يواصل الإعلام الإسرائيلي، سلسلة نقاشات تربط بين الصفات والمزايا الشخصية للقادة العسكريين وبين شكل المعركة المقبلة.
وتناول وسائل الإعلام بإسهاب الصفات الشخصية للقائد الجديد للجيش غادي آيزنكوت، على اعتبار أن المركبات الشخصية للقائد الجديد تعتبر هي المتغير الرئيسي الذي سيحدد طبيعة جولات الحرب القادمة، بالإضافة طبعًا للمتغيرات السياسية، سواء على مستوى تركيبة الحكومة أو على مستوى التغيرات الجيوسياسية الإقليمية.
وأعلن "مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية" قائلًا: نلحظ نوعًا من الاستعلاء العنصري والغباء والتعامي المقصود، الذي لا زال يصر على التنكر للواقع، وعلى عدم رؤية الآخرين والاستمرار في العيش داخل الفقاعة التي تسمى "واحة الأمن والاستقرار داخل قلعة داود"، والتي هي أشبه بسفينة يصر ربانها على الإبحار تجاه جرف صخري لا يريد أن يراه.
وحسب "أطلس"، فالصفات الشخصية، لا سيما للواءات، كالجرأة والإقدام والحكمة والتهور والدموية والعناد واستقلالية الرأي والكاريزما وعدم التبعية ...الخ؛ لها دور مؤثر على نوعية الخطط والقرارات العسكرية.
وأوضح المركز أن مساحة تأثير القائد ترتبط بعوامل كثيرة من بينها طبيعة النظام المؤسسي للمؤسسة العسكرية ودور ومكانة وزير الحرب المسؤول عن المؤسسة العسكرية، والأهم من ذلك كله هو نوعية التحديات والتهديدات القائمة والمستقبلية، والدروس والعبر التي رسختها المواجهات السابقة؛ فهي المتغير الأهم الذي سيؤخذ بعين الاعتبار عند وضع الخطط العسكرية وعند اتخاذ القرارات الحربية.
وأضاف المركز أنه في حالة آيزنكوت، لا يهم إن كان قائدًا مقدامًا أو صاحب عقيدة الضاحية أومجرمًا دمويًا، فقد اكتوى وعيه ووعي قادة الجيش والمستوى السياسي بدروس وعبر الحروب الأخيرة، سواء في الشمال أو الجنوب، وبات يعرف تمامًا محدودية القوة العسكرية الإسرائيلية على الرغم من قدراتها التسليحية الهائلة.
وتابع المحللون في مركز الدراسات، أن ما يفهمه الجيش ويعرفه المستوى السياسي عن نوعية التحديات، ويحضر بقوة في اجتماعات تقدير الموقف والمصادقة على القرارات العسكرية، يصرون متعمدين على تجاهله في تصريحاتهم وخطاباتهم العلنية، من باب المكابرة وعدم الاعتراف بالواقع وتجاهله للحفاظ على الحالة المعنوية للمجتمع الإسرائيلي، وللتهرب من دفع الاستحقاقات المترتبة على زيادة حجم ونوعية التهديدات الأمنية.
ويصر الجيش والسياسيون والإعلام على إخفائه عن المواطن الإسرائيلي، رغم فشلهم في مرات سابقة.
وكشف آخر استطلاع لرأي الإسرائيليين عن "من انتصر في الحرب الأخيرة على غزة" أجراه معهد "سميث"؛ أن 45% من الإسرائيليين مقتنعون أن الفلسطينيين انتصروا في الحرب – برغم الماكينة الإعلامية.
وكتب قبل أيام، المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت احرونوت" يوسي يهوشع "على الجيش الإسرائيلي أن يروي القصة الحقيقية حول ما حدث تمامًا في الحرب على غزة، وأن يطأطئ الجيش الإسرائيلي رأسه ويركز على تصحيح الخلل".
ولم يعد للواءات الإجرام ذلك البريق وهالة المجد في مجتمعهم حاليًا مثلما كان عليه الأمر في العقود السابقة، بعد أن استبدلت مفاهيم النصر بمفاهيم الردع، ومفهوم الحسم بمفهوم دفع الثمن، ومفهوم السيطرة الميدانية بالسيطرة الجوية، وبعد أن سقطت قدرتهم على الاحتلال.
وتابع المركز في تحليلاته أنه حتى آيزنكوت الذي تنسب إليه "عقيدة الضاحية"، والاسم المناسب لها "عقيدة القصف الهمجي" لم يخترع مفهومًا عسكريًا لامعًا ومبدعًا، فالقصف الهمجي تلجأ إليه قوى العدوان بعد إفلاس خططها وبرامجها القتالية، وهو نوع من الانتقام والثأر البربري من العدو الذي لا تستطيع هزمه في الميدان، وهو اعتراف صريح بتفوق المقاومة في الميدان.
ولم تكن التغييرات في العقيدة القتالية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، اختيارًا طوعيًا وتطويرًا قتاليًا مبدعًا؛ بل هي استجابة لاضطرارات تطور ميدان المواجهة الذي تفرضه المقاومة.
ووجد الجيش الإسرائيلي الذي كان يفاخر بعقيدته التي تعتمد على حروب سلاح المشاة والدبابات، وعلى الرغم من قناعاته واستنتاجاته التاريخية، أن الحروب لا تحسم من الجو، بل على الميدان؛ فهو يضطر للتنازل عن مفهوم الحسم بالردع من الجو المصحوب بحرب نفسية كبيرة أولى خطواتها الإعلان عن تجنيد الاحتياط ونشر صور حشد الدبابات.
وسيكون آيزنكوت مجرد لواء آخر يجلس على كرسي قيادة الجيش، كمن سبقوه على الكرسي (حالوتس واشكنازي وغانتس) أسيرًا في خططه وقراراته بمحدودية تأثير القدرات العسكرية الإسرائيلية، ومكبلًا بقيود نوعية التهديدات الأمنية.
وقال "مركز أطلس" في تحليل له نشره الخميس: يدخل آيزنكوت رئيسًا لأركان الجيش الإسرائيلي في ظل تهديدات عديده ونوعية وغير قابلة للحسم العسكري، ولا زال بعضها في طور التشكل في ظل شرق أوسط يمور بالتغيرات والاضطرابات.
وفي نفس الوقت، يرث آيزنكوت جيشًا مستنزفًا ومشكوكًا في قدرته على جلب الانتصار، جيش لم يعد ينظر إليه الإسرائيليون كما في السابق كجيش للشعب ومتوج بهالة المجد، لا سيما على ضوء نتائج الحرب الأخيرة على غزة، وعلى ضوء شعور الإسرائيليين إنه لم يعد يبرر الأعباء الأمنية والمالية التي يفرضها عليهم.
وجعلت كثرة التهديدات التي سيضطر آيزنكوت لنقاشها مع هيئة أركانه في اجتماعاته الأولى بهم، نتنياهو يخاطبه قائلًا أثناء مراسم تقليده منصبه الجديد "ليس أمامك يوم واحد للراحة"، فالوضع في غزة يهدد بالانفجار، وفي الشمال توتر واحتقان، وفتح جبهة جديدة لا أحد يعرف متي سيكون الانفجار وأين، والعلاقة مع السلطة تمر بمرحلة تصعيد واحتقان قد تشعلها شرارة واحدة.
وأضاف نتنياهو في حديثه لرئيس الأركان، أن هناك شعور طاغٍ بحجم الإهانة في أنفاق غزة وعلى حدودها، وتحدي التحقيقات في شبهات ارتكاب جرائم الحرب، علاوة على الملف النووي الإيراني وانفلات العنف والصراعات المسلحة في الدوائر القريبة والبعيدة من إسرائيل؛ كل ذلك في ظل حكومة تخضع للمزاج الانتخابي وتسارع في توظيف العامل الأمني لصالح أجندة انتخابية.
وقد يدفع هذا الأمر أيزنكوت لتبني سياسة مرحلية مؤقتة أكثر حذرًا وتحفظًا، وتفعيل الكثير من الكوابح والكثير من التعقل والاتزان والحكمة.
أرسل تعليقك