثة، هي فترة هذه الحرب القصيرة، كان ذلك في إطار التقديرات، لكن ثبت أنها كانت في اطار التخطيط المحدد سلفاً، فقد استمرت هذه الحرب الصغيرة، تلك المدة التي تم تحديدها مسبقاً، والتي تخللتها تصريحات متكررة من قبل تنتياهو حول إيعازه لقواته لتشديد الضربات على القطاع بالتوازي مع استدعاء المزيد من القوات البرية والجوية والقوات الخاصة للتمركز على تخوم الخط الفاصل بين القطاع وغلافه الاستيطاني. باعتباره رئيساً للحكومة ووزيراً للحرب، كان نتنياهو يريد إرسال رسالة إلى محيطه السياسي والحزبي والأمني، أنه صاحب الكلمة العليا في هذه الحرب، حتى أنه استدعى المجلس الوزاري المصغر «الكابينيت» للاجتماع، مع أن ذلك لم يتم خلال الجولات السابقة من التصعيد، هذه الرسالة توضح لهؤلاء، أنه بنتائج انتخابات الكنيست الأخيرة، زادت مقاعد حزب «الليكود» وبرئاسة نتنياهو بخمسة مقاعد إضافية عن تلك التي حاز عليها في الانتخابات السابقة، لأسباب عديدة من بينها أن الرأي العام الإسرائيلي منح نتنياهو وحزب «الليكود»، ضوءاً أخضر لتنفيذ سياسته المعلنة، بما فيها تلك التي أقدم عليها أثناء الحملة الانتخابية حول التهدئة مع حركة «حماس»، وهذا يشكل الرد الفاعل على كل منتقدي هذه السياسة من قبل الاستقطابات السياسية والحزبية في إسرائيل.
وإذا كان هذا الأمر غير كافٍ لإقناع منتقديه حول التهدئة، فإنه يكرر قبل وبعد التهدئة، أنه يسعى من خلالها إلى رسم سياسة إسرائيل إزاء التعاطي مع قطاع غزة، فالبديل عن هذه التهدئة، هي حرب لا يمكن لإسرائيل الفوز بها والتحكم بنهايتها، وان مثل هذه التهدئة من شأنها تحقيق مصالح إسرائيل المرتبطة بتعزيز الانقسام الفلسطيني من ناحية، وتأمين مستوطنات غلاف غزة، إضافة إلى التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد تفتح الباب أمام اتفاق حول أسرى إسرائيل لدى حركة «حماس».
مع كل هذه المتغيرات، تبقى المعادلة كما كانت في السابق دون تغير حقيقي في ميزان القوى الذي أدى إلى حروب وجولات تصعيد تجر بعضها البعض، وخلاصة القول في هذا السياق، ان نتنياهو يقدر على الانتقام، ويستطيع العقاب، لكنه لن يتمكن من الانتصار!