لم ينتهِ أسبوع على وعود قائد مخابرات الحرس الثوري حسين طائب بملاحقة المتورطين في ملفات الفساد الاقتصادي، حتى أعلن خلال اليومين الماضيين عن اعتقال اثنين من المقربين للرئيس الإيراني حسن روحاني، وتناقلت وسائل إعلام إيرانية، الخميس، اعتقال رئيس الصندوق الوطني للتنمية صفدر حسيني، المقرب من حلقة الرئيس الإيراني، غداة الإعلان عن اعتقال المدير التنفيذي لبنك "ملت" علي رستغار سرخئي، وكان حسيني، وهو من أبرز المتورطين في "فضيحة الرواتب"، وترك منصبه قبل أسبوعين بعد موافقة روحاني على قبول استقالته.
وفي نهاية الشهر الماضي قرر مجلس إدارة بنك "ملت" إقالة سرخئي، بعدما تعرضت الحكومة الإيرانية لضغوط من وسائل الإعلام، لكنه رفض توقيع محضر إقالته، حينها قالت وكالة "تسنيم" "إن سرخئي يحاول تفادي إدراج اسمه على قائمة المتورطين في الرواتب الفلكية للتمسك بمنصبه في رئاسة البنك"، وخلال اليومين الماضيين نشرت وكالات الحرس الثوري وثائق حول ممتلكاته وتفاصيل أخرى عن حياته الخاصة لإثبات تورطه، فيما ترددت أنباء في الأيام الأخيرة حول دور محتمل لحسين فريدون، شقيق الرئيس الإيراني، في تعيين رؤساء تنفيذيين في البنوك الإيرانية الكبيرة، وكان برلمانيون اتهموا فريدون بإدارة "شبكة فساد كبيرة" في البلاد.
وقالت مخابرات الحرس الثوري "إنها اعتقلت سرخئي؛ بسبب نشاطه الواسع في عصابة منظمة في الفساد البنكي، فيما أشارت "تسنيم" إلى اعتقال المساعد الدولي لرئيس بنك "ملت" المُقال، ويذكر أن بنك "ملت" ثالث بنوك إيران برأسمال يتجاوز 62 مليار دولار، ويملك 1900 فرع داخل إيران، وفرعين خارج البلاد.
وكان موقع "راه دانا" المقرب من الحرس الثوري قدّم أدلة بشأن دور روحاني في تعيين رستغار في منصب رئيس بنك "ملت"، وفي إشارة إلى مدينة "سرخة" في محافظة سمنان التي ينتمي إليها كل من روحاني ورستغار، قال الموقع على سبيل التهكم أنه يكفي أن تكون من مدينة روحاني، لكي تصبح رئيسًا لأحد البنوك الكبيرة في إيران كما أطلق الموقع على مقربين روحاني من المسؤولين عصابة "سرخئي".
ويأتي هذا بعدما وجهت اتهامات كبيرة إلى روحاني وشقيقه بتعيين رئيس بنك "رفاه" علي صدقي المُقال بدوره بسبب "الرواتب الفلكية"، وتعمقت الأزمة السياسية داخل إيران عقب تبادل الاتهامات بين دوائر السلطة؛ بسبب تبادل الاتهامات حول الفساد، ووسط كل هذا الجدل يعاني الشارع الإيراني تناقض المعلومات وغياب الشفافية على الرغم من تأكيدات متكررة حول توضيح الملابسات للرأي العام، لكنه من المؤكد يشكل جانب من الصراع الخفي الدائر بين الدوائر الإيرانية، خاصة أن تجاوزات الفساد أصبحت حديث الساعة لدى المواطن الإيراني الذي "يعاني مشكلات حقيقية في الاقتصاد والثقافة" وفق ما نقلته وكالة "تسنيم" من المساعد الأول للرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري.
وتنذر الأزمة بالتفاقم مع دخول إعلان الحرس الثوري نيته للعب دور كبير في مكافحة الفساد في حين أن الجهاز العسكري تردد اسمه بين الدوائر المطالبة بالشفافية المالية ونشر ما يتقاضاه قادته، ورفض الحرس الثوري التجاوب مع دعوات الشفافية ونشر معلومات عن رواتب قادته لدعاوي "أمنية" وفق المتحدث باسمه رمضان شريف، وبدورها، اعتبرت أوساط مقربة من الحكومة الإيرانية نشر الوثائق استهدافًا لروحاني قبل أشهر من الترشح لفترة رئاسية ثانية، وحذر سياسيون خلال الفترة الماضية من تحول فضيحة الرواتب الفلكية إلى ذريعة بين الأطراف المتصارعة على السلطة لـ"تصفية حسابات سياسية".
في المقابل، أفادت وكالة "إيسنا" الخميس، نقلاً عن المتحدث باسم الحكومة محمد رضا نوبخت أن عددًا محدودًا، من المسؤولين الحكوميين تلقوا رواتب خارج إطار القانون، وأشار إلى أن المتورطين هم رؤساء لمكاتب اقتصادية غير مرتبطة ومرتبطة بالحكومة.
وكان قد نفى قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري أن تكون الاعتقالات الجديدة التي تطال مسؤولين كبار على صلة بـ"الرواتب الفلكية"، قائلاً إنها تأتي على خلفية اكتشاف شبكة فساد اقتصادية واسعة، وجدد جعفري مخاوفه من استحالة النظام الثوري بعدما يقارب أربعة عقود على يد من وصفهم بـ"المندسين"، وتحدث جعفري خلال مؤتمر لقادة بحرية الحرس الثوري في مشهد، الأربعاء، حول دعم السلطة القضائية لتحرك الحرس الثوري على هذا الصعيد، ملمحًا إلى اعتقال بعض السياسيين في شبكة فساد، في غضون ذلك ذكر جعفري أن اعتقال رئيس بنك "ملت" جاء بـ"قرار قضائي"، نافيًا أن تكون "فضيحة الرواتب الفلكية" السبب الوحيد.
وأشار جعفري إلى أن دخول الحرس الثوري في ملف "الفساد" الاقتصادي جاء بعد جملة من التحذيرات أصدرها المرشد الإيراني علي خامنئي في خطاباته الأخيرة للتعبير عن مخاوفه، وقال جعفري "إن المرشد أصدرها بعدما تعرضت الثورة لمخاطر حقيقية، وأن بعض المعارضين تغلغلوا في الحكومة".
يُشار إلى أن الحديث عن تورط أعضاء مكتب روحاني بالفساد بدأ فعليًا منذ منتصف فبراير/شباط الماضي في مؤتمر صحافي لعضو البرلمان السابق حسين زاكاني، عندما وجَّه اتهامًا إلى مكتب روحاني وتحديدًا إلى رئيس مكتبه محمد نهاونديان وشقيقه حسين فريدون بإدارة "مافيا اقتصادية".
وهددّ خصوم روحاني بتقديم "أدلة دامغة" لأجهزة الأمن حول فساد مكتب روحاني واستغلال الاتفاق النووي في إبرام صفقات تجارية سرية، المعلومات التي قال زاكاني "إنه بصدد تقديم وثائق عنها لا تختصر على مكتب روحاني، بل شملت وزارتي الخارجية والنفط "شبكة خطيرة من السماسرة" التي تحدث عنها زاكاني وشملت وزير النفط الإيراني بيغن زنغنه وممثل إيران السابق في الأمم المتحدة سيروس ناصري، حينها فسرت تهديداته على أنها تأتي لأغراض انتخابية؛ لأنها سبقت الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 من فبراير/شباط الماضي بأيام.
خلال الفترة الماضية هددّ كل من زنغنة وفريدون برفع قضية إلى السلطة القضائية ضد نواب البرلمان؛ بسبب الاتهامات، كما أعلن وزير الداخلية رحمان فضلي أن النواب لم يقدموا لوزارته أي وثيقة تثبت الفساد في مكتب الرئيس، وكان فريدون محور الضغط على روحاني، خاصة عقب غياب استمر شهرين بين أبريل/نيسان ومايو/أيار، وأثارت تكهنات حول اعتقاله.
وبذلك يقود الحرس الثوري معسكر خصوم روحاني في المبارزة المفتوحة على كل الاحتمالات تحت مظلة الفساد الاقتصادي، في حين يوجه المنتقدون اتهامًا واحدًا لكل الدوائر الفاعلة في السلطة وهو تجاهلها مكافحة الفساد الاقتصادي، وكان روحاني انتقد الحرس الثوري في مناسبات مختلفة؛ بسبب دوره الاقتصادي الذي يؤثر سلبًا في سياسة حكومة الاقتصادية، كما أنه تحول إلى كابوس يهددّ تطلعات الحكومة لتشجيع الاستثمار الأجنبي، خلال الأعوام الثلاثة الأولى حاول روحاني تبرير فشل وعوده الاقتصادية والفساد إلى سلفه محمود أحمدي نجاد، وهو موضوع أصبح غير مُقنع لكثيرين.
أرسل تعليقك