بقلم - حمده خميس
يزورونك ويجلسون معك، أبناؤك وبناتك وأقرباؤك وأصدقاؤك. كل هؤلاء الذين تشتاق إليهم وتنتظر زيارتهم عبر الساعات والأيام. فيأتون سواء فرادى أو بضعة أفراد منهم، خلال الإجازات الأسبوعية أو بما يناسب وضعهم لزيارتك مصادفة، حسب شوقهم إليك. وأنت تضج بالفرح والسرور والسعادة حين تراهم يطرقون بابك، أو يخبرونك مسبقاً عبر رنين التلفون، بأنهم سيزورونك اليوم أو غداً. ولأنك تشعر بالسعادة والفرح لزيارتهم الموعودة، تنهض بإعداد الطعام أو ترتيب غرفة الاستقبال، وغرفة المطبخ التي سيتناولون فيها أشهى ما أعددته لهم من طعام أو مقبلات تعتقد إنها ستعجبهم. يأتون إذن، وتستقبلهم بالحب والشوق والترحاب. وحين يجلسون على المقاعد. تسألهم ماذا يرغبون شاي أم قهوة أو عصير طبيعي صحي كنت قد أعددته لهم. لكنك تفاجأ بأن كل واحد منهم قد أخرج موبايله وانشغل به. حتى إنك تعاود السؤال مرة ومرة، فلا ينتبهون. وقد لا يسمعونك لأنهم قد وضعوا السماعات على آذانهم، وبقوا في حالة انشغال كلي بالتواصل مع شبكات التواصل الاجتماعي عبر التلفونات والمواقع العديدة لهذه الشبكة.
تذهب أنت إلى المطبخ وتعد الشاي والقهوة وتضعها على الطاولة أمامهم. لكن الوقت يمر ولا أحد يمد يده لتناول الشاي أو القهوة، لأن أصابعهم مشغولة بالضغط على مفاتيح الموبايل. تبرد القهوة والشاي فتعيدها إلى المطبخ. تجلس محبطاً وقد انطفأت فرحة لقائك بهم. تحدق فيهم واحداً واحداً وتود أن تسألهم عن أخبارهم، لكن لا أحد يستمع إليك، فتكرر السؤال بصوت عالٍ، فينتبه أحدهم ويرفع رأسه ويبتسم بحرج، ويهز رأسه قائلا: الحمد لله أنا بخير. ثم يعاود الانحناء على الموبايل.
تصمت أنت وتجلس غريباً ومنعزلًا. ثم تذهب إلى المطبخ لتجهز طاولة الطعام، وترص فوقها الصحون والملاعق وقدور الطعام. ثم تذهب إليهم وتقول إن الطعام جاهز في انتظارهم. لكن لا أحد ينتبه لقولك. فتصمت وتحدق فيهم وهم منشغلون بالتواصل على شبكة التواصل الاجتماعي. يمر الوقت، فتعاود إبلاغهم بأن الطعام سوف يبرد إذا لم ينهضوا الآن لتناوله. ثم تكرر سؤالك بلهجة تنطوي على شيء من المزح والسخرية: ألا تشعرون بالجوع بعد كل هذا الوقت على شبكات التواصل الاجتماعي؟ الطعام سوف يبرد ولن أعيد تسخينه لكم! ينتبه البعض وينهضون محرجين ويذهبون إلى غرفة الطعام. وحين يجلس كل واحد منهم أمام صحن طعامه، يضع الموبايل أمامه ويبدأ تناول طعامه محدقاً في الموبايل! ثم يغادرونك دون معرفتك بأحوالهم ولا بمعرفتهم بأحوالك!