صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في قرار تاريخي ستكون له تداعيات على الاتحاد نفسه وعلى السياسة البريطانية الداخلية، وذلك بعد 43 عامًا من العضوية.
وصوت البريطانيون مع الخروج من الاتحاد الأوروبي بنسبة 52% مقابل 48%، وفق ما ذكرت شبكة "بي بي سي" الإعلامية البريطانية الجمعة بعد فرز كل الأصوات تقريبًا. وبعد فرز 80% من الأصوات كشف الاستفتاء أن 51.61% صوتوا للخروج مقابل 48,39 % أيَّدوا البقاء؛ بذلك يؤكد البريطانيون أنَّ النتائج بعد إغلاق الصناديق دعمت انسحاب بلادهم من الاتحاد الأوروبي،
وعقب صدور نتائج الاستفتاء شبه النهائية، سارع وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، إلى القول إن الأنباء من بريطانيا "مقلقة؛ يبدو أنه يوم حزين لأوروبا والمملكة المتحدة". وتوقع رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز أن تبدأ المفاوضات سريعا حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رغم أن رئيس معسكر الخروج في المملكة المتحدة، ماثيو إليوت قال إن بلاده لا تزال في الاتحاد وسستبقى لأشهر كثيرة وربما لسنوات.
أما مساعد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون فقال "نحن في منطقة مجهولة"، في إشارة إلى الانقسام الحاد في بريطانيا، الذي سبق وسيعقب الاستفتاء. وأعرب زعيم حزب الاستقلال البريطاني المناهض للاتحاد الأوروبي والمهاجرين نايغل فاراج عن سعادته بنتائج الاستفتاء المصيري، وقاتل "أجرؤ الآن أن أحلم بأن الفجر مقبل على مملكة متحدة مستقلة". مؤكدا وسط حشد متحمس في العاصمة البريطاينة لندن "لنتخلص من العلم (الأوروبي) ومن بروكسل (المفوضية الأوروبية) ومن كل فشل؛ لنجعل من 23 حزيران/ يونيو يوم استقلالنا".
وشكر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الناخبين الذين اختاروا بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي, في حين كتب في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "شكرًا لكل شخص صوت لصالح بقاء بريطانيا أكثر قوة وأكثر أمانا وأفضل حالا في أوروبا", بينما ضغط زعيم المحافظين في السابق من أجل البقاء في الاتحاد الأوروبي رغم معارضة من جانب حزبه.
وبلغت نسبة الإقبال على التصويت في "استفتاء بريطانيا" في جبل طارق 83,65%, في ما أكَّدت بيانات من رابطة الصحافة البريطانية، على أن الإقبال على التصويت في الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي في جبل طارق بلغ 83.65 %, وفاز المعسكر المؤيد لـ "البقاء" في الاتحاد الاوروبي في جبل طارق بأكثر من 19 ألف صوت.
الاستفتاء هو الثالث في تاريخ المملكة المتحدة ويأتي بعد معركة على الأصوات استمرت على مدى 4 أشهر بين معسكري "التصويت بالبقاء" و"التصويت بمغادرة" الاتحاد الأوروبي, ومن المحتمل أن تكون نتيجة الاستفتاء نقطة تحول في علاقة بريطانيا بأوروبا وباقي العالم, وأدى نشر استطلاع "يوغوف" بعيد إغلاق مكاتب الاقتراع إلى تخطي الجنيه الاسترليني عتبة 1.50 دولار للمرة الأولى منذ كانون الأول/ديسمبر, وحدثت ثمة تقلبات في الأسواق المالية العالمية تحسبًا لنتيجة الاستفتاء, وارتفعت قيمة الجنيه الإسترليني.
وتسببت العواصف الرعدية في فوضى في لندن وجنوب إنكلترا، ووقفت صفوف طويلة على الطريق أمام العديد من مراكز الاقتراع. وهرع الناخبين ليقولوا كلمتهم عندما فُتحت صناديق الاقتراع في الساعة السابعة صباحًا. وتوجه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون مع زوجته سامانثا؛ ليقولوا كلمتهم في الاستفتاء. وتجاهل كاميرون الأسئلة حول الطقس، مكتفيًا بالتصريح لوسائل الإعلام التي أتت من كل أنحاء العالم قائلًا "صباح الخير"، ووصل جيرمي كوربين بمزاج إيجابي للإدلاء بصوته في مدرسة ابتدائية في إزلينغتنون، وابتسم قائلا "إنه يوم جيد للغاية". وخرج زعيم الحزب الأول نايجي فاراج للإدلاء بصوته لكنه رفض مناقشة غيابه عن المناظرة التلفزيونية الأخيرة، وأثار إعلان عدم مشاركته استغراب الكثيرين، فقد اعتقدوا أن شيئًا ما حدث له لكي يتخلف عن هذه المناسبة، لكن أُعلن في وقت لاحق أن فاراج قرر الذهاب لتناول العشاء مع ابنه الكبير سام، الذي لم يره منذ أكثر من 9 أشهر. مصرحا من أمام منزله في كينت بـ "في الواقع أنا أعتقد أننا نحظى بفرصة قوية جدا، لكن الأمر يتعلق بالإقبال، وبأن يظل مؤيدو البقاء اللينين في المنزل". ولم يذكر أي تفاصيل عن الأسباب التي دفعته إلى التغيب عن المناظرة في الليلة السابقة، واكتفى بالقول إنه تخلف "لأسباب عائلية".
ويقول بيتر كليب من مركز OPEN EUROPE "الأغلب أن الجانبين قد يتجهان إلى بناء علاقات شبيهة بالشراكةِ القائمة بين سويسرا والاتحاد. ويتوجب عليهما توقيع حزمة اتفاقات جديدة حول نشاط المؤسسات البريطانية في السوق الأوروبية والعكس وتنقل الأشخاص سكان البضائع من الجانبين, وسيظل مسار التفاوض بينهما مفتوحا". وتفيد التحليلات بأن بريطانيا لن تنسحب بين عشيةٍ وضُحاها, وأن المعاهدةُ تقتضي أن يُقدمَ رئيسُ الحكومة البريطانية طلبًا رسميًا إلى القمة الأوروبية بشأن قرارِ الشعبِ البريطانِي، بعد مصادقةِ مجلس العموم, ويثير السيناريو دورانًا في رؤوسِ مؤسساتِ الاتحاد وأغلبية عواصم الدول الأعضاء, ويقول" كارينس كريسيانيس "حزب الشعب الأوروبي" "قطاعات واسعة من المواطنين الأوروبيين يتساءلون حول هوية الاتحاد الأوروبي, والكل يعتقد أن المكاسب أصبحت مُسَلَمَةً ومؤمنة من ناحية التنقل من دون التأشيرات والاستيراد والتصدير داخل السوق الواحدة, ونعتقد أن هذه الحريات مجانية وهي في الحقيقة جوهر المكاسب الأوروبية".
ويؤشر تصويتُ البريطانيينَ لفائدةِ البقاءِ أو مغادرةِ الاتحادْ عن طبيعةِ المرحلةِ التي بلغَها المسار الاندماجيُ الأوروبي، فسيواجه أزمات تدفق اللاجئين وتراجع الأداء الاقتصادي وطول الأزمة الاجتماعية, ونتيجةٌ لذلك يتصاعدُ نفوذُ التيارات القومية المناهضة للاتحاد، في دولٍ مثل المجر وبولندا والنمسا وفَرنسا. وذكر رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك "أيا كانت نتيجة الاستفتاء يجب علينا النظر بعمق نحو مستقبل الاتحاد, وسنكون مجانين إذا تجاهلنا هذا الإنذار المتمثل في استفتاء بريطانيا, وهناك المزيد من مؤشرات القلق تجاه الاتحاد في دول الاتحاد كافة وليس في بريطانيا فحسب".
وتفند المفوضية الأوروبية وجودَ خطةٍ بديلةٍ لانسحابِ بريطانيا من الاتحاد, لأن خروج بريطانيا قد يعني بالنسبة للاتحاد بداية مسار التفكك. وصرحت زعيمة الحزب الوطني الأسكتلندي نيكولا تسارغون بأنها تأمل حضورا جماهيريا كبيرا في أسكتلندا. وأدلت بصوتها برفقة زوجها الرئيس التنفيذي لشركة "إس إن بيه" بيتر موريل في قاعة غوسكو. واستقبلت الوزيرة الأولى في أسكتلندا الناخبين في مراكز الاقتراع، وأخذت معهم صورًا تذكارية، وقالت "أشعر بالتفاؤل حقا، واستخدمت عقلي وقلبي للتصويت، ومن متابعتي لوسائل التواصل الاجتماعي يبدو أن الطقس ليس طيبًا في جميع أنحاء بريطانيا، رأيت تقارير عن الناس التي تحاول التصويت حتى أثناء هطول الأمطار، لكن السماء زرقاء والشمس مشرقة في غلاسكو، كما هو الحال دائمًا؛ لذلك فهو طقس مثالي للتصويت".
وأدى ارتفاع منسوب المياه في الجنوب الشرقي إلى غلق العديد من مراكز الاقتراع، واستطاع الناخبون الذين حضورا أول الأمر إلى صناديق الاقتراع المحلية في ديفون وتشيستنغتون وساري من الدخول والتصويت، بعد معركة خاضوها مع المياه، لكن الأمطار الغزيرة استمرت بالهطول، واستمرت البرك بالتكون؛ حتى اضطرا القائمون على التصويت أن ينقلوا صناديق الاقتراع إلى مركز هوك القريب.
وأغلق أيضًا مجلس كينغستون مركز الاقتراع في قاعة المجتمع شيراز ميرزا في مالدون مانور، وطلب من الناخبين التوجه إلى مركز لروانس، وكان العشرات من الناخبين غير قادرين على قول كلمتهم الأخيرة في الاستفتاء بسبب الأخطاء في أحد مراكز الاقتراع، فبعض السكان في ليتون بيرارز بيدز لم تدرج أسمائهم على لائحة التصويت؛ مما دفع ببعض السكان المحلين إلى مضايقة النواب خارج مركز الاقتراع قائلين لهم "العار عليكم" واستطاع في النهاية مركز بيدز للاقتراع أن يجري ترتيبات للناخبين الذين لم تدرج أسماؤهم.
وأظهر الاستطلاع الحصري لصحيفة الديلي ميل أن بريطانيا بلد منقسم، فالأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم 45 عامًا أو يعيشون في الشمال، يريدون مغادرة الاتحاد الأوروبي، ويظهر أن الفئات العمرية الأقل من ذلك ستصوت بالغالب لصالح البقاء، بينهم 64% ممن تتراوح أعمارهم بين 25 عامًا و 34 عامًا، في ما تريد 27% من هذه الفئة المغادرة، ويريد 31% من الاشخاص بين 55 عامًا و 65 عامًا يريدون البقاء، و 55% منهم يريدون المغادرة. ويرغب نحو 38% من سكان الجنوب ترك الاتحاد الأوروبي، بينما 51% يريدون البقاء، ولكن في الشمال 41% يريدون البقاء و 50% يريدون المغادرة، وفي الوسط نحو 45% يؤيدون البقاء، و44% يؤيدون المغادرة.
وشمل الاستطلاع 1032 شخصا من البالغين في عطلة نهاية الأسبوع، وخلال الفترة التي توقفت فيها الحملة بعد مقتل النائبة العمالية جو كوكس يقول نحو 17% إنهم ربما يغيرون رأيهم قبل الاقتراع، وتعرضت سمعة الكثير من السياسيين للعديد الضربات، وانخفض عدد الناخبين الذين سيبنون قرارهم على كلام ديفيد كاميرون من 34% في أيار / مايو إلى 26% الخميس 23 حزيران/ يونيو الجاري.
وأشار ثلث البريطانيين إلى أنهم يعتقدون أن "كاميرون" أفضل شخص للتفاوض على انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بصفته رئيس للوزراء، في حال قرر الاستفتاء الانسحاب.
وشهد اليوم الأخير من حملة الاستفتاء تقاطع مسارات المتنافسين الرئيسيين؛ ليظهروا في سلسلة من المسيرات، فانضم ديفيد كاميرون إلى رئيس الوزراء السابق السير جون ميغور، وهاريت هارمان للاجتماع الحاشد في بريستول، وفي غضون ذلك زار بوريس جونسون سوق السمك الشهير في بيلنغزغات، واجتاز البلاد في طائرة هليكوبتر تدعو الناخبين إلى التصويت بالانسحاب.
وتوجه زعيم حزب العمال جيرمي كوربين إلى النشطاء في وسط لندن في حين حلقت طائرات البقاء بلافتات فوق البرلمان، وانسحب نايغل فاراغ من مناظرة تلفزيونية وكان من المقرر أن يظهر جنبًا إلى جنب مع عدد من الضيوف البارزين من كلا الجانبيين، بما في ذلك العمالي إليستر كابمبل، والمحافظ مايكل هيزلتان، والنائب المحافظ لويز مينش، وديليا سميث، التي انتقدت تأييد حزب الاستقلال للمغادرة. وعرضت القناة التلفزيونية التي استضافت المناظرة ملصقًا يصور خط الأفعوانية لمئات المهاجرين القادمين الى أوروبا باسم "أحلك لحظة" في الاتحاد الأوروبي، وتحدثت "سميث" خلال الجزء الأول من البرنامج الذي ركز بشكل كبير على كيفية إدارة كل جانب لحمتله، وقالت "أصبحت الأمور أكثر عتمة، أعتقد أن أحلك اللحظات كانت عندما رأينا الملصق، أنا لا أعتقد أنه مهين لكنه منافي للآدمية".
ورفض "فاراغ" الاعتذار عن ملصق الهجرة المثير للجدل الذي قدمته حملته في وقت سابق، وقال "أعتذر عن التوقيت، وعن حقيقية أن البعض استخدمه كي يلحقوا الأذى بنا، ولكني لا أستطيع أن اعتذر عن الحقيقة، فبعد كل شيء هذه صورة نشرتها كل الصحف، وهي مثال لخطأ بقائنا في الاتحاد الأوروبي". وحل محل "نايغل" السياسي في الحزب نفسه ستيفن وولف، وكانت مناقشة الفرصة الأخيرة لمعسكري البقاء أو الانسحاب قبل أن تفتح صناديق الاقتراع، واستمرت لمدة 90 دقيقة، باستضافة جيريمي باكسمان، وتناول القضايا الرئيسية للاستفتاء، بما في ذلك الاقتصاد والهجرة والسيادة. وكان التوتر بين الجانبين واضحًا، واضطر المذيع مرات عدة أن يناضل للحفاظ على هدوء النقاش، وعند إحدى النقاط قال "باكسمان" الذي بدى الانزعاج واضحًا عليه، لساندي شو "نحن نحاول أن نناقش أمرا مختلفًا، وأنت تناقشين الموسيقى". وكان الحضور يتحدثون بأصوات مرتفعة ويقاطعون بضعهم بعضا كثيرًا، وحاول سايمون شاما إيقاف ستيف هيلتون، فقطاعه الأخير قائلًا "هذا فظ قليلًا أن تقاطع شخص بدأ الحديث للتو".
وشارك السياسيون الأربعاء الماضي في جولة أخيرة من الحملة الانتخابية عشية الاستفتاء، وحث "كاميرون" الناخبين على التمسك بنادي بروكسل خلال تجمع حاشد في بريستول وقال "إذا كنا نريد اقتصادًا أكبر والمزيد من فرص العمل فمن الأفضل أن نكون معًا، وإذا أردنا أن نكافح ضد تغير المناخ فمن الأفضل أن نكون معًا، وإذا أردنا أن نواجه الإرهاب وأن نحافظ على سلامة وطننا فمن الأفضل أن نبقى معًا".
وشن السير "جون" هجومًا على جونسون ووزير العدل مايكل غوف ووصفهما بأنهما "حفارا قبر الازدهار"، وأصر على أن ترك الاتحاد الأوروبي لن يوقف الهجرة وسيخاطر بكسر بريطانيا، وأن الانسحاب سيكون رد فعل غير مناسب على مخاوف الهجرة، وأن البلاد ستندم لوقت طويل على ذلك. مضيفا "إذا صوتت أمتنا بالمغادرة، يجب علينا أن نحترم قرارها، ولكن إذا صوتوا بالمغادرة فسيكون هذا بناء على أنصاف حقائق وأكاذيب، نشرها حفارو قبور الازدهار، الذي سيكون عليهم الرد على أسئلة خطيرة".
وتابع "سيكون عليهم أن يبرروا أقوالهم السابقة، لكن دون أي عزاء لأننا سنكون في الخارج، وربما بعدها ستتقلص بريطانيا لتصبح إنكلترا دون أسكتلندا وويلز أيضًا، وبالتأكيد مع أيرلندا الشمالية المقسمة". مصرا أيضا على أنه من واجب "كاميرون" التحذير من مخاطر ترك الاتحاد الأوروبي على الأمة، مضيفا "في المقابل، فبتحذيره هذا واجه الكثير من المعارضة وسوء المعاملة أحيانًا من الناس، وبصراحة لقد توقعنا الأفضل منهم، وأعتقد أن الطريقة التي أدار بها البلاد كانت رائعة". مسترسلا "أعتقد أننا على وشك حدث غير عادي في تاريخ بلدنا، بل في تاريخ أوروبا، والأمر اليوم يبقى لداعمي البقاء بالتصويت".
وقال زعيم حزب العمال "كوربين" في كلمة ألقاها أمام مؤتمر يونسون السنوي في برايتون، صباح الخميس 23 حزيران/ يونيو الجاري: إنه يدعم عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لكنه يريد الإصلاح، والتصويت سيكون أكثر القرارات المهمة التي ستتخذها البلاد. مضيفا "شكل حزب العمل التأمين الصحي وخلق الرعاية الصحية بصفته حق من حقوق الإنسان، وهذا لا ينطبق على معظم البلدان في العالم، علينا أن ندافع عن هذا المبدأ لإلى يوم موتنا، والتصويت بالمغادرة سيضع نظام التأمين الصحي في خطر".
ويأتي الاستفتاء بعد معركة على الأصوات استمرت على 4 أشهر بين معسكري "التصويت بالبقاء" و"التصويت بمغادرة" الاتحاد الأوروبي، ومضت عملية التصويت بسلاسة رغم أنه جرى نقل العديد من مراكز الاقتراع في جنوب شرقي إنكلترا بسبب الطقس السيئ تسببت فيه أمطار غزيرة، وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها في السابعة صباحا بتوقيت بريطانيا الصيفي وأغلقت أبوابها في العاشرة مساء.
ولم تكن بريطانيا وحدها المعنية بتقرير مصيرها أمس، بل كانت أوروبا كلها والعالم مشدودين إلى كلمتي "البقاء" في الاتحاد الأوروبي أو "الخروج" منه؛ لأن التداعيات ستطال الاقتصاد البريطاني والأقاليم التي تتألف منها المملكة المتحدة لا سيما منها أسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية، وبأي صيغة ستبقى ملتصقة بإنكلترا أو تفضل سلوك طريق الطلاق. وكما تستعد بريطانيا لتلقي انعكاسات البقاء أو الخروج، فإن هذه الانعكاسات لن تكون أقل وطأة على الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي الذي سيتعيّن عليه استيعاب الاختبار البريطاني بأقل الخسائر والحفاظ على المشروع الذي انطلق عام 1957 وأثبت أنه أداة فعالة في الحفاظ على السلام والاستقرار في القارة القديمة.
وأوضح زعيم حزب الاستقلال البريطاني "يوكيب" المناهض للاتحاد الأوروبي نايغل فاراج "يبدو أن معسكر البقاء سيفوز". وارتفع سعر الجنيه الإسترليني بعد تصريحات فاراج الذي طالما دعا إلى خروج بريطانيا من الاتحاد. وكان البريطانيون أقبلوا بكثافة على مكاتب الاقتراع للمشاركة في استفتاء تاريخي على بقائهم في الاتحاد الأوروبي أو خروجهم منه. وفي ما تبدو المنافسة محتدمة بين معسكري البقاء والخروج، أسهم استطلاع نشر خلال إجراء الاستفتاء وجاء في مصلحة البقاء، في طمأنة الأسواق المالية، إذ بلغ الجنيه الإسترليني أعلى مستوياته منذ 6 أشهر إزاء الدولار. وبعد حملة كثيفة تمحورت على الهجرة وانعكاساتها السلبية بالنسبة إلى مؤيدي الخروج، توافد الناخبون المسجلون البالغ عددهم الإجمالي 45.5 مليونا، منذ الصباح الباكر للإدلاء بأصواتهم رغم تساقط المطر في بعض المناطق ومنها لندن.
وأدلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي خاض حملة من أجل البقاء، بصوته في لندن مع زوجته سامنتا، ولم يصرّح بعد. لكنه دعا لاحقا في موقع "تويتر" مواطنيه إلى اختيار البقاء لضمان "مستقبل أفضل". كما صوت رئيس حزب العمال المعارض جيريمي كوربن المؤيد للبقاء، في أحد مراكز الاقتراع في لندن. وردا على سؤال عن فرص فوز معسكره، قال ممازحا : يمكنكم ان تسألوا وكلاء المراهنة الذين رجحوا كفة "البقاء.
وقاد رئيس بلدية لندن السابق بوريس جونسون المحافظين المشككين في أوروبا. وشددت الصحف البريطانية على الطابع التاريخي للاستفتاء. وعنونت "الصين" الشعبية المؤيدة للخروج "يوم الاستقلال"، بينما كان عنوان صحيفة "التايمز" المؤيدة للبقاء "يوم الحساب". وحذرت كل المؤسسات الدولية من صندوق النقد الدولي إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، من أن خروج بريطانيا ستكون له عواقب سلبية على المدى البعيد ناهيك بالتبعات الاقتصادية الفورية. وقد يثير الاستفتاء اضطرابات سياسية مع احتمال رحيل محتمل لكاميرون الذي يجازف بمكانته في التاريخ عبر هذا الاستفتاء.
أرسل تعليقك