سلفيت-فلسطين اليوم
يُزينها 99 نبع ماء، فوق تلة جبلية جميلة، تطل من الغرب على عين المطوي، ومن الشرق على عين وادي الشاعر، وسط الضفة الغربية، نشأت مدينة سلفيت، وهناك رأيان مختلفان حول تسميتها، الأول أنها تعني سلة العنب، والثاني أنها سلة الخبز، لكنهما متفقان أنها أرض الزرع والخير والبركة.
أصبحت سلفيت تُعرف حديثا بمحافظة الزيتون، لإنتاجها 10% من إجمالي إنتاج زيت الزيتون في الضفة الغربية، إذ تنتج بحسب إحصاءات وزارة الزراعة حوالي 2000 طن من زيت الزيتون، وتقيم سنويا مهرجان 'الزيتون'، الذي بات تقليدا منذ ثماني سنوات.
ولأن الاحتلال عدو الإنسان والشجر والحجر، فإن مشهد الزرع لا يروق للأفعى الاستيطانية الضخمة 'مستوطنة أرئيل'، فتطلق منها آلاف الخنازير سنويا لتدمر وتخرب المحاصيل الزراعية، البقوليات والحبوب، وأشجار الحمضيات والفاكهة والخضار، وتعتدي على ممتلكات ومنازل المواطنين في سلفيت و19 قرية تتبعها، إذ لا تخلو قرية من شرها.
وقال مدير زراعة سلفيت إبراهيم الحمد لـ'وفا'، إن المحاصيل الحقلية، خاصة القمح والشعير والحمص، هي الأكثر تضررا، وإن نسبة الأضرار في تلك المزروعات وصلت إلى 50%، سواء بشكل كامل أو جزئي، مع عدم وجود إحصاءات دقيقة لحجم الاعتداءات اليومية على المحافظة وقراها، إضافة إلى تخريب ثمار التين والعنب والتوت والزيتون، وإن كان الزيتون هو الأقل تضررا، لكن غرسه الصغير وحديث النمو يتعرض للاقتلاع بشكل كامل من قبل الخنازير.
وأضاف: يتركز نشاط الخنازير في الليل حين تكون الأجواء باردة نسبيا، خاصة في فصل الصيف، وتقترب من منازل المواطنين وحدائقهم، وذلك أثناء بحثها عن الرطوبة، فتشكل مصدر رعب للناس خاصة الأطفال، وفي بداية العام اعتدت على شاب من كفل حارس بعضة قوية في قدمه كلفته الجلوس لمدة شهر كامل في أحد مستشفيات نابلس ومستشفى المقاصد في القدس.
وقال المهندس لبيب عبيد، من مديرية زراعة سلفيت، إن الناس بدأت تهجر أرضها القريبة من مستوطنة 'أرئيل'، والتي تهاجمها الخنازير بشكل دائم، وهي أراض كبيرة وذات طبيعة جميلة خاصة منطقة عين المطوي، وتختبئ الخنازير البرية في الأشجار الحرجية خاصة البلوط، وتنتظر هبوط الظلام لتعيث فسادها في المزروعات، حيث تنقلها شاحنات من داخل أراضي 1948، وتضعها في أرئيل، ومن ثم يتم إطلاقها على مداخل المستوطنة تجاه حقول وبيوت المواطنين، خاصة قرية فرخة ومدينة سلفيت.
وبين أن الخنازير تتغذى على الحلزونات ودودة الأرض والأسمدة العضوية التي ينثرها المزارعون في أراضيهم، وتقوم بهدم السلاسل الحجرية (السناسل) التي يبنيها المزارعون حول أراضيهم لمنع جرف التربة ولتحديد القطع، كما أنها تستهدف بشكل كبير الحمص، والبازيلاء، والبيكيا، والخس، والفقوس، والتين، حيث دمرت في نيسان الفائت كامل ما زرعه أحد المواطنين من الحمص في قرية اسكاكا.
خنازير 'أرئيل' تُغير حياة 'فرخة'
تقع قرية فرخة غرب مدينة سلفيت، وتشتهر بالزيتون الذي تغطي أشجاره سفوحها وتلالها، ويعمل معظم سكان القرية في الزراعة من حيث الاهتمام بأشجار الزيتون والكرمة وزراعة الحبوب وتربية المواشي من أغنام وأبقار.
بكر حماد، رئيس مجلس قروي فرخة، قال لـ'وفا': دمرت خنازير أرئيل أكثر من 500 دونم في منطقتي 'المرج' و'الجذر'، ولم تبقِ للمزارعين سوى 50 دونما للاستفادة منها، وقامت بتخريب 20 دونما من الشعير هذا العام، ما أدى إلى تراجع المردود المادي لموسم الحبوب، حيث كانت تنتج فرخة حبوبا بعشرات آلاف الدنانير سنويا، وانحسر العدد إلى آلاف تعد على الأصابع، وأحيانا يخسر الموسم.
وأضاف أن مئات أشجار العنب البري، والتوت والتين، قد تضررت بفعل غزو الخنازير، حيث تأكل ثمر العنب البري وهو 'حصرم' ما يحرم المواطنين من عنبهم، وتخلع وتدمر مئات أشتال الزيتون والحمضيات والفواكه، وعائلات فقدت حقها في زراعة أرضها والاستفادة من منتوجها، حيث هناك من كان ينتج 200 كيس من التبن، وتناقص العدد إلى 60، وبالبعض من 20 كيسا قمح إلى 5 فقط، ما أثر أيضا وبشكل كبير على الثروة الحيوانية في فرخة، والتي كان فيها قبل سنوات ما بين 4 إلى 5 آلاف رأس من الأغنام، وتناقصت لتصل إلى 500.
لا حلول قوية للقضاء على الظاهرة
محاولات فردية يقوم بها أهالي سلفيت وقراها، للحد من الدمار الذي تزرعه الخنازير فوق أراضيهم، في معظمها عبارة عن مصائد بدائية يقوم المواطنون بصنعها أو شرائها، تساعد في التقليل من حجم الضرر وأعداد الخنازير.
وقال لبيب عبيد إن الاحتلال يمنع منذ العام 2000 دخول السموم التي بإمكانها القضاء على الخنازير بدعوى أنها 'ثنائية الغرض' وتستخدم أيضا في صنع المتفجرات، خاصة الدواء الأكثر فاعلية 'لانيت'، فيما تحاول وزارة الزراعة إيجاد بدائل، لكن أسعار السموم مكلفة جدا حيث يصل سعر الكيلو الواحد منها إلى 700 شيقل، إضافة إلى معيق عدم وجود بنادق خاصة بالصيد، والتي من شأنها التقليل من أعداد الخنازير وقتلها.
المواطن شادي الحريم من مدينة سلفيت، قال إنه اشترى سموما على حسابه الخاص وتخلص من 14 خنزيرا، لكن ذلك لم يمنع من تدمير محصوله من الحمص بالكامل، وإن الخنازير لا تنتهي بهذه الطريقة والمحاولات الفردية، وأيضا السموم تشكل عبئا على كاهل المواطن.
ورغم أنها كانت تجربة شادي الأولى في الزراعة وحاول بقدر الإمكان وعبر وضع سياج وإطارات مطاطية، إلا أن الخنازير تمكنت من الدخول لمحصوله، ثم حفر حول السياج ووضع الباطون المسلح لتثبيته وسد الثغرات، لكنها دخلت مرة ثانية ودمرته.