ابوظبي ـ قنا
شهدت الفترة التي تلت الأزمة المالية العالمية, نموا ملحوظا لنشاط الصيرفة الإسلامية حيث قدر إجمالي أصول المصارف الإسلامية على مستوى العالم بنحو1.5 تريليون دولار بمعدل نمو مركب يقرب من17 في المائة خلال تلك الفترة بما يعكس اهتماما عالميا واسع النطاق بفرص التمويل المصرفي الإسلامي. وأوضحت دراسة أعدها صندوق النقد العربي حول"انعكاسات تنامي صناعة الصيرفة الإسلامية على إدارة السياسة النقدية في الدول العربية" التي تأتي في اطار الجهود التي يبذلها الصندوق لدعم متخذي القرار في البلدان العربية - أن نطاق انتشار نشاط هذه الصناعة لم يقتصر فقط على الدول الإسلامية وإنما اتسع ليشمل عددا من الدول الأخرى خاصة تلك التي تمثل مراكز مرموقة للأنشطة المالية العالمية من بينها على سبيل المثال المملكة المتحدة.
ولفتت الدراسة الى ان المصارف الإسلامية أصبحت تحوز على جزء لا يستهان به من مستويات السيولة في عدد من دول العالم مما يتطلب من المصارف المركزية استمرار مواكبة هذا التطور السريع والمتلاحق وتطوير أدوات السياسة النقدية بما يتلاءم مع تنامي أنشطة هذه الصناعة. ويعتبر قطاع المصارف الإسلامية في عدد من الدول العربية ذا أهمية نظامية سواء على المستوى المحلي أو العالمي بما يجعل أنشطة مؤسساته تؤثر بشكل كبير على نشاط القطاع المصرفي في هذه الدول لا سيما دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حيث تعد المصارف الإسلامية ذات أهمية نظامية في ست دول عربية وهي السودان والسعودية والكويت واليمن وقطر والإمارات و تشكل حصة المصارف الإسلامية في هذه الدول ما لا يقل عن 15 في المائة من مجمل الأصول المصرفية. ويأتي السودان - الذي يتبني نظاما مصرفيا إسلاميا شاملا - على رأس هذه الدول بأهمية نسبية لأصول الصيرفة الإسلامية تبلغ 100 في المائة يليه السعودية التي تشكل أصول المصارف الاسلامية بها نحو51 في المائة من إجمالي الأصول المصرفية في المملكة .
فيما تسيطر أكبر مؤسسة مصرفية إسلامية بها على نسبة15 في المائة من مجمل حجم السوق المصرفية, يليها الكويت بحصة38 في المائة واليمن27 في المائة وقطر 25 في المائة والامارات18.6 في المائة.. كذلك تقترب دولتان عربيتان من أن تصبح مصارفهما الإسلامية ذات أهمية نظامية في الأجل المتوسط وهما البحرين والأردن. وتعد صناعة الصيرفة الإسلامية في كل من السعودية والإمارات ذات أهمية نظامية عالمية حيث تمثل أصول المصارف الإسلامية بهما نحو19 و7 في المائة على التوالي من أصول الصناعة على مستوى العالم. وخلصت الدراسة إلى بعض التوصيات التي من شأنها دعم صناعة الصيرفة الإسلامية في الدول العربية وتعزيز قدرة المصارف المركزية على إدارة السياسة النقدية لاسيما في البلدان العربية التي تشهد تناميا ملحوظا لنشاط الصيرفة الإسلامية ومن بينها تقوية الأطر الرقابية الحاكمة لإصدار الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية من خلال تأسيس مجالس موحدة للرقابة الشرعية معنية بتنظيم تعاملات المصارف الإسلامية وإقرار أدوات السياسة النقدية الملائمة إلى جانب المساهمة والاستفادة من الجهود الدولية التي تستهدف تحقيق قدرا أكبر من التقارب والتنسيق ما بين كافة الجهات الرقابية المهتمة بوضع المعايير التي تنظم العمل المصرفي الإسلامي فضلا عن الاهتمام ببناء الكوادر البشرية العاملة في مجال الصيرفة الإسلامية في الدول العربية ودعم الكوادر البشرية العاملة في المصارف المركزية بما يساعد على التطوير المستمر لأدوات السياسة النقدية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. كما أوصت الدراسة بالعمل على تطوير محفظة ملائمة من الأوراق المالية الحكومية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية عالية السيولة بآجال مختلفة وجداول إصدار منتظمة بما يساعد المصارف المركزية العربية على تطوير أدوات السياسة النقدية ويمكن المصارف الإسلامية من إدارة حساباتها المصرفية بكفاءة ومن الوفاء بمعايير السيولة في إطار متطلبات بازل فضلا عن تشجيع إنشاء أسواق لتعاملات ما بين المصارف الإسلامية "انتربنك إسلامي " خاصة في الدول العربية التي يتواجد فيها عدد لا بأس به من المصارف الإسلامية التي تستأثر بحجم مهم من السيولة المصرفية وتنشيط أسواق التداول الثانوية للأوراق المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. كما أوصت الدراسة بربط برامج إصدار الأوراق المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في الدول العربية بالخطط الحكومية لتمويل المشروعات لا سيما في البلدان التي تعاني من وجود فجوات تمويلية ضخمة إلى جانب تطوير التشريعات المصرفية بما يراعي متطلبات المصارف الإسلامية وفي بعض الأحيان وإن لزم الأمر دراسة وجود أطر تشريعية ورقابية منفصلة تنظم عمل المصارف الإسلامية بما يوفر فرص لدعم نمو وتطور أنشطة هذه الصناعة بالشكل المأمول.