غزة – محمد حبيب
عادت الخلافات بين حركتي "فتح" و"حماس" إلى السطح مجددًا، ولكن هذه المرة من بوابة الحكومة، وسط تساؤلات عن حاجة ملحة لإجراء تعديل وزاري بات مطلبا لرئيس الوزراء ولحركة "فتح" من جهة، وعلامة فارقة على مسار العلاقة مع "حماس"، إذ تدور في كواليس صانع القرار الفلسطيني مداولات لإجراء تعديل وزاري، لكن الأمر محكوم بهواجس الانقسام وما يفرضه من تجاذبات، حسب مراقبون.
وجاءت البداية من عند رئيس الوزراء رامي الحمدالله الذي يلح على الرئيس عباس منذ فترة لإجراء تعديل وزاري لتوسيع الحكومة الحالية، وإضافة وزراء جدد لها، وإنهاء الازدواجية عن وزرائها حتى تكون قادرة على القيام بمهامها.
وتحدثت مصادر محلية عن أنَّ مطلب الحمدالله حظي برد ايجابي من الرئيس الذي طلب من عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عزام الأحمد، التحدث إلى قيادات "حماس" بشأن التعديل، وهو ما حصل من خلال اتصال مع عضو المكتب السياسي لـ"حماس" موسى أبومرزوق.
وفي المقابل، فإن الحديث يجري عن طلب إضافة خمسة وزراء جدد للحكومة، والتخلص من بعض الوزراء الحاليين، ووضع نائب جديد لرئيس الوزراء رامي الحمد الله يكون من قطاع غزة ويقيم فيها بدلا من نائبه المستقيل الدكتور محمد مصطفى.
وحسب ذات المصادر فإنَّ حركة "حماس"، رفضت قطعيا فكرة التعديل، لأنها تريد ثمنا مقابل ذلك يتمثل بمطلبها السابق" لا حلول قبل حل مشكلة موظفينا".
وفي ظل هذه الأجواء فإن جوهر التعديل يرمي أيضا لتشكيل حكومة جديدة قوية تريد القيادة منها مهمة أساسية قادمة وهي "التحضير للانتخابات"
وتمثل الانتخابات معضلة أخرى يجري تداولها حاليا في الكواليس وتشكل عائقا أمام مصير أي حكومة مقبلة، فالقيادة الفلسطينية تريد إجراء انتخابات حقيقية يتحمل الفائز فيها العبء، لكن "حماس" تريد في المقابل ضمانات على أنه لن يتم حصارها حال فازت مثلما حصل في الانتخابات السابقة، كما أنَّها تريد ضمانات على وضعها في غزة.
ويبدو أنَّ دخول المملكة العربية السعودية على خط المصالحة بين "حماس" و"فتح"، يهدف لتهدئة الأوضاع وإبقائها على ما هي، ومنع حصول انفجار جديد بين فتح وحماس قد "يخلط أوضاع المنطقة المضطربة"، حسبما ذكرت صحيفة "القدس".
وفي الأسابيع الأخيرة توالى المبعوثون يدقون أبواب غزة. وقام مندوبون من قطر وتركيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر بزيارة القطاع أو حاولوا على الأقل زيارته.
ومع ذلك كانت النتيجة واحدة. فلم يتحقق نجاح في مصالحة حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ العام 2007 وحركة فتح التي تتولى الإدارة الفلسطينية في الضفة.
وبعد ما يقرب من عام على توقيع حماس وفتح اتفاق "مصالحة وطنية" لم يحقق الجانبان أي تقارب لتسوية خلافاتهما أو معالجة التحديات المتزايدة التي تواجه الفلسطينيين.
وحركة فتح مقتنعة بأن حماس التي خاضت حربا مع إسرائيل في غزة قبل تسعة أشهر تحاول اقتطاع دويلة في قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 360 كيلومترا مربعا.
كما أن حماس تتحدث عن عدم استعداد فتح لإجراء انتخابات خشية أن تخرج فيها خاسرة لينتهي الحال بحماس وهي تسيطر سيطرة كاملة.
وتعد مثل هذه الانقسامات الداخلية العميقة من الأسباب التي تدعو إسرائيل إلى تكرار أنها لا تجد شريكا فلسطينيا للتعامل معه وهو ما يجعل العودة لمفاوضات السلام شبه مستحيلة.
وقال أمين مقبول أمين سر حركة فتح "حماس لا تريد إنهاء الانقسام" مضيفا أن حركة حماس التي يعيش زعيمها في منفى اختياري في قطر لها خطط خاصة بها لغزة.
وأضاف مقبول "نعلم أن حماس لم تكن تؤيد قط إقامة دولة فلسطينية" مشيرا إلى أنها مصممة على إقامة "إمارة" إسلامية على البحر المتوسط بدلا من تحقيق الوحدة مع الضفة والقدس الشرقية.
ومن جانبها تقول حماس إن الرئيس محمود عباس لا يبدي أي ميل حقيقي للمصالحة ويوفد مبعوثين إلى غزة بدلا من الحضور بنفسه من الضفة الغربية إلى القطاع. وتحول منزله الكبير في غزة والذي لا يبعد كثيرا عن البحر إلى مقر للوزراء وموقع لتجمعات المحتجين الغاضبين.وقال سامي أبو زهري المتحدث باسم حماس "لا يوجد شيء آخر يمكن أن نفعله لتسهيل المصالحة".
ويبدي دبلوماسيون أجانب شعورا عميقا بالإحباط بسبب الوضع الحالي ويجدون من الأسباب ما يجعلهم يلقون بالمسؤولية على الطرفين فحماس سلطوية ومن الصعب إلزامها بشيء محدد وعباس وفتح تميل فيما يبدو لنفض أيديها فيما يتعلق بغزة أيضا.
ويرى هاني حبيب المحلل السياسي في غزة مستقبلا محفوفا بالخطر. ويقول حبيب "بعد سبع سنوات أصبحنا أقرب إلى دولتين (فلسطينيتين) واحدة في غزة والأخرى في الضفة الغربية لا دولتي فلسطين وإسرائيل".
وللتباعد بين الجانبين آثار واسعة لكنه يصل إلى حد المشكلة على وجه الخصوص في مجالين، إذ أنه سبب في تعطيل إعادة البناء في غزة بعد الحرب كما أنه يضعف الشرعية الديمقراطية لأن الانتخابات الفلسطينية الأخيرة أجريت قبل ما يقرب من عشر سنوات.
ويقضي اتفاق تم التوصل إليه بوساطة الأمم المتحدة مع إسرائيل للسماح بإدخال مواد بناء إلى قطاع غزة بأن تسترد السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة فتح السيطرة على أمن الحدود وإدارتها في غزة. وكانت حرب العام الماضي سببا في إلحاق أضرار أو تدمير 130 ألفا من المنازل في القطاع.
غير أنه لا اتفاق بين حماس والسلطة الفلسطينية على مثل هذا التعاون. ونتيجة لذلك فلا تدخل القطاع سوى كميات صغيرة من مواد ومعدات البناء وهو أمر يعد مصدر تأزم شديد بين أهل القطاع.
من ناحية أخرى ستظل مشكلة الانتخابات الفلسطينية قائمة. فقد فازت حماس بفارق ضئيل في الانتخابات التشريعية السابقة في كانون الثاني/ يناير العام 2006 رغم أن حكومتها لم تستمر في السلطة سوى حتى منتصف العام 2007 عندما تفجر صراع بين الحركتين وسيطر الإسلاميون على القطاع.
وفي الوقت نفسه يشغل عباس منصب الرئيس الفلسطيني منذ العام 2005، بالرغم من أنَّ فترة الرئاسة انتهت نظريا منذ العام 2009.
وبعد أن بلغ الرئيس عباس من العمر (80) عاما، أشار إلى أنَّه لن يرشح نفسه لفترة أخرى لكنه لم يحدد أيضا موعدا للانتخابات التشريعية والرئاسية قائلا إن الوقت ليس مناسبا.
ومصدر القلق أن شعبية حماس كبيرة. وفي الشهر الماضي فازت حماس بسهولة في انتخابات اتحاد الطلاب في جامعة "بيرزيت" التي تعد من المؤسسات الليبرالية في الضفة الغربية. وتأجلت انتخابات أخرى في جامعة "النجاح" بالرغم من أنَّ مسؤولين أكدوا أنَّ حماس ليست السبب.
ومنذ ذلك الحين، عاب أنصار حماس على فتح رفضها إجراء الانتخابات. وحث الرئيس الأميركي الأسبق كارتر ومبعوثون آخرون القادة الفلسطينيين على عدم التخلي عن المسار الديمقراطي.
إلا أنَّ الدبلوماسيين يسلمون بأنه إذا أمكن إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفازت حماس وهو أمر محتمل فسيكون في غاية الصعوبة التواصل معها، إذ أنَّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدرجان الحركة على قوائم المنظمات المتطرفة.
أرسل تعليقك