أميركا تتنفس بصعوبة
أخر الأخبار

أميركا تتنفس بصعوبة

 فلسطين اليوم -

أميركا تتنفس بصعوبة

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

لم تمض أيام قليلة على استضافة المرشّح الديمقراطي إلى الرئاسة الأميركية، جو بايدن من قبل الإعلامي الأميركي-الأفريقي الشهير المعروف باسم «شارلمان ذا غاد». حين أحرج الأخير بايدن بالأسئلة، قال المرشّح : «إن كانت لديك مشكلة في معرفة ما إذا كنتَ معي أو مع ترامب، فإذاً أنت لست أسود.»  حتى اندلعت تظاهرات عنيفة في أمام البيت الأبيض، وفي العاصمة واشنطن، وعشرات المدن الأميركية، احتجاجاً على قتل جورج فلويد- من أصحاب البشرة السمراء، بعدما خنقه الشرطي ديريك شوفين، وهو يجثو بركبته على عنقه، والأخير يصرخ بأنه لا يستطيع التنفس. في حين وصف ترامب المتظاهرين باللصوص، وهدد باستخدام الجيش الأميركي لقمع التظاهرات.

ولم تكن الفوضى العارمة التي أحدثها مصرع فلويد على يد شرطة «مينيابوليس» إلا كاشفة لحالة الاضطراب العميقة في بنية النظام السياسي والاجتماعي والأمني الأميركي. وليس دقيقاً أن ترامب هو من تسبب في الفوضى بل هي الفوضى التي تسببت في صعود ترامب. وما كانت حادثة قتل فلويد في مينيسوتا ووصول ترامب إلى سدة الرئاسة، إلا وسيلة للتعبير عن عمق تشتت الروح الأميركية وانقسامها.
وتؤكد الانفجارات المتتالية للصراعات العنصرية في الداخل الأميركي حقيقة «تكافؤ الأضداد في الروح الأميركية الواحدة»، بمعنى أن الأميركيين مصابون بازدواجية أخلاقية قاتلة تجعلهم يقبلون على فعل الشيء ونقيضه، والإشارة إلى الطريق والسير في الاتجاه المعاكس له، والإيمان بتلك القيمة والتنكّر لها....الإيمان بالعدالة والتنكر لها، الإيمان بالمساواة والتنكر لها، والصراع بين القومية المدنية، والقومية العرقية.
ومن هنا تأتي أهمية عدم معقولية النظر إلى حادثة فلويد بعيداً عن هذا المناخ الأميركي العام وتشوّش مقومات العقد الاجتماعي الأميركي.
ورغم أن الولايات المتحدة تسوّق نموذجها كديمقراطية فيدرالية تتجدد من خلال انتخابات تتنافس فيها المصالح المتنوعة للمواطنين، وتوازن سياساتها جماعات الضغط بميولها المتنوعة، ثم تتحقق الحدود القصوى لمفهوم الحقوق والحريات من خلال جماعات الحقوقيين الذين يصونون المجتمع المدني في قضايا كثيرة عابرة للعرق والدين مثل قضايا المرأة، البيئة، المثلية، السلاح.
إلا أن البيئة السياسية المضطربة في الولايات المتحدة قد تكون من بين أهم التهديدات التي تواجه هذه الدولة العظمى وتضعف قدرتها التنافسيّة مع نظيراتها.
وكتب أستاذ في جامعة برينستون، أن الواقع الأميركي اليوم هو أسوأ من أجواء 1968 إبان حركة الحقوق المدنية. وقارن بين الحالتين، فوجد نقاط تشابه كالعنف في الشوارع وقسوة الشرطة ضدّ الأميركيين-الأفارقة. لكن في مقابل رئيسين مثل ليندون جونسون وريتشارد نيكسون، لا يهتم الرئيس الحالي دونالد ترامب بالحوكمة الجيدة، في حين أن تدهور الوضع الاقتصاديّ والصحي أسوأ من تلك الحقبة، حيث توفي أكثر من مئة ألف أميركي بسبب «كورونا» في مقابل خمسين ألفاً بسبب حرب فيتنام، كما أن الأداء الاقتصاديّ اليوم أكثر انهياراً.
وأثرت جائحة كورونا على الأميركيين السود بشكل غير متكافئ، إذ يعدون أكثر عرضة للإصابة والوفاة جراء كوفيد-19 مقارنة بالمواطنين من العرق الأبيض. وفي حين لا يمثل الأميركيون السود سوى 12 في المئة من مجموع سكان الولايات المتحدة، إلا أنهم يشكلون، وفق مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، حوالي 26 في المئة من حالات الإصابة بالمرض الجديد وما يقارب 23 في المئة من الوفيات التي وصلت إلى 104 آلاف.
ولكي نفهم المشهد الأميركي بشكل عميق، يتعين علينا أن نعرج على كتاب الفيلسوف الفرنسي، روجيه غارودي «أميركا طليعة الانحطاط»، وفيه إشارة إلى ما يسميه «الديمقراطية... الخدعة الأميركية الكبرى»... ؟ فبحسب غارودي، دائماً ما كانت الديمقراطية الأميركية، ستار يخفي وراءه حقائق ظالمة، فإعلان الاستقلال، على سبيل المثال، الخاص بالولايات المتحدة، ينص على المساواة في الحقوق بين المواطنين جميعاً. غير أنه وعقب هذا الإعلان الحاسم، تم الحفاظ على العبودية بالقانون لمدة زادت على قرن، وما زالت التفرقة العنصرية ضد السود باقية حتى الآن، وعليه تبقى أميركا عند غارودي «دولة الديمقراطية للبيض»، لا «للسود أو الهنود». فالرجل الأبيض الذي استعمر أراضي الهنود الحمر خلق تقسيماً على أساس الأصل والعرق، والدين والطبقة، والمركز والوضع الاجتماعي، الأمر الذي يشير إليه المفكر الأميركي، صموئيل هنتنغتون، في مؤلفه «من نحن... المناظرة الكبرى حول أميركا».
وهناك شيء ما غير معلن بشكل كبير يتوارى خلف مخاوف الرجل الأبيض في الداخل الأميركي وهو تنامي أعداد الأقليات، وفي المقدمة منهم الأميركيون الأفارقة بنوع خاص. يتوازى ذلك، مع تنامي التيارات اليمينية في الداخل الأميركي، تلك التي بلغ الشطط ببعضها قديماً، كما الحال مع جورج روكويل، مؤسس الحزب النازي الأميركي سنة 1958، للتخطيط للاستيلاء على الحكم في البلاد، وإن كان اغتياله قد قطع الطريق على مسيرته، إلا أن أفكاره كانت ولا تزال يؤمن بها عدد غير قليل من الأميركيين، وهي منبثقة من عمق طروحات وشروحات النازية الهتلرية، وفي المقدمة منها ترحيل الأميركيين من أصول أفريقية، وإعادة كتابة الدستور الأميركي بصورة قومية متطرفة. ولم يتوقف الأمر عند حدود الحزب النازي، إذ لا تزال هناك حركات عنصرية أخرى تؤمن بتفوق العرق الأبيض.
وأخطر ما يجعل الصور الأميركية الآن محتقنة، ولا تتنفس، هي حالة اللاعدالة، أو بمعنى أكثر دقة، اهتزاز الثقة في النظام العدلي الأميركي.. فهناك من يرى أن فيروس العنصرية قد تسرّب بشكل أو بآخر إلى قلب مؤسسة القضاء الأميركي، التي باتت تغلّظ أحكامها ضد السود بنسبة 20 في المائة مقارنة بنفس الأحكام التي تصدرها ضد البيض على نفس الاتهامات.
لكن هناك من يرى أن موجة الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت الولايات المتحدة على خلفية مقتل فلويد قد جرى تسييسها إلى حد بعيد، واستغلالها للتصويب على ترامب ومحاصرته، فحين قتل المواطن الأميركي من أصول افريقة مارتن براون بإطلاق نار من الشرطيّ الأبيض دارن ويلسون في آب 2014، لم يتوجّه المتظاهرون المنضوون تحت ألوان مختلفة من «اليسار» الأميركيّ إلى البيت الأبيض حين كان باراك أوباما سيّده.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا تتنفس بصعوبة أميركا تتنفس بصعوبة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

إطلالات النجمة يسرا المدهشة من فساتين الكاب إلى الجمبسوت

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تتميز دائماً النجمة يسرا بإطلالتها الأنيقة بمختلف الأوقات، ولكن لا زالت تحتفظ بأناقتها مع مرور السنوات. واحتفالاً بعيد ميلادها قررنا أن نشارككِ أبرز صيحات الموضة التي حرصت على اختيارها النجمة يسرا بمختلف الأوقات سواء بالحفلات والمهرجانات، والتي ساعدتها في الحصول على مظهر أنيق ورائع يخطف الأنظار. الفساتين بموضة الكاب اختيار يسرا كانت فساتين السهرة بموضة الكاب من أكثر الصيحات المفضلة لدى النجمة يسرا عند ظهورها على السجادة الحمراء في مختلف دول العالم. حيث اختارت الفستان العاجي المطرز بتفاصيل ذهبية، وذلك عند حضورها حفل الأوسكار 2020. لهذا تميل دائماً لاختيار هذه الموديلات من توقيع المصممين العرب مثل زهير مراد وإيلي صعب وجورج حبيقة. اختارت أيضاً الفستان السماوي بموضة الكاب بأقمشة الشيفون بشكل ناعم مفعم بالأنوثة خلال حضورها �...المزيد

GMT 14:31 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 00:05 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الجمهور يتغزل في إطلالة كارول سماحة الكلاسيكية السوداء

GMT 22:28 2016 الخميس ,14 إبريل / نيسان

فوائد البامية

GMT 04:13 2016 الإثنين ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نبيل شعث يعلن أن برنامج "فتح" يواجه الاحتلال

GMT 21:14 2017 السبت ,02 أيلول / سبتمبر

الإعلان عن قميص مبابي في باريس سان جيرمان

GMT 23:51 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

سعد المجرد الأول في قائمة يوتيوب و دنيا سميرغانم في العاشرة

GMT 17:35 2019 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

محمد بن زايد يستقبل رائد الفضاء هزاع المنصوري

GMT 03:41 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مخلوقات تسكن وجه معظم البالغين مِن البشر

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday