توالت ردود الأفعال في غزة حول إعلان كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، إعدام أحد قادتها الميدانيين قبل يومين بسبب "تجاوزاته السلوكية والأخلاقية"، كما أفاد بيان مقتضب صدر عن الكتائب دون إدلاء أي توضيحات حول تلك التجاوزات، حيث أعلنت قالت كتائب القسام أنها أعدمت أحد عناصرها البارزين سابقًا بناء على حكم أصدرته بحقه محكمة عسكرية تابعة للكتائب.
وقالت القسام في بيان: "تم في تمام الساعة الرابعة مساء الأحد تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق العضو في الكتائب محمود رشدي اشتيوي من قبل القضاء العسكري والقضاء الشرعي التابع لكتائب القسام وذلك لتجاوزاته السلوكية والأخلاقية التي أقر بها"، إلا أن مصادر محلية أوضحت أن اشتيوي أدين بالتخابر مع إسرائيل، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها كتائب القسام إعدام أحد عناصرها بعد إدانته داخل حماس، وسبق أن شهد قطاع غزة إصدار أحكام إعدام بتهمة التخابر مع إسرائيل من جانب محاكم مدنية أو عسكرية.
وقال المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان نهاية كانون الأول/ديسمبر، أن تسعة أحكام إعدام صدرت في غزة في 2015 فيما صدر حكمان في الضفة الغربية المحتلة التي تديرها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، ومنذ بداية 2016، صدرت أربعة أحكام إعدام بحق غزاويين بتهمة التخابر مع إسرائيل.
ونشرت عائلة "اشتيوي" في قطاع غزة بياناً للرأي العام، بعد تلقيها خبر إعدام ابنها محمود اشتيوي من قبل كتائب القسام الجناح المسلح لحركة حماس، والذي أكدت الكتائب إعدامها لإشتيوي ببيان رسمي صدر عنها مساء الأحد ، على تهم متعلقة بتجاوزاته السلوكية والأخلاقية.
وجاء في نص بيان عائلة اشتيوي، أن ابنها الذي شغل مهام جهادية كثيرة، في كتائب القسام، كان أخرها قائد كتيبة الزيتون، وأحد مهندسي الأنفاق الجهادية في المنطقة الشرقية لقطاع غزة، أعدم "ظلماً" بعد خلافات مع مسئوله المباشر في الكتائب عز الدين الحداد "أبو صهيب"، واعتقل لمدة عام كامل في سجون القسام، وتعرض للتحقيق الشاق، وانقطعت أخباره على مدار أشهر، وتم التواصل مع قيادات نافذة في حركة حماس سعيًا للإفراج عنه بضمان سيرته الجهادية وجهده المقاوم، ودم الشهيد شقيقه أحمد الذي قضى بعد مسيرة جهادية مريرة، وهدم منزل العائلة، ووعدت هذه القيادات بمعالجة ملف محمود وانهاءه، ولكن أي من الوعود لم تنفذ، حتى جاء نبأ إعدامه صدمة كبيرة للعائلة، وارفق في بيان عائلة اشتيوي ما قالت عنها "وثائق" تؤكد براءة ابنها من التهم المنسوبة إليه.
من جهتها، أدعت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية أن الشخص الذي أعدمته حماس بالقطاع متعاون مع إسرائيل، وهو من قام بإرشاد إسرائيل لمكان تواجد القائد في كتائب القسام محمد الضيف، الذي تم قصفه خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014 وفق الإدعاءات الإسرائيلية.
وبحسب إدعاءات الصحيفة، فأن القيادي القسامي الذي تم إعدامه هو من قادة الجناح المسلح للحركة المؤسسين، وكانت الكتائب قد اعتقلته عقب محاولة اغتيال الضيف، وأن عائلته نظمت عدة فعاليات احتجاجية على اعتقاله أمام منزل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية؛ للمطالبة بالإفراج عنه إلا أن حماس فضت هذه الاحتجاجات بالقوة.
مصادر إعلامية إسرائيلية كانت قد كشفت النقاب عن وجه "العميل"، الذي تسبب في استهداف القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف، أثناء الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، عندما نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي محاولة اغتيال فاشلة للمطلوب رقم "1" على أجندة أجهزة الأمن الإسرائيلية منذ سنوات، حيث تبين عدم وجوده في المنزل المستهدف لحظة تنفيذ عملية الاغتيال التي أدت إلى استشهاد زوجته وطفليها، فيما نجا محمد الضيف من الحادث .
وتقول المصادر أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تمكنت من الوصول إلى الدائرة الأمنية الأقرب للضيف وإختراقها عبر أحد قادة كتائب عز الدين القسام الذي عمل لفترة ضمن الطاقم الأمني الخاص لمحمد الضيف قبل أن يتم تكليفه بقيادة كتيبة الزيتون وهو المدعو " محمود رشدي إشتيوي " شقيق أحد شهداء القسام الأوائل أحمد إشتيوي الذي عمل فبل إستشهاده في الوحدة " 103 " التي أسسها الشهيد صلاح شحادة ، كما قام العميل إشتيوي بتجنيد مرافقه الشخصي " ن " للعمل مع المخابرات الإسرائيلية للتغطية على نفسه أكثر حسب التحقيقات الأولية التي أجريت معهما بعد أن تم إعتقالهما الأسبوع الماضي.
لكن استهداف القائد العام لكتائب القسام ووصول أجهزة الأمن الإسرائيلية إلى تحديد مكان وجوده قد أثار استغراب واستهجان الشارع الفلسطيني، في نفس الوقت أشعل الضوء الأحمر لدى كتائب عز الدين القسام والجهاز الأمني في حركة حماس ، خاصة وأن الدائرة التي على إطلاع بحركة وتنقلات محمد الضيف الحذرة جدا في غاية المحدودية وأضيق نطاق ممكن .
علما بأن المذكور طيلة الفترة الماضية كان خارج دائرة الشبهات في أوساط حماس السياسية والعسكرية كونه أخ لشهيد وتم قصف بيته في الحرب الأخيرة من قبل طائرات الإحتلال الإسرائيلي، مع التأكيد أن الكشف عن سقوطه في مستنقع العمالة جاء بمحض الصدفة حيث تبين قيامه ببيع عدة صواريخ من الموجودة بحوزته لسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، كان قد أبلغ قيادة كتائب القسام بأنه قام بإطلاقها بإتجاه المستوطنات الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة، وتم إستدعائه من قبل جهاز الإستخبارات الخاص بكتائب القسام لمراجعته في هذه القضية إلا أنه إنهار في التحقيق وقدم إعترافات وافية عن إرتباطه مع المخابرات الإسرائيلية، وكانت المفاجأة الكبرى الإدلاء باعتراف خطير ساهم في تفكيك "لغز" محاولة اغتيال محمد الضيف.
وحسب الرواية الإسرائيلية فأن الضيف اتصل هاتفيًا على محمود إشتيوي لجلب زوجته وأولاده قائلا له "هات الأهل"، وكان يعرف المكان الذي تتواجد به عائلته والمكان المحدد لنقلهم إليه، وتحرك بالفعل إلى هناك وقام بتأمين وصولهم إلى منزل عائلة الدلو ، وكان يعتقد بأن الضيف من الطبيعي أن يكون هناك ، لذلك بعد أن غادر المكان بدقائق معدودة قام بإبلاغ ضابط المخابرات الإسرائيلي المشغل له بما لديه من معلومات، ولم يتأخر الطيران الحربي الإسرائيلي الذي نفذ غارة غير مسبوقة على المكان، واستهدف البيت الذي يعود لعائلة "الدلو" المكون من ثلاثة طوابق، بستة صواريخ من طائرة إف 16 المدمرة، وتمت تسويته بالأرض، واستشهد طفل وسيدتان، وشهيد رابع على الفور، تبين لاحقاً أن من بينهم زوجة الضيف "وداد مصطفى حرب ضيف" (28 عاماً)، وأصغر أطفاله؛ الرضيع "علي" الذي يبلغ من العمر سبعة أشهر وأبنته " سارة " ثلاثة أعوام ، وقد ذكر الإعلام الإسرائيلي أنه تم استهداف المنزل من ثلاث طائرات بصواريخ (GBU-28) مخترقة للملاجئ، أمريكية الصنع .
إن الكشف عن العميل محمود إشتيوي الذي يعتبر من الصف القيادى الأول في كتائب عز الدين القسام، ويصنف ضمن الدوائر الموثوقة على كل المستويات مما جعله يحيط بكم هائل من المعلومات السرية والخطيرة بكل ما يتعلق بكتائب عز الدين القسام من حيث التسليح والتخطيط والتصنيع العسكري والإطلاع على شبكات الأنفاق وطرق ووسائل الإتصال الخاصة ومواقع الصواريخ ومخازن السلاح والإمداد العسكري، كل ذلك يجعل حجم الكارثة والضربة الموجعة التي طالت الكتائب تأتي في مقتل، ويبدو هذا جليا في حالة الإرتباك الكبير التي سيطرت على القيادة بعد هذا الكشف المذهل والصادم، وما تم إتخاذه من إجراءات تغيير واسعة طالت المستويات القيادية في كتائب عز الدين القسام إلى جانب العمل على نقل وتغيير الأماكن الهامة و الحيوية المتعلقة بالعمل العسكري من مخازن السلاح و مرابض الصواريخ وغيرها، ومراجعة كل الخطط العملياتية المعروفة للعميل محمود إشتيوي بحكم موقعه في قيادة كتيبة الزيتون التي تعتبر من أهم الكتائب المقاتلة في الذراع العسكري لحماس، والمسؤولة عن قطاع مركزي شرق وجنوب مدينة غزة في محاذاة المنطقة الحدودية .
هذه المفاجأة الخطيرة خلقت حالة من الإرباك و الإرتباك في قيادة كتائب القسام لدرجة الهوس الأمني حيث قام جهاز الإستخبارات القسامي بحملة تحقيقات و إعتقالات واسعة طالت عددا من قادة السرايا في كتائب القسام تركزت في كتيبة الزيتون و لواء شمال غزة و أحدهم تم إختطافه من بيت عزاء والده في جباليا و اقتياده للتحقيق على ضوء علاقته مع أحد المشبوهين من عائلة " ع " جباليا البلد .
من جهتها عبرت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" عن بالغ صدمتها لما قامت به كتائب عز الدين القسام وإعلانها رسمياً إعدام المواطن محمود رشدي اشتيوي 34 عاماً من مدينة غزة أمس الأحد، ووفقاً لبيان الكتائب المنشور على موقعها الالكتروني والذي جاء فيه: "تعلن كتائب الشهيد عز الدين القسام أنه قد تم في تمام الساعة 16:00 من مساء اليوم الأحد 28 ربيع الثاني 1437هـ الموافق 7/2/2016 م تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق العضو في كتائب القسام محمود رشدي اشتيوي من قبل القضاء العسكري والقضاء الشرعي التابع لكتائب القسام وذلك لتجاوزاته السلوكية والأخلاقية التي أقر بها.
ووفقاً لمعلومات الهيئة التي حصلت عليها من عائلة المواطن اشتيوي، فقد تم احتجازه لدى الاستخبارات العسكرية في كتائب القسام منذ تاريخ 21/1/2015، إلى أن تلقت العائلة اتصالاً من أحد الأصدقاء مساء الأحد 7/2/2016 أبلغهم بوجود جثه ابنهم في قسم الطب الشرعي في مشفى الشفاء، حيث وجدوه جثة هامدة عليها آثار طلقات نارية في الجهة اليسرى من الصدر. كما أفادت العائلة أنها لم تتمكّن من زيارته خلال فترة احتجازه سوى مرّتين، وأنه أخبرهم في إحدى الزيارات أنه تعرّض للتعذيب أثناء احتجازه.
وقالت الهيئة في بيان لها إن إعدام المواطن محمود اشتيوي على هذا النحو، انتهاك للحق في الحياة، وإعدام خارج إطار القانون، واعتداء على اختصاص القضاء، ومساس بهيبته، كما أنه يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وفي مقدمتها الاحتجاز التعسفي من طرف جهة لا تتمتع بصفة الضبطية القضائية، وانتهاكاً لمعايير المحاكمة العادلة وفي مقدمتها وجوب تقديم لائحة اتهام، وتوافر حق الدفاع من خلال محامٍ، وشفوية وعلنية المحاكمة، والحق في استنفاذ طرق الطعن القانونية كافة أمام هيئة قضائية مستقلة ومحايدة ومشكلة وفق القانون، وبأنه كان يتوجب تسليم المواطن المذكور في حال وجود أية مخالفات قانونية للجهات القضائية المختصة، وعرضه على قاضيه الطبيعي لينظر في قضيته وينطق بالعقوبة التي يقررها القانون حال ثبوت التهم بحقه.
وفي الوقت الذي تنظر فيه الهيئة بخطورة بالغة لأخذ القانون باليد، وإدانتها لحادثة إعدام المواطن اشتيوي، فإنها تدعو الجهات المختصة في قطاع غزة للتحقيق في هذه الحادثة الخطيرة والتي تشكل تهديداً لمقومات وأسس السلم الأهلي، والعمل على نشر نتائج التحقيق، وتقديم المسؤولين عنها للعدالة، تأكيداً على احترام مكانة القضاء، ومبدأ سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، وحماية منظومة العدالة من الآثار السلبية الناجمة عن عملية الإعدام خارج إطار القانون.
أرسل تعليقك