عمان - بترا
يوثق كتاب "عمان في صور الكولونيّة القدس" للباحث المهندس محمد رفيع والصادر حديثا عن امانة عمان الكبرى، لمراحل تطور مدينة عمان في الفترة من 1898 الى 1946 من خلال ارشيف الصور الفوتوغرافية.
ويتضمن الاصدار الذي قدمته أمانة عمّان الكبرى هدية لسمو الأمير الحسن بن طلال بمناسبة عيد ميلاد سموه الثامن والستين، قراءة تاريخية عميقة في تلك المحاولات الاولى للتصوير الفوتوغرافي التي شهدتها بلاد الشام والمنطقة العربية، مبينا ان الصور الاولى لمدينة عمان جاءت بفعل جهود مجموعة من المصورين العرب والاجانب أحدهما غارابيد كريكوريان صاحب استوديو افتُتح بالقدس سنة 1885، وخليل رعد وكان متدرّباً لدى كريكوريان سنة 1890 قبل تأسيس عمله الخاص المستقلّ.
واستهل امين عمان عقل بلتاجي الكتاب بمقدمة اشار فيها الى ان محمد رفيع واصل تقديم النادر والمميز عن عمّان، معتمداً على مجموعة من صور عمّان في النصف الأول من القرن العشرين، متابعاً منجزه المتمثل بوضعه عدداً من المؤلفات عن عمّان سكانياً وعمرانياً، أضاءت جوانب غير مسبوقة من التاريخ الحديث للعاصمة، لافتا الى ان الصور التي يحتويها الكتاب ثرية بمعلومات قيّمة حول عمّان التي يمتد تاريخها لألفيات طويلة في التاريخ، وهي التي نمت وتطورت خلال العقود الأخير، بعدما كانت أشبه بقرية وادعة بسيطة تنام إلى جانب سيل من الماء.
ويبين الكتاب انه في الوقت الذي تمّ فيه إنشاء دائرة التصوير في الكولونية الأميركية، كان العديد من المصورين ومساعدي التصوير وفنيي المختبرات وفنّاني التصوير اليدوي مسؤولين عن إنتاج المنتجات الفوتوغرافية الخاصة بالكولونية، عندما سافر الشبّان القائمون على خدمة التصوير بين عامي 1903 و 1910، في رحلة تصوير عبر الاردن وسوريّة ولبنان ومصر والسودان والهند، وكذلك مخيّمات البدو في فلسطين وشرقيّ الأردن حيث سوّقوا صوراً مجسمة، وصوراً أخرى لشركات السفر.
كما قام مصوّرو الكولونية بدور آخر مهمّ وغير تجاري في المدينة، لكنّه أثبت أن له بُعداً تجارياً إضافياً، فقد قاموا بعملية توثيق مكثفة بالصور حيث كان يتم استئجار رعد وكريكوريان، لتصوير حفلات التخرّج في مدارس المنطقة، وأحداث أخرى تهمّ مجتمع القدس الأوسع.
فقد وثّق الاثنان معا الأثر الذي تركته أنماط المواصلات الجديدة (السيارة) و(الطائرة) في تلك الحقبة، بالإضافة إلى إنجاز الصفقة الجيوسياسية الملحمية، وتوثيقهم لوجود المسؤولين العرب والبدو والبريطانيين في معسكر الأمير عبدالله في عمان بالأردن في شهر نيسان 1921، وكان ضمن أولئك الذين تمّ تصويرهم كلّ من؛ الشيخ ماجد باشا العدوان والشيخ سلطان بن زايد آل نهيان.
وصور مصورو الوكالة في الثلاثينيّات من القرن الماضي بشكل مكثّف في المنطقة، ألبومات أرّخت لسياحة التصوير والتصوير التوثيقيّ، الذي كان يتمّ خلال رحلات مختلفة قام بها باحثون وسيّاح وسياسيون، حيث اشتملت هذه الألبومات على صور لعدد من المناطق في الاردن والضفّة الغربية ولبنان وسوريّة وتركيا.
وانتهت عمليات وكالة التصوير الخاصة بالكولونية الأميركية في القدس سنة 1946، عندما غادر القائمون عليها فلسطين إلى الولايات المتحدة مع تصاعد حالة عدم الاستقرار التي اعقبتها نكبة العام 1948، وغدت أصول وأرشيف الوكالة ضمن مقتنيات مكتبة الكونغرس الأميركي تحت عناوين متفرّقة من بينها الصور الخاصّة بعمّان.
وتبرز صور الكتاب أقدم معالم الحضارات الإنسانية المكتشفة في عمان وضواحيها وما كانت تشهده في تلك الفترة من حراك سياسي واجتماعي واقتصادي ومعماري حيث الافواج الأّولى من المهاجرين الشراكسة الذين سكنوا بين الأبنية الأثرية للمدينة قرب المدرّج الروماني والاماكن المحيطة بالسيل.
وبينت صور الكتاب محطات ومراحل تشييد سكّة الحديد في عمّان ولحظات وصول القطار من دمشق، وظاهرة انتشار الدوابّ العربات كوسيلة للتنقّل، فضلا عن تلك المعالم التاريخية والتجارية والصحية والدينية والتعليمية مثل سبيل الحوريات، ومبنى بلدية العاصمة، والمسجد الحسيني، والمستشفى البلدي، والمستشفى الايطالي، وفندق فيلادلفيا، والكليّة العلميّة الإسلاميّة.
وتمسك هذه الصور الفريدة والنادرة بالذاكرة البصريّة لقرية عمّان ونمط عيشها الريفيّ بشكل وثيق، حيث تمّ ترتيب عرضها زمنيّاً على نحو يُمكّن من متابعة نموّ البلدة العمرانيّ والنتيجة جهد ابداعي للباحث رفيع يشكل اضافة نوعية للمكتبة الاردنية والعربية عموما .