تونس - قنا
يتخرجون من الجامعات ويكتشفون بعد ذلك أن دراستهم لا تؤهلهم لمتطلبات سوق العمل. في تونس تم إطلاق مبادرة للاستفادة من التجربة الألمانية في هذا المجال من خلال توافق التعليم وبرامج إعادة التأهيل المهني مع احتياجات السوق.
في قلب العاصمة تونس وغير بعيد عن مختلف الإدارات والمصالح، قامت الحجرة (الغرفة) التجارية التونسية الألمانية (AHK) ببعث فضاء لتوجيه وإعادة التأهيل المهني للشباب للاندماج في سوق الشغل بتمويل من مؤسسة التعاون الألماني (GIZ). وقد افتتحت الحجرة مركزها في سبتمبر الماضي وسط دعم وترحيب رسمي.
ويؤم مركز التوجيه وإعادة التأهيل المهني شباب عاطل من العمل يبحثون عن فرص وآفاق جديدة. ويلقى الشباب الإصغاء والتوجيه من قبل مستشاري التشغيل لإعدادهم للاندماج في سوق العمل، إذ يضع خبراء المركز حرفيتهم في خدمتهم عبر محادثات مطولة وتقييم علمي لخبراتهم وصقل لمهاراتهم بما يتماشى وحاجيات سوق العمل وشروط المؤسسات المشغلة. وإضافة إلى التوجيه يعمل مستشارو التشغيل بالمركز على تخصيص أوقات للتكوين في مجال مهارات العمل من تقنيات إجراء محادثات التوظيف إلى التصرف الاجتماعي داخل فضاء العمل. والهدف من ذلك يقول السيد يوسف فنيرة، مدير المركز في عربية "الرفع من تشغيلية خريجي التعليم العالي، الذين يجدون صعوبة للاندماج في سوق الشغل".
ويقوم المركز في مجال التوجيه المهني للشباب بحوالي 60 عملية أسبوعيا. وتلقى جهوده "الدعم والتشجيع من قبل السلطة والهياكل المهنية المختصة" كما يلقى "تجاوبا وتفاعلا كبيرا من قبل الشباب العاطل عن العمل الذي يتواصل معه عبر شبكات التواصل الاجتماعي وموقع الواب المخصص لذلك"، كما يقول مدير المركز.
ويحرص القائمون على المركز أن يقدموه على أنه مبادرة لتعزيز التعاون بين ألمانيا وتونس يعمل على الاستفادة من الخبرة الألمانية في مجال التكوين المهني. ويؤكدون أنه لا يعوض مجهود الدولة التونسية في مجال استقبال وتوجيه طالبي الشغل من قبل مكاتب التشغيل المنتشرة في أغلب المناطق بل يحاول أن "يقدم دعما مختصا برؤية مختلفة وبأدوات جديدة نابعة من تراكم خبرة غرفة التجارة الألمانية في مجال التأهيل المهني"، كما يؤكد يوسف فنيرة.
التأهيل وإعادة بناء المسار المهني
ولا يقدم المركز التوجيه والاستشارة فقط بل يعمل على التأهيل المهني لخريجي التعليم العالي الذين يجدون صعوبات اندماج في سوق العمل والذين يمثلون حوالي ثلث طالبي العمل في البلاد. ويقول يوسف فنيرة "لقد عملنا منذ الثورة على مسألة التشغيل وتعرفنا على مكامن القوة والضعف في سوق العمل التونسية. وقد تبين من مختلف الزيارات، التي قام بها خبراء الحجرة التونسية الألمانية لمختلف الجهات انعدام الأفق المهني لخريجي بعض الاختصاصات الأدبية والعلمية وحاجة المؤسسات الصناعية لنوع من المهن غير المتوفرة في سوق الشغل".
وانطلاقا من دراسة واقع سوق العمل "ولدت فكرة تأهيل خريجي التعليم العالي بعد أن تأكد خبراء الحجرة من أن ما ينقص هو ملائمة مهارات العاطلين مع الفرص المتوفرة في سوق العمل" يؤكد فنيرة. وقد اختار المركز ثلاث مهن للتكوين فيها وهي "مندوب تجاري" و"مسؤول منتج" و"معلم ابتدائي"، وهي اختصاصات مطلوبة في سوق العمل التونسي.
وقد أولت هذه المبادرة أهمية للتكوين في مجال قطاع النسيج نظرا لأهميته باعتباره يشغل عشرات الآلاف في تونس ويساهم بقدر كبير في التصدير. ولإنجاح برنامج التأهيل في اختصاص "مسؤول منتج" تم على مستوى المركز وانطلاقا من التجربة الألمانية الثرية في مجال التكوين تحديد خصائص هذه الوظيفة ووضع معايير اختيار المرشحين ثم نشر طلب التكوين وإعادة التأهيل.
وقد تواصل المركز مع حوالي 300 طلب ليتم اختيار 120 منها لإجراء محادثات مع خبراء المركز. وبعد عملية تقييم ثانية وقع تحديد 30 مرشحا تم التواصل بشأنهم مع المؤسسات الراغبة في التوظيف لاختيار المرشح الأنسب لهم. وبالتوازي مع ذلك تم العمل مع المؤسسات الاقتصادية الشريكة في المبادرة على وضع ميثاق عمل مع الحجرة التونسية الألمانية، وهو التزام أخلاقي من المشغل بعدم استغلال الشباب المتخرج واحترام قوانين العمل.
وتدوم مرحلة التكوين في إطار هذا البرنامج شهرين باعتماد أحدث الطرق العلمية على غرار الطريقة الألمانية بالتداول بين المركز والمؤسسات الاقتصادية الشريكة في البرنامج.
ويعج المركز بالشباب الطامح للعمل، ففضاء التكوين الذي يحتويه المركز لا يكاد يخلو من النشاط. التقينا بإحدى قاعات الدرس مع أحمد الصحرواي، 30 سنة مهندس في الإلكترونيات، الذي يتابع تكوينا في مهنة "مسؤول منتج" مع ثلة من الشباب. ويقول أحمد في تصريح لـ عربية "ترشحت للتكوين في هذه المهنة، وبعد سلسلة من المحادثات تم اختياري للمشاركة في هذه الدورة التكوينية. وقد وجدت هنا الدعم والتوجيه، كما وجدت طرقا جديدة للتحفيز وصقل المهارات." وحول التكوين المقدم للشباب العاطل من العمل في هذا الاختصاص يشير أحمد إلى أنه يرتكز حول "المهارات الأساسية للنجاح في العمل، أما الجزء الثاني، فيهتم بتقنيات منتجات النسيج".
تعاون مع الهياكل المختصة في التشغيل
ويعمل مركز التوجيه وإعادة التأهيل المهني في إطار شراكة مع محيطه الاقتصادي وتعاون مع الهياكل التونسية المختصة في مجال التشغيل. فقد نظم المركز بجهة الساحل وبشراكة مع مكتب تشغيل الإطارات بالجهة دورة تكوينية تم خلالها إعادة تأهيل عدد من الشباب للعمل بالمدارس الابتدائية الخاصة بالمنطقة. وحول هذه العملية يقول بلقاسم الصخري، رئيس مكتب تشغيل الإطارات بسوسة في تصريح لـ عربية، "لقد قمنا بتكوين 27 من خريجي التعليم العالي وتم توظيف 24 منهم بالمدارس الخاصة، وقد لقيت هذه التجربة القبول والتشجيع من قبل أصحاب المدارس الخاصة ومن الشباب". وقد مكن هذا التعاون من تكوين المعلمين في مجلات علوم التربية وعلم نفس الطفل إلى جانب مختلف المهارات التي يحتاجونها في العمل. ويقول الصخري إن "هذا المشروع لو يقع تعميمه، فسيساهم بشكل كبير في حل معضلة البطالة ولكن يبقى الحل الأمثل ليس إعادة التأهيل المهني بل ملائمة التكوين الجامعي مع طلبات المؤسسات الاقتصادية وحاجيات السوق".