طوكيو - فلسطين اليوم
في مسعاها إلى انتزاع الصدارة من الولايات المتحدة في حقول اقتصادية وصناعية وتكنولوجية، حاولت الصين وعلى مدى العقدين الماضيين زيادة الإنفاق على جامعاتها لمنافسة نظيراتها الأميركية، وعمد الصينيون أيضاً إلى إغداق التمويل على البحوث، والانخراط في سباق مع الأميركيين لرفع مستوى بحوثهم وتحويلها مرجعاً للبحوث الدولية.
وفي هذا المجال تصدرت الولايات المتحدة العالم بواقع ٦٠١٩٩٠ وثيقة بحث لعام ٢٠١٦، بحسب مركز سكيماغو، تلتها الصين بواقع ٤٧١٤٧٢ بحثاً وللمقارنة، حلّت السعودية الأولى عربياً وفي المركز ٣٢ عالمياً بإصدارها ١٩٩١٨ بحثاً في العام ذاته، تلتها إسرائيل في المركز ٣٣ و١٩٦٢٩ بحثاً.
المزيد من الدلالات على تفوق أميركا أكاديمياً، بما لا يقاس على دول العالم، تأتي من جائزة نوبل السنوية المرموقة، والتي يتصدر فيها الأميركيون بفوزهم بـ ٣٦٨ جائزة منذ انطلاق المسابقة عام ١٩٠١، يليهم البريطانيون والألمان والفرنسيون والسويديون والسويسريون، وقد حصد هؤلاء الأوروبيون سوياً ٣٥٧ جائزة نوبل.
التفوق الأكاديمي الأميركي حوّل الولايات المتحدة قبلة طلاب العالم، الذين راحت أرقام توافدهم على الجامعات الأميركية تتصاعد على مدى نصف القرن الماضي، من ٢٥٤٦٤ عام ١٩٤٨، إلى مليون و٧٩ ألفاً العام الماضي، بحسب مركز بحوث «آي آي إي». ويشير هذا المركز إلى أن الطلاب الأجانب يمولون ٦٧ في المئة من تكاليف دراستهم وإقامتهم، ما يعود على الولايات المتحدة بقرابة ٤٠ بليون دولار سنوياً، وهو مبلغ يوازي الناتج المحلي السنوي للأردن.
قصة النجاح الباهر لقطاع الجامعات الأميركية استمرت منذ عقود وحتى وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم مطلع العام الماضي، إذ ساهم الخطاب المتشدد الذي تبناه الرئيس الأميركي ضد غير الأميركيين المقيمين في الولايات المتحدة، وهو خطاب وصل حد التحريض أحياناً، إلى انخفاض في عدد الأجانب المتقدمين للدراسة في جامعات الولايات المتحدة.
وساهم تطرف ترامب أيضاً في الإحجام عن منح تأشيرات إقامة للدراسة أو العمل في الولايات المتحدة في انخفاض عدد المتقدمين للدراسة، ممّن يأملون في أن يلمعوا في حقول دراستهم، ما يفتح أمامهم باب الوظائف الأميركية، وتالياً الهجرة إلى الولايات المتحدة والإقامة فيها والحصول على جنسيتها.
هكذا، دقّت مراكز البحوث المتخصصة بشؤون الثقافة والجامعات ناقوس الخطر، بعدما أظهرت أرقام مركز بحوث «آي آي إي» انخفاضاً في إقبال الطلاب الأجانب على الجامعات الأميركية بواقع ٧ في المئة، مع بدء العام الدراسي الخريف الماضي. وأشار المركز إلى أن ٤٥ في المئة من ٥٠٠ جامعة شملها الإحصاء، أفادت بأنها شهدت تراجعاً في عدد الطلاب الأجانب المنتسبين إليها.
ويعزو الخبراء التدني في عدد الطلاب الأجانب في أميركا إلى عوامل كثيرة، منها إحجام واشنطن عن منح تأشيرات لبعض الدول ذات الغالبية السكانية المسلمة، فضلاً عن تخوف الطلاب المسلمين من حول العالم من ردود فعل محتملة بين الأميركيين، بسبب الخطاب المشحون الذي يبثه الرئيس الأميركي، ويشير مركز بحوث «آي آي إي» إلى انخفاض في عدد الطلاب الآتين من الشرق الأوسط بواقع ٨,٤ في المئة، ليبلغ ٩٢,٤٧٠ طالباً.
وليس متوقعاً أن يعود أرقام الطلاب الشرق أوسطيين إلى الارتفاع، خصوصاً بعد إصدار «مجلس الأمن القومي» الأميركي وثيقة أشارت إلى نية الإدارة الأميركية زيادة التدقيق في خلفيات الطلاب المتقدمين للانتساب إلى الجامعات في الولايات المتحدة، خصوصاً الطلاب الذين ينوون دراسة أي من الاختصاصات المرتبطة في الحقول المعروفة بـ «ستيم»، وهو تلخيص لحقول العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
وتعتبر الحكومة الأميركية هذه الحقول مرتبطة بالأمن القومي للولايات المتحدة، وأن الطلاب الذين يتخصصون بها يمكنهم نقل تقنيات أميركية حساسة إلى دول قد يكون بعضها منافساً لأميركا، ما يتطلب وضع بعض هؤلاء الطلاب تحت المراقبة الحكومية الأمنية.
اختلاط الأمن القومي بالمجال الأكاديمي، أنتج خطاباً سياسياً أميركياً تحريضياً ضد الطلاب الأجانب المنتسبين أو ممن ينوون الانتساب، إلى الجامعات في الولايات المتحدة، وهذا يمكن أن يؤثر بدوره على التنوع في الجسم الطلابي الأميركي، كما يحرم الجامعات الأميركية المرموقة نسبة لا بأس بها من المداخيل التي ترد البلاد من الخارج.
فهل تستمر إدارة الرئيس ترامب بخطابها الذي أدى إلى إحجام عالمي عن الجامعات الأميركية؟ أم تؤدي ضغوط الجامعات الأميركية على الحكومة إلى تراجع الإدارة الأميركية بعض الشيء، وتسهيل توافد الطلاب الأجانب إلى البلاد وإقامتهم وإمكان توظيفهم؟
ويجمع الخبراء على أن في بقاء الطلاب الأجانب المتفوقين في أميركا، تعزيز للإمكانات البشرية المتوافرة في الولايات المتحدة عموماً، على المديين المتوسط والطويل، وهو في مصلحة أميركا والأميركيين، وهو أمر لا يبدو أن الرئيس الأميركي الحالي يعيره الكثير من الاهتمام.