العلم هو سلاح الانسان في كل الازمنة لضمان رجاحة العقل وحسن التفكير والتدبير وانجاز الابداع، والعلماء هم بناة الاخلاق والحضارات، وجنود الله في قهر ظلمات الجهل والخرافة، لذلك أكد على مكانتهم في اثبات ألوهيته وقدرته وعزته في قوله تعالى" {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}والعلماء هم اكثر خلق الله تعالى خشية له لما عرفوا من تجليات صنعه في الكون بدقة وحكمة واقتدار، ولذلك وصفهم بذلك في قوله تعالي: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ).
فعلماء الفلك والطبيعة الكيمياء والنبات والطب والهندسة والجيولوجيا واتصالات تكنولوجية، وعلماء الحيوان وغيرهم هم الذين يخشون الله تعالي، واتماما لقيمتهم فقد وصفهم رسول الله صلي الله عليه وسلم بانهم ورثة الانبياء في حديثه الصحيح: " إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر".فالعلماء يتوارثون العلم ويطورونه ويسلمونه للاجيال اللاحقة عليهم ليستفيدوا به ويكملوا مسيرة استحداث الأدوات واكتشاف الكنوز وتوالي الاختراعات التي تفيد الناس وتسهل عليهم حياتهم.والعلماء بهذا المعني هم الذين يقيمون الحياة، وبدونهم تصبح موتا وعدما، كما عبر ذلك الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه في أبياته الرائعة:
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهــم ....... على الهدى لمن استهدى أدلاّء
وقدر كلّ امرئ ما كان يحسنه ....... والجــاهــلون لأهل العلم أعداء
ففــز بعلــم تعــش حياً به أبـداً ....... الناس موتى وأهل العلم أحيـاء
لذلك نجد انه لم يخلوا عصر من العصور والحضارات قديما وحديثا، الا وبرز فيه علماء عباقرة اخترعوا الألات واكتشفوا الكنوز في السماء والبحار وباطن الارض وسخروها لخدمة الانسان واسعاده ووجدوا بعلومهم حلا لكل مشكلة وعلاجا لكل داء.فقد كان الفراعنة الأوائل اول من اهتم بعلم الفلك واول من توصلوا الى وسائل قياس الزمن مثل الساعة المائية التي يقاس بها ساعات الليل والنهار وقد قيست ساعات النهار التي اعتمد بعضها على الظلال بتحديد اتجاهها أو طولها.
كما كان الوزير الفرعوني إمحوتب أول طبيب في العالم، عالج اكثر من مائتي مرض، فوضع علاجا لخمسة عشر مرض باطني، وأحد عشر علاجا لمرض في المثانة، وعشرة علاجات لمرض المستقيم. كما اكتشف حوالي 29 مرض للعيون ووضع علاج لهم، واكتشف علاج لما يقارب 18 مرض من أمراض الجلد، واكتشف علاجات لامراض الشعر والأظافر اللسان. كما تعامل الطبيب أمحوتب مع مرض السل، كما عالج مرض حصى المرارة، وعلاج مرض التهاب الزائدة الدودية.
بابل وآشور
أما في الحضارتين الاشورية والبابلية فقد اشتهر الطب ايضا وكان لدي الاطباء الادوات لمعالجة المرضى، مثل المشارط والمنشار الطبي والملاقط والعدسات الطبية لضعاف البصر والمبارد الصغيرة والشاش وجبائر جاهزة وضماد وغيرها، وتوسع الاطباء في تدليك الارجل والصدر والظهر ودهن العضلات بمراهم مختلفة مع النصح بممارسة التمارين الرياضية.وذاع صيت هؤلاء الاطباء الآشوريين والبابليين في بلاد المشرق القديم، ولذلك كانوا يدعون من قبل ملوك البلاد مجاورة مثل مصر وبلاد الحيثيين وغيرها لمعالجتهم.
وتكشف النصوص الاثرية والتاريخية ان أقدم النصوص البابلية في الطب تعود إلى فترة بابل القديمة في النصف الأول من الألفية الثانية قبل الميلاد، واشهرها الدليل التشخيصي الذي كتبه الطبيب ايساجيل- كين- ابلي من بورسيبا، خلال عهد الملك البابلي أداد - ابلا- ادينا (1069-1046 قبل الميلاد).أما العالمة الكيميائية العراقية " تابوتي " فكانت أول كيميائية في العالم وعرفت عبر الألواح المسمارية التي خلدتها سنة 1200 ق.م في بابل.
علماء المسلمين
أنجبت الحضارة الاسلامية علماء افذاذا اشتهروا بالعلم الموسوعي الذي يضم في جنباته اكثر من علم في وقت واحد ن ومن هؤلاء، ابن رشد كفيلسوف وطبيب وفقيه وقاضٍ وفلكي وفيزيائي عربي مسلم أندلسي. اصدر مؤلفات عديدة في الطب خاصة في مجال علم التشريح كما في كتابه "الكليات"، وقدم للعالم تفسيرًا جديدًا لنظرية فلكية جديدة سميت "اتحاد الكون النموذجي" واكتشف نجماً لم يكتشفه الفلكيون الأوائل.وامام فكره علومه والموسوعية كانت مؤلفات ابن رشد تدرس في الجامعات الغربية بالعصور الوسطى، و ظلت المدرسة “الرُّشدية” الفكر المهيمن في أوروبا إلى حدود القرن السادس عشر الميلادي.
أما الفارابي الفيلسوف الاسلامي والملقب بالمعلم الثاني بعد ارسطو، فقد توسع في العلوم المختلفة بدءا من الفلسفة والمنطق، مرورا بالموسيقى، وعلم الطبيعيات والرياضيات والطب والفيزياء، وتتجلى أهم إسهاماته العلمية فى كتابه «إحصاء العلوم» الذى وضع فيه المبادئ الأساسية للعلوم وتصنيفها.وطور الفارابى آلة القانون الموسيقية، وكان أول مَن قدم وصفا لآلة الرباب الموسيقية ذات الوتر الواحد، والوترين المتساويين فى الغلظة، ولعل من أهم كتبه: الموسيقى الكبير والمدخل إلى صناعة الموسيقى.
بينما جمع ابن سينا عدة علوم بجانب الشعر، وأصدر أكثر من 240 كتاب في علوم الفلك والنبات والحيوان والأرصاد الجوية، وعلم النفس والطب، منها كتابه الشهير " القانون في الطب "، و"كتاب الشفاء" وهو موسوعة علمية تغطي مجالات المنطق، والعلوم الطبيعية، وعلم النفس، والهندسة، وعلم الفلك، والحساب والموسيقى.اما محمد بن موسى الخوارزمي فقد تَشعبَ علمه ومعرفته في مجالات الفلك، والرياضيات، والجبر، وعلم الجغرافيا الذي اشتهر به خلال الخلافة العباسية ببغداد، بجانب اسهاماته في علم الجبر والرياضيات، حيث قدَمَ الخوارزمي الأرقام الهندية، وأَدخل نظام العدّ العشري، وقد كان كتابه المختصر في حساب الجبر والمقابلة أول كتاب يتناول كيفية حل المعادلات الخطية والتربيعية ؛ وترجم الكثير من أعماله لعدة لغات.
ويُعَدّ الصيدلي " ابن البيطار" من اشهر علماء النباتات وقدم للعالم كتابه (الجامع في الأدوية المُفردة) باللغة العربيّة، ثمّ تُرجِمَ إلى التركيّة والألمانيّة والإغريقيّة، والفرنسيّة وكذلك كتابه المُغني في الأدوية المُفردة.وفي علم الجغرافيا برع من علماء المسلمين الادريسي وهو محمد بن محمد الإدريسي، أحد مؤسسي علم الجغرافيا له عدة كتب شهيرة اهمها "برهة المشتاق في اختراق الآفاق"، والذي كان يُطلق عليه اسم الكتاب الروجري، وطور رسم الخرائط، وشرح اختلاف الفصول بين الدول، واستخدمت خرائطه ومصوراته في جميع كشوف عصر النهضة الأوروبية.
وجابر بن حيَّان، من أعظم العلماء في القرون الوسطى، الملقب بأبي الكيمياء، حيث وضع أسس الكيمياء الحديثة. وألف أكثر من مئة كتاب متنوعا اهمها كتابه السَّبعين؛ الذي جمع فيه سبعين مقالاً عن أحدث ما وصلت إليه الكيمياء في عصره، وكتاب السُّموم ودفع مضارها.أما الفيلسوف العربي الكوفي، أبو يوسف يعقوب بن الكندي فقد ابدع في مجالات كثير منها علم الحساب واستفادت من رسائله العلمية أوروبا، ومنها كتاب فى مبادئ الحساب، مخطوطة فى علم الأعداد، كتاب فى استعمال الحساب الهندى، رسالة عن علم الهندسة الكروية، رسالة عن كروية الأرض، رسالة فى الهندسة المستوية، كتاب فى تسطيح الكرة، بجانب كتابه " المدخل إلى الموسيقا "، حيث كان الكندي أول من وضع قواعد للموسيقى في العالم العربي والإسلامي واقترح إضافة الوتر الخامس إلى العود. ووضع الكندي سلما موسيقيا ما زال يستخدم في الموسيقى العربية من اثنتي عشرة نغمة.
أما أبو الوفاء البوزجاني فهو أحد علماء الرياضيات والفلك المسلمين، ساهم في علم الفلك الرصدي وفي علم المثلثات التي مهدت لحسابات فلكية دقيقة، بجانب كتابه في علم الإنشاءات الهندسية.
عرب معاصرون
وفي عالمنا الحديث، واصل علماؤنا العرب رحلة الابداع العلمي، ومنهم، سميرة موسى عالمة الذرة المصرية التي بذلت جهودها العلمية في علم الذرة والتسلح النووي وكانت تري فيه دربا لتحقيق السلام، وكانت تأمل في استخدام الذرة بالمجال الطبي، وعلاج الأمراض خاصة السرطان. لكنها لم تحقق احلامها نتيجة اغتيالها.والعالم المصري أحمد زويل الذي توصل الي الفيمتوثانية، وهي وحدة قياس زمينة سريعة يتم بها التقاط الصورة بالليزر، وساعدت في تصوير التفاعلات الكيميائية لحركة الذرّات والجزيئات.
والعالمة المغربية لطيفة الودغيري، التي عملت مع فريق بحث في مختبر توماس جيفرسون بالولايات المتحدة توصلوا الى قياس كيفية توزيع الضغط داخل البروتون.وكذلك نضال الزعبي، العالم النووي الأردني، الذي تخصص في تصميم وهندسة المفاعلات النووية وإدارة الوقود النووي. شغل الدكتور نضال الزعبي منصب مفوض دورة الوقود النووي في هيئة الطاقة الذرية الأردنية، وقد كان مؤسس أول قسم هندسة نووية في الأردن، وقد قام خلال السنوات الماضية بتخطيط وبناء العديد من المشاريع والمرافق النووية.
أما لبنى حامد توفيق تهتموني، فهي عالمة أردنية من اربد في مجال علم الأحياء النمائي ولها أبحاث في السرطان. ترأس قسم الأحياء والتكنولوجيا الحيوية في الجامعة الهاشمية.ويعد الدكتور زيد الكيلاني مؤسس الجمعية الأردنية للخصوبة والوراثة الذي طور جهاز طبي لنقل الأجنة الصعبة، يصنع في شركة ستورز بألمانيا ويسوق للعالم تحت اسم Jordan-Kilani ، وكان اول من ادخل تكنولوجيا الإخصاب المختبر أو أطفال الأنابيب إلى الأردن والشرق الأوسط سنة ١٩٨٣.
علماء الغرب
قدمت الضارة الغربية العديد من العلماء الذين نهضوا بالعلم واكتشفوا اسرار الطبيعة وتوظيف دقائق اسراها في تطوير الكون وخدمة الإنسان، ومن هؤلاء العلماء :
** "السير إسحق نيوتن" من أهم علماء الفيزياء والرياضيات على مر التاريخ، ساهمت أبحاثه ومؤلفاته في الكثير من الإنجازات العلمية. ولعل أهم مساهماته صياغة قوانين الحركة والجذب العام، فضلاً عن قانون الجاذبية.
** "ماري كوري" عالمة في الفيزياء والكيمياء، هي أول امرأة حصلت على جائزة نوبل، كما أنّها الوحيدة التي حصلت على جائزتي نوبل في مجالين مختلفين، في الفيزياء والكيمياء، من خلال أبحاثها وسعيها الحثيث مع زوجها بيير كوري اكتشفت ماري عنصري البولونيوم والراديوم وطورت بعد ذلك استعمال الأشعة السينية.
** "آلبرت أينشتاين" فيزيائي حائز على جائزة نوبل، وأكثر المؤثرين في عالم الفيزياء في القرن العشرين. يعود له الفضل بوضع نظريتي النسبية العامة والخاصة.
** "لويس باستو" هو عالم الاحياء والكيميائي الذي اشتهر باختراع معالجة الأغذية بالبسترة والتي نُسبت تسميتها إليه، ويُطلق عليه والد النظرية الجرثومية، وعُرف أيضًا بتطويره للقاحات لأمراض مثل الجمرة الخبيثة وداء الكلب.
** "جاليليو جاليلي" وهو عالِم فلكى وفيلسوف وفيزيائى إيطالى، واشتهر باختراعه التليسكوب الفلكي . اكتشف 4 أقمار لكوكب المشتري، وسميت هذه الأقمار باسمه تكريمًا له، واخترع البوصلة العسكرية وبعض الأدوات البسيطة الأخرى كالتيرموميتر الهندسي، وكان له إسهامات في مفهوم الحركة النسبي، وكان من أوائل الذين استخدموا البندول في عملية قياس الزمن.
** "نيلز بور" وهو فيزيائي دنماركي، حاز جائزة نوبل في الفيزياء عن أبحاثه حول البنية الذرية، وأسس معهدًا للفيزياء النظرية في كوبنهاغن، تحول لاحقا إلى واحد من أهم المعاهد حول العالم.
** "تيسلا" وهو عالم ومخترع ومهندس حائز على العديد من الأوسمة، اخترع “ملف تسلا” والذي لا يزال يستخدم في تكنولوجيا الراديو حتى اليوم. وهو أول من طور التكنولوجيا التي تستخدم في هواتفنا الذكية.
في الختام، فعلينا ان ندرك ان العلماء سيظلون يغترفون من اسرار العلم ليقدموا لنا كل يوم ما هو جديد ومدهش لاسعادنا وسيظلون ورثة الانبياء في كل زمان ومكان حتي قيام الساعة، فهنيئا لهم بميراثهم، وهنيئا لنا بعلومهم.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
العالمة لطيفة الودغيري تحقق اكتشافًا علميًا وتحصل على إشادة أميركية
أحمد زويل يكشف سر "آخر 20 دقيقة من السلام في حياته"