الرئيس الإيراني حسن روحاني

استباقا للعقوبات الأمريكية، بدأ المستثمرون الأجانب في تصفية أنشطتهم في إيران، حيث توالى انسحاب الشركات الأوروبية وفي مقدمتها الشركات الفرنسية وأعلنت مجموعة "سي إم أيه سي جي إم" الفرنسية، الثالثة في العالم للشحن البحري، أمس قرارا بالانسحاب من إيران بسبب العقوبات الأمريكية التي أعلن الرئيس دونالد ترامب في أيار (مايو) الماضي، إعادة فرضها على هذا البلد.

ونقلت "الفرنسية" عن رودولف سعادة رئيس مجلس إدارة الشركة خلال "الملتقى الاقتصادي" في إيكس آن بروفانس بجنوب شرق فرنسا قوله: "بسبب إدارة ترمب، قررنا وضع حد لخدماتنا في إيران". وأضاف "منافسينا الصينيين يترددون قليلا، فهم يقيمون ربما علاقات مختلفة مع إدارة ترمب".

وكانت الشركة الفرنسية وقعت عام 2016 بروتوكول اتفاق مع شركة "خطوط الشحن البحري الإيرانية" لتبادل أو استئجار مساحات على السفن واستخدام الخطوط البحرية المشتركة والتعاون في استخدام المرافئ.

من جهة أخرى، وبعدما أعلن رئيس مجلس إدارة مجموعة "توتال" النفطية باتريك بويانيه في السابق انسحابه من مشروع ضخم لتطوير المرحلة 11 من حقل فارس الجنوبي للغاز في إيران لعدم حصول الشركة على إعفاء من العقوبات الأمريكية، أكد ردا على أسئلة "آر تي إل" على هامش الملتقى الاقتصادي أنه ليس لديه أي "خيار" آخر.

وأضاف "لا يمكن إدارة مجموعة دولية في 130 بلدا من دون الوصول إلى الأوساط المالية الأمريكية. وبالتالي، فإن القانون الأمريكي ينطبق فعليا وعلينا أن نغادر إيران" وكشف أن توتال خسرت "40 مليون دولار" بسبب تخليها عن المشروع في إيران، لافتا إلى أن "هذا ليس بالكثير بحسب معيار توتال التي تستثمر سنويا 15 مليار دولار".

وكان ترمب أعلن مطلع أيار (مايو) الماضي، سحب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015 وإعادة فرض العقوبات على إيران وعلى كل الشركات المتعاملة معها وعلى إثر ذلك، بدأ المستثمرون الأجانب يخرجون من إيران وبينهم شركة "بيجو" الفرنسية للسيارات وشركة "ميرسك تانكرز" الدنماركية لناقلات النفط.

ووفقا لـ"رويترز"، يمثل إعلان مجموعة "سي إم أيه سي جي إم" خروجها من الاتفاقات مع إيران ضربة لجهود طهران لإقناع البلدان الأوروبية بمنحها مزايا اقتصادية عوضا عن العقوبات الأمريكية الجديدة وأمس الأول طلبت طهران من وزراء خارجية خمس دول موقعة على الاتفاق النووي الإيراني، هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا، المساعدة لتجاوز العقوبات الأمريكية عبر حزمة إجراءات اقتصادية.

وقال روحاني على موقعه الإلكتروني الرسمي أمس، "الدول الأوروبية لديها الإرادة السياسية للإبقاء على العلاقات الاقتصادية مع إيران اعتمادا على الاتفاق النووي لكنها بحاجة إلى اتخاذ إجراءات عملية خلال الإطار الزمني" وقالت (سي.إم.إيه سي.جي.إم)، التي تقول الأمم المتحدة إنها‭‭ ‬‬تدير ثالث أكبر أسطول شحن في العالم وتستحوذ على ما يزيد على 11 في المائة من طاقة الشحن العالمية، إنها ستوقف خدماتها في إيران لأنها لا ترغب في الوقوع بمخالفات على اعتبار أن لها نشاطا كبيرا في الولايات المتحدة.

وتحت وطأة العقوبات الأمريكية المنتظرة، وشعورها بخسارة كل شيء وقرب انهيار نظامها، لم تجد إيران بدا إلا أن تلوح بوقف تصدير النفط عبر مضيق هرمز، لكن محاولاتها باءت بالفشل مع تهديد أمريكا طهران من تنفيذ الأمر، وانتقاد الصين لسياستها وقالت القيادة المركزية الأمريكية إن البحرية الأمريكية مستعدة لضمان حرية الملاحة وتدفق حركة التجارة عبر مضيق هرمز.

كما طالب دبلوماسي صيني كبير، إيران ببذل مزيد من الجهد لضمان الاستقرار في الشرق الأوسط والانسجام مع جيرانها، وفقا لـ"رويترز" والسعودية والعراق والكويت بين أهم موردي النفط للصين، وبالتالي فإن أي إغلاق للمضيق ستكون له عواقب وخيمة على اقتصادها وهددت إيران بمنع مرور شحنات النفط من دول الخليج إذا حاولت واشنطن وقف الصادرات الإيرانية.

ويمر في مضيق هرمز ثلث صادرات العالم من النفط التي تنقل عبر البحار يوميا، وهو يربط الدول المنتجة للخام في الشرق الأوسط بالأسواق الرئيسة في مناطق آسيا والمحيط الهادي وأوروبا وأمريكا الشمالية وغيرها.

ولدى سؤاله عن التهديد الإيراني بغلق المضيق قال مساعد وزير الخارجية الياباني تشين شياو دونج إن الصين أجرت اتصالات وثيقة بالدول العربية بشأن السلام في الشرق الأوسط وأضاف "تعتقد الصين أن على الدولة المعنية بذل مزيد من الجهد للإسهام في السلام والاستقرار بالمنطقة والمشاركة في حماية السلام والاستقرار هناك. خاصة أنها دولة تطل على الخليج لذا عليها أن تكرس نفسها لتكون جارة صالحة وأن تتعايش سلميا. وستواصل الصين لعب دورها الإيجابي والبناء".

وقال تشين "ندعو جميع الأطراف إلى أن تصل إلى حل وسط وأن تضع مخاوف بعضها بعضا في الاعتبار وأن تجد سبيلا لتخفيف حدة المشكلة عن طريق الحوار" وأكدت ثلاثة مصادر مطلعة لـ"رويترز"، أن كوريا الجنوبية لن تحصل على أي نفط أو مكثفات إيرانية في تموز (يوليو) الجاري، لتكون بذلك قد علقت جميع الشحنات لأول مرة في ست سنوات وسط ضغط أمريكي لوقف جميع الواردات من النفط الإيراني اعتبارا من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

ويأتي تحرك كوريا الجنوبية، وهي من أكبر زبائن إيران الرئيسين في آسيا إلى جانب الصين واليابان، في الوقت الذي تخوض فيه سيئول محادثات للحصول على استثناء من القيود الأمريكية على شراء النفط الإيراني على نحو مماثل للإعفاء الذي حصلت عليه خلال جولة العقوبات السابقة.

وقال مصدر مطلع على ترتيبات الشحن الإيرانية "الحكومة الكورية الجنوبية مارست ضغوطا لوقف المشتريات"، مضيفا أن سيئول لن تحصل على أي نفط من إيران اعتبارا من تحميل تموز (يوليو) الجاري وقال مصدران آخران إن كوريا الجنوبية ألغت تحميلات تموز (يوليو) لشحنات النفط الخام والمكثفات من إيران، وإن من غير المؤكد ما إذا كانت ستحصل على إعفاء من العقوبات الأمريكية على التجارة مع إيران.

ويعني الإلغاء أن كوريا الجنوبية لن تستورد نفطا إيرانيا في آب (أغسطس) المقبل، بما يمثل أول شهر تنخفض فيه الواردات إلى الصفر منذ آب (أغسطس) 2012 حين علق مشترون من كوريا الجنوبية مشتريات نفط إيرانية قبل الحصول على استثناء لاستيراد كميات محدودة من الخام الإيراني.

وكانت الولايات المتحدة قد قالت في أيار (مايو) الماضي، إنها منسحبة من اتفاق دولي بشأن برنامج إيران النووي. وفي أواخر حزيران (يونيو) الماضي، طالبت حلفاءها بوقف جميع واردات النفط الإيراني اعتبارا من تشرين الثاني (نوفمبر) وقالت إن من المستبعد منح استثناءات.

وخفضت شركات التكرير الكورية الجنوبية منذ ذلك الحين مشترياتها من النفط الإيراني وتحولت إلى مصادر بديلة مثل الخام الأمريكي والإفريقي، بسبب ارتفاع أسعار خامات الشرق الأوسط وعدم اليقين بشأن التجارة مع إيران.

ومشترو النفط والمكثفات الإيرانية من كوريا الجنوبية هم إس.كيه إنرجي وإس.كيه إنتشون بتروكيميكال المملوكة لإس.كيه إنوفيشن وهيونداي أويل بنك وهانوا توتال بتروكيميكال وقال المصدر المطلع على ترتيبات الشحن "مشترون يابانيون أيضا يختارون شحنات لآب (أغسطس)، على الرغم من عدم السماح لهم بشراء خام إضافي بخلاف الكميات المتفق عليها بعقود محددة الأجل".

وكان رئيس جمعية البترول اليابانية قد قال الشهر الماضي إن شركات التكرير اليابانية قد تضطر إلى التوقف عن تحميل النفط الخام الإيراني اعتبارا من الأول من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، إذا لم تحصل الحكومة على إعفاء آخر من العقوبات الأمريكية على إيران.

وينتظر أن تواجه نحو 160 شركة أوروبية عاملة في إيران عقوبات أمريكية قاسية في حال استمرار تعاونها في تنفيذ مشاريع استثمارية مختلفة في البلاد.

يأتي ذلك في اقتراب فرض الولايات المتحدة عقوبات على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران، التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بـ"المكان المختلف" عن العالم.

ووفقا لتقرير إحصائي صادر عن الاتحاد الأوروبي - اطلعت "الاقتصادية" عليه - فإن الـ 160 شركة تمثل 17 دولة أوروبية، حيث تعمل 38 شركة فرنسية في إيران، وألمانيا 35 وإيطاليا 21 وبريطانيا 16 وسويسرا ثماني شركات وإسبانيا سبع شركات وكل من الدنمارك والنرويج وتشيكيا ست شركات، وهولندا خمس والسويد أربع وكل من النمسا وفنلندا شركتان بينما لدى مقدونيا وبولندا ورومانيا وقبرص لديهم شركة واحدة فقط تعمل على أرض إيران.

وتقول وسائل إعلام غربية إن بعض الشركات اختارت ترك السوق الإيرانية امتثالا لتحذيرات الولايات المتحدة ولتجنب مواجهة العقوبات، خاصة على الصعيد الآسيوي، حيث توجد شركات هندسية يابانية وكورية جنوبية أعلنت رسميا الابتعاد عن إيران اقتصاديا، بل وصلت إلى مرحلة أنها رفضت إبرام صفقات لاستيراد النفط من طهران، إلا أن البعض الآخر لم يقرر بعد ما يجب القيام به، وربما ينتظر الاتحاد الأوروبي لإيجاد طريقة لتجاوز قيود واشنطن.

أما على صعيد الشركات الألمانية العاملة في إيران فقد وقعت شركة دايملر اتفاقية مبدئية مع شركة إيران خودرو، أكبر شركة لصناعة السيارات في البلاد.
وكانت دايملر تعتقد أنها تستطيع بيع ما يصل إلى 40 ألف شاحنة في العام. كما تعمل شركة فولكسفاجن مع شركة سيارات محلية لبيع سياراتها في إيران.
بينما وقعت شركة سيمنز مذكرة تفاهم مع إيران لإجراء محادثات حول تحسين البنية التحتية في قطاع السكك الحديدية. ووقعت شركة Wintershall التابعة لشركة BASF مذكرة تفاهم مع شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC) لتنفيذ دراسات حول أربعة حقول نفطية في غرب إيران.

وعلى صعيد الشركات الإيطالية فقد وقعت شركة سايبم، وهي شركة تابعة لشركة النفط والغاز الإيطالية العملاقة "إيني"، مذكرة تفاهم مع شركة النفط والغاز الإيرانية يمكن أن تصل قيمتها من أربعة إلى خمسة مليارات دولار. وأبرمت شركة دانييلي اتفاقا بقيمة ستة مليارات دولار لتوريد الآلات الثقيلة. كما كانت تتطلع شركة فيات-كرايسلر إلى الانضمام إلى سوق السيارات الإيرانية.

وكانت تطمح شركة فيروفي ديلو ستاتو انتزاع عقد لوضع خطوط السكك الحديدية عالية السرعة في إيران، وهي صفقة يتوقع أن تصل قيمتها إلى ثلاثة مليارات يورو وأبرمت شركة Enel صفقة مع شركة تصدير الغاز الإيرانية الوطنية للتعاون في مجال الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال والبنية التحتية ذات الصلة. كما تستطيع إيني الآن استيراد النفط من إيران.

ومن جانب الشركات البريطانية أجرت شركة النفط الوطنية الإيرانية أيضا محادثات مع شركة شل التي مقرها في المملكة المتحدة "لتوريد النفط من إيران إلى مصافي شركة شل في جنوب إفريقيا. كما أجرت إيران أيضا محادثات مع شركة البترول البريطانية.

ومن أبرز الشركات الأوروبية التي تعمل في إيران أيرباص، وشركة البترول البريطانية، ودايملر، ودانييلي، واينل، وايني، وفيات كرايسلر، وشركة ميرسك، ونوفو نورديسك، وبيجو سيتروين، ورينو، وشركة سايبم، وشل، وسيمنز، وفولكسفاجن.