واشنطن - فلسطين اليوم
صدر مؤخرًا كتاب للدكتورة جينيفر كونسيت، طبيبة الأمراض النفسية والعقلية تحت عنوان "الحكمة من أريكة الطبيب النفسي"، يتحدث عن الحسد وكيفية علاجه .. ووصفت الكاتبة مشاعر الحسد بأنها الأسوأ بين المشاعر السلبية الإنسانية على الإطلاق.
وتقول الدكتورة كونسيت "في إعتقادي، أن الحسد هو الأسوأ بين كل الشرور الإنسانية، فمشاعر الحسد تجعلنا ننقلب ضد أنفسنا وضد الآخرين، كما أنه ينزع منا الشعور براحة البال، ويؤجج الشعور بالخجل والعار والشعور بالذنب.. فيعد الحسد في الأساس شعورا سيئا، لأنه يبرز ما ينقصنا ويجعلنا نكره الخير للآخرين.
وأضافت كونسيت بقولها "إن مشاعر الحسد عند الشخص الذي يحسد مشاعر مؤلمة للغاية، لأنها تستند إلى الشعور بالحرمان.
وتقول الطبيبة كونسيت في المقال الذي نشرته في مجلة "سايكولوجي توداي" عن كتابها : "يخلق النظام الرأسمالي الاستهلاكي بداخلنا بذكاء مشاعر الاشتياق للشيء والرغبة الشديدة في الاستحواذ عليها، مما يدفعنا للنظر إلى ما في آيادي الغير لنتخيله أكثر جمالا .. وكما يقول الكاتب المسرحي "إيف إنسلر"،عن هذا النظام الإستهلاكي إنه "يحيرنا بعرض ما يمكن أن يكون لدينا أو ما يمكن أن نكونه في المستقبل، بدلا من القبول بالأشياء الجميلة التي لدينا وما نحن عليه اليوم .. ولذلك فليس من المستغرب، أن يترك الحسد نوع من مشاعر الإكتئاب، والقلق، وتدني احترام الذات، وضعف صورتنا عن أنفسنا، وإبتعادنا عن الصورة المثالية".
وتشدد كونسيت، في كتابها، على أن ما نضمره من شعور بالحسد في الأساس، يفسد شعورنا الجيد عن أنفسنا، ويجعلنا نشعر بأننا لسنا بالكفاءة المطلوبة أو غير مناسبين. كما يجعلنا نشعر بالصغر وأنه لا قيمة لنا .. وتضيف بقولها :"بالنسبة للنساء، فإنهن يحكمن على أنفسهن من خلال الشخصيات النسائية الشهيرة في المجتمع، ويشعرن بالرغبة لأن يصبح لديهن قواما أفضل، منزلا أجمل، أو شريك حياة أكثر جاذبية، وأموالا أكثر، ونجاحا مهنيا أكبر، وأطفالا أكثر موهبة، والقائمة لا تنتهي".. وتابعت "إن الأمر الأكثر سوءا، أننا نشعر تحت تأثير الحسد، بأننا محاصرون بأولئك الذين يبدو أن لديهم كل شيء فضلا عن السعادة التي نتصور أنها تأتي بديهيا معها. وفي مواجهة ضغط من مثل تلك المقارنات، ما الذي يمكن أن نفعله ؟".
وتشرح الدكتورة كونسيت "لنكون صادقين، فإن معظمنا يسلك الطريق السهل. نحن نحاول أن تصبح فكرتنا عن أنفسنا أفضل من خلال تشويه الآخرين، معربة عن اعتقادها بأن هذا هو السبب الحقيقي لكون الشعور بالحسد قاتل في بعض الأحيان، حيث أن هناك فرقا بين أن نتوق لما ليس لدينا، وبين أن نقوم بمهاجمة الأمور الجيدة عند الآخرين وتشويههم".
وتشير الطبيبة النفسية والعقلية كونسيت، إلى تناول كتابها "الحكمة من آريكة الطبيب النفسي" لقصة عازف الكمان العالمي الشهير "إيزاك بيرلمان" المصاب بشلل الأطفال منذ طفولته، إلا أنه يثابر ويستعين بدعامتين في ساقيه مع الإستعانة بعكازين لتمكن من العزف على خشبة المسرح وتقديم فنه وسط ذهول الجمهور المتعاطف لحالته .. موضحة، أن كثيرا من الناس يعتقدون أن هذه القصة أسطورة لأنه من المستحيل أن يواصل الفنان العزف وتقديم فنه في ظل هذه الصعوبات، إلا أنها شددت على أهمية إدراك المغزى والمعنى وراء هذه القصة المثيرة للإعجاب، فحقيقة القصة هو أن العازف بيرلمان يبين لنا موقفه تجاه الحياة، أكثر مما يبين لنا موقفه تجاه الموسيقى .. لأنه يعلم أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أنه مهما عمل بجهد كبير، لا يمكنه الحصول على كل شيء .. سيكون هناك دائما شيء مفقود، ولكن بيرلمان قرر أن يتخذ موقفا بالرضى بما لديه والشعور بأن ما لديه خير وكاف".
وتختتم "كونسيت" بالقول، "وبالمثل، يمكن أن يكون لهذه القصة تأثير كبيرعلينا، إذا كان لدينا عيون ترى وآذان تسمع، حيث أننا نواجه جميعا محن في الحياة بشكل أو بآخر، بعضها كبير وبعضها صغير .. فنحن جميعا نعرف ما يعنيه أن تنقصنا أشياء معينة، لأن ذلك من شروط الإنسانية، إن الحسد يقول لنا إن شخصا ما، في مكان ما لديه كل شيء، ولكن ذلك غير صحيح .. ذلك هو التحدي الذي يواجهه كل شخص في الحياه أن ينجز أمرا بما لديه ويجعل منه شيئا مفيدا. إن أفضل طريقة للقيام بذلك هو أن نرى الخير، ونكون شكورين".