التدين المصري اللذيذ
آخر تحديث GMT 04:16:48
 فلسطين اليوم -

التدين المصري اللذيذ!

 فلسطين اليوم -

التدين المصري اللذيذ

بقلم: أ. محمد رفعت

المصريون شعب متدين بالفطرة، ولكن الدين عند المصريين ينفصل تماماً عن السلوك وعن العمل، ويختلط ببدع وعادات وأعراف وطقوس منها ما له علاقة بالدين، وما له علاقة بالرغبة المصرية القديمة والعريقة في التباهي والتفاخر، وتحويل ما هو روحي إلى ما هو مظهري ودنيوي وأحياناً سلطوي.. وقد حضرت مؤخراً مناقشة حامية بين مجموعة من أقربائي يتبارى فيها كل واحد منهم بحصر عدد "العمرات – جمع عمرة" التي قام بها للأراضى المقدسة.. وأحدهم قام بـ 27 عُمرة، والثاني بعشرين، وأقلهم قام بعشرة عمرات فقط.. وحين ذكرت لهم الكلام المعتاد عن أفضلية توجيه نقود العمرة المقبلة لعمل الخير أو مساعدة محتاج أو التبرع لمستشفى، هبوا فيّ جميعاً، واتهمونى بأنني عميل للسلطة ومن الأبواق التي تردد هذا الكلام الفارغ وتريد أن تحرم الناس من زيارة الأماكن المقدسة، لتوفير العملة الصعبة، حتى يتمكنوا فيما بعد من سرقتها وتحويلها إلى البنوك السويسرية.

ولأننى ليس لى حساب في أي بنك سويسري، ولا أعرف أحداً في السلطة ، فقد دافعت بشدة عن موقفي، واضطررت تحت الإحساس بالظلم والاستفزاز أن أواجههم بأشياء أخرى، لم أكن أنوي الخوض فيها من أجل اعتبارات القرابة.. لكن البادي أظلم.. ولأننى عشت سنوات في السعودية، اختزنت فيها الكثير من الصور الكاريكاتيرية عن سلوكيات المصريين في الأراضي المقدسة، فقد أحببت أن أطلعهم على بعض ما رأيت من مواقف تدخل في نطاق المضحكات المبكيات..

وحكيت لهم أننى تدخلت ذات مرة لفض خناقة بين معتمرين مصريين أمام الحرم بسبب "بطانية" مورا إسبانى، أصر الأول أن "ينكت" المملكة مدينة مدينة وشارع شارع حتى يعثر عليها، وأراد الثانى إقناعه بأن البطانيات الكوري، خصوصاً التسعة كيلو أفضل وأرخص.. لكن هيهات..وسألت أقربائي المعتمرين المتنافسين عن السر في إصرارنا كمصريين على اصطحاب "البطانيات" من السعودية، رغم شهرتنا العالمية بصناعة الغزل والنسيج، ثم تذكرت أن "الألحفة" الماليزي والكوري والصيني المحشوة بالإسفنج هي الموضة في السنوات الأخيرة فبلعت لسانى وسكت قليلاً، لأعاود الهجوم بنفس المنطق، وهو هذا الهوس المصري بشراء ملابس وبطاطين وفساتين وسبح وطواقي شبيكة وسجاجيد صلاة، وأحياناً مكانس وكاميرات فيديو وموبايلات.

وقل ما تشاء عما يحمله المعتمر خلال عودته من الأراضي المقدسة لأهله وأصدقائه ولنفسه بالطبع، لدرجة أن الأمر تحول عند البعض إلى تجارة، وبعد بوار المنطقة الحرة في بورسعيد، أصبح البعض يتسوق بضائعه في موسم العمرة.. وحتى يكون كلامى مقنعاً ذكرت لهم أسماء يعرفونها جيداً لجيران ومعارف لنا يسافرون سنوياً لهذا الغرض، للتجارة وليس لأداء الفريضة وكان هذا هو مربط الفرس، الجهل يا عزيزي، والتدين المصرى اللذيذ، فأنا أعرف بعض الناس يؤدون العمرة كل سنة ولا يصلون ورأيت بنفسي آخرين يتبادلون الأحاديث التافهة وهم يسعون بين الصفا والمروة، وكثير منهم لا يعرف مغزى المناسك، أو لماذا يفعل ذلك؟ ولماذا يقول ذاك؟ وما هي الحكمة الدينية من أداء تلك الطقوس؟

أما حجة التدين بالفطرة والإيمان الذي هو في القلب، والنوايا التي هي أفضل من العلم، فلا محل لها من الإعراب في عصر الراديو والتليفزيون ودروس المساجد وأشرطة الكاسيت، التي تشرح لمن يهتم أو يريد أن يكون متديناً حقيقياً، أو يعرف أبسط وأهم قواعد أداء مناسك الحج أو العمرة، لكن الحقيقة غير ذلك، وليست هناك إحصاءات دقيقة أو دراسات مفصلة عن نسبة من يولون وجههم شطر المسجد الحرام بالفعل وينوون أداء فريضة الله، ولا يريدون التجارة أو التظاهر أو التقليد، أو شراء الهدايا، أو إنفاق بعض المال، أو "الفسحة"، لكنهم بالتأكيد نسبة ليست قليلة، وهؤلاء يجب أن يتحدث إليهم أحد، وأن يقول لهم إن العبرة ليست بعدد "العمرات"، ولكن بما يتقبل الله منها!.

 

palestinetoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التدين المصري اللذيذ التدين المصري اللذيذ



GMT 09:46 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

"أديب ذو سجون " للكاتب المغربي عبده حقي

GMT 15:02 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

تدريس مادة التربية الإسلامية والمسيحية بالأمازيغية

GMT 04:01 2019 السبت ,04 أيار / مايو

شبكات الانفصال الاجتماعي

GMT 06:25 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تأثير الحضارة السورية في الحضارة المصرية

GMT 19:13 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 14:21 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

الحُرّيّة

GMT 17:34 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

​عبدالرحمن الأبنودي شاعر الغلابة

GMT 13:04 2018 الأربعاء ,18 إبريل / نيسان

الموت كتكتيك أيدولوجيّ

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 03:11 2015 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحقيبة الصغيرة مكملة لإطلالة المرأة الجميلة في سهرات 2016

GMT 10:00 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

أسباب غير متوقّعة تؤدّي إلى تأخّر الإنجاب

GMT 12:10 2019 الإثنين ,21 كانون الثاني / يناير

فيفي عبده تحرص على حضور عزاء الفنان سعيد عبد الغني

GMT 03:33 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

"حماس" تخطط لإعادة فتح معبر رفح والقاهرة لا تعقب
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday