نيويورك ـ مادلين سعادة
يبحث العلماء عن مهمة جديدة لـمسبار "New Horizons" بعد اكتشاف العالم الجليدي في بلوتو المغطى بالجبال والحفر والتصدعات، ويبتعد المسبار حاليا عن بلوتو بمقدار 30.800 ميل في الساعة، والآن يمكن أن يكون المسبار هو أول مركبة فضائية تتجه لزيارة الكتل الجليدية التي تطوق نظامنا الشمسي في حلقة من الحطام فيما يعرف بحزام "Kuiper".
ويعتقد أن هذه الكتل المتجمدة من الصخور والجليد هي مخلفات اللبنات الأساسية للكواكب، ويطمح علماء "ناسا" إلى إرسال المركبة الفضائية "New Horizons" لواحد من كائنين جليديين بحزام "Kuiper" والذي يبتعد عن بلوتو بمقدار مليار ميل، وبالاعتماد على مستويا الوقود بالمركبة الفضائية فإن "New Horizons" يمكنها أن تطير إما "MT69" بمقدار 37 ميلًا أو "MT70" بمقدار 47 ميلًا، مسترقة وقت ما بين كنون الثاني/يناير وآذار/مارس عام 2019.
ومن المقرر أن يجتمع العلماء مع مسؤولي "ناسا" لاختيار الهدف الأفضل قبل إطلاق محركات المركبة الفضائية في الخريف لوضعها في مسارها الصحيح، حيث حدد تليسكوب "Hubble Space 5" أشياء في حزام "Kuiper" يمكن أن تصل إليها المركبة الفضائية، إلا أن هذا العدد قد انخفض بعد ملاحظة مداراتها، وأكد الباحث الرئيسى فى مهمة "New Horizons" البروفيسور آلان ستيرن، أن المركبة الفضائية يمكنها الاستمرار لاستكشاف النظام الشمسي على مدى عقود، حيث أنها مدعومة بمصدر للطاقة النووية يمكنها أن تستمر حتى 20 عامًا أخر، كما يسمح لها بتشغيل آلات ومعدات الاتصالات أيضا.
ووصف البروفيسور ستيرن المركبة الفضائية في حديثه عنها عام 2006 بأنها "مركبة خالدة تقريبا" حيث يمكنها أن تدوم ليس فقط مثل الأهرامات ولكن مثل سلاسل الجبال في الأرض، فالمركبة الفضائية ستستمر في الخروج من المجرة دون تغيير تقريبا، وسيكون ممكنا استمرار الاتصال بها في ظل استمرار مصدر وقودها، كما أوضح أن فريق العمل قد استغرق سنوات لتحليل البيانات التي يتم الحصول عليها من المركبة الفضائية من التحليق إلى بلوتو، ونظرا لطول المسافة بين المركبة الفضائية وكوكب الأرض والتي تقدر بـ300 مليار ميل، فإن المركبة سوف تستغرق وقتا حتى عام 2016 قبل أن ترسل البيانات المسجلة لديها.
وأوضح أنه إذا تم تمديد المهمة بواسطة "ناسا" فإن ذلك قد يؤدى إلى اكتشافات مثيرة، كما أشار إلى أن المركبة الفضائية يمكنها أن تبدأ في الخروج من نظامنا الشمسي مثل مسبار الفضاء "Voyager"، مضيفا أنه "حال وجود مهمة فضائية مثل مسبار Voyager فلدينا نظائر حرارية كهربائية مشعة على متن السفينة تمكنها من الاستمرار حتى عام 2030، أعتقد أن المركبة الفضائية لها مستقبل باهر، فيمكننا الوصول إلى حزام KBO".
وأضاف أن فريقه سوف يقدم توصية لـ"ناسا" في شهر آب/أغسطس لتحديد أي الكائنين في حزام "Kuiper"، مضيفا "يمكننا الذهاب إلى كائن واحد لأن الاثنين في موقعين مختلفين، علينا أن نحدد هدفنا في الخريف لأنه إذا انتظرنا فسوف ترتفع تكلفة الوقود، كما أن نقلل من امكانياتنا لإتمام المهمة، علينا القيام بهذا في عام 2015".
وهناك حملة شعبية لدفع "ناسا" إلى تخصيص الأموال اللازمة لتمديد مهمة المركبة الفضائية "New Horizons" من خلال الكتابة إلى أعضاء الكونجرس، ووفقا لحسابات النشطاء فإنها تحتاج 0.15 دولار من كل أميركي كل سنة من أجل المركبة الفضائية.
وذكر الدكتور مارك كوكولا من المرصد الملكي في Greenwich، "لقد وضعت المركبة الفضائية New Horizons لمواصلة استكشاف هذا المجال الغامض، وبالفعل هناك خطط لتحويل المركبة باتجاه أحد الأجسام الجليدية الكبيرة، وأعتقد أن تمديد مهمة المركبة سوف يكشف عم الكثير من المفاجآت، ولكن لا يمكن إيقاف هذه المركبة فهي ستستمر حتى عقود حتى تترك النظام الشمسي بالكامل"، إلا أنه من غير المعلوم الفترة التي تستغرقها المركبة في زيارة حزام "Kuiper" مع تتبع العلماء لها حتى تعود للأرض مجددا، فما زال هناك الكثير من الغموض حول النقاط الضوئية التي تدور هناك.
وتبعد مدارات "MT69" و"MT70" بحوالي أربعة مليارات ميل عن الشمس، ما يعادل 44 من مقدار بعدهما عن الأرض، وبالإضافة إلى اعتقاد البعض بأن مدار "MT70" أكبر من "MT69" وأكثر إشراقا، فالعلماء أيضا لا يعرفون سوى القليل عن هذه الكائنات، ويمكن للمركبة الفضائية "New Horizons" أن تقدر صورا ومعلومات أكثر وضوحا عن هذه الكائنات الجليدية وربما تقدم معلومات جديدة حول كيفية تشكيل نظامنا الشمسي أيضا مثلما فعلت مع كوكب بلوتو.
وأرسلت أول صورة عالية الجودة لبلوتو بواسطة مركبة "New Horizons" والتي كشفت عن 3.350 متر من الجبال الجليدية، كما صدرت صور أخرى لكوكب بلوتو وأقماره "شارون" و"هيدرا"، والتي قدمت أدلة على استمرار النشاط الجيولوجي في العالم الجليدي.
ودخل العلماء في حالة ذهول عند رؤية الجبال العالية مثل جبال "Rockies" التي تكونت منذ 100 مليون عام، وتقول "ناسا" أنها قد تكون جبالا في طور البناء، ومثل بقية الكوكب ككوكب بلوتو فإنه يعتقد أن المنطقة ضربت بواسطة حطام فضائي لمليارات السنين، ما أدى لتكوين العديد من الحفر، إلا أن النشاط الجيولوجي يحاول محو تلك الحفر.
وأضاف البروفيسور ستيرن "الآن لدينا كوكب صغير معزول يظهر نشاطا بعد 4.5 مليار عام، إنه سوف يرسل لنا الكثير من الجيوفيزياء مرة أخرى إلى لوحة الرسم الكبرى"، وأوضح الدكتور Jeff Moore من الفريق الجيولوجي في المهمة " هذا هو أصغر سطح رأيناه في النظام الشمسي"، وهذه هي المرة الأولى التي يرى فيها علماء الفلك عالم من الجليد لا يدور حول الكواكب، وذلك على عكس الأقمار الجليدية للكواكب العملاقة، فكوكب بلوتو لا يكون ساخنا بواسطة قوى الجاذبية بين الكواكب الأكبر، وتعتقد ناسا بوجود عملية أخرى تولد المناظر الطبيعية الجبلية.
وبين نائب قائد فريق الجيولوجيين من معهد أبحاث الجنوب الغربي الدكتور جون سبينسر أن "هذا قد يؤدى إلى إعادة التفكير بشأن نشاط القوى الجيولوجية في العديد من العوالم الجليدية الأخرى"، وعلى الرغم من وجود الميثان والنيتروجين الجليدي الذي يغطي جزءا كبيرًا من سطح بلوتو، إلا أن هذه المواد ليست قوية بما يكفي لتكوين الجبال، وعلى الأرجح أن موادً أقوى مثل المياه الجليدية قد خلقت هذه القمم الجليدية.
وذكر البروفيسور بيل ميكينون من فريق الجيولوجيين ومن جامعة "واشنطن" في سانت لويس أنه "في درجات حرارة بلوتو فإن الميادة الجليدية تكون مثل الصخور"، وأضاف الدكتور سنبينسر أن فريقه الآن يحاول العثور على فوهة البركان في عمليات الفحص مقترحا التشابه بين بلوتو وبين النظام الشمسي، كما كشف الفريق البحثي أن قلب بلوتو سيطلق عليه اسم "Tombaugh Regio" وهو اسم "Clyde Tombaugh" مكتشف بلوتو .
والتقطت المركبة الفضائية صورا قريبة لبلوتو منذ حوالي ساعة ونصف قبل اقتراب المركبة من بلوتو، حيث كانت المركبة الفضائية تبعد عن سطح الكوكب بمقدار 478.000 ميل، وأوضح هال ويفر أنه قبل الكشف عن صور بلوتو سيكشف العلماء عن صور للقمر "هيدرا" والذي يعد القمر الصناعي الطبيعي لكوكب بلوتو الذي يمتلك سطحا كبيرا بشكل مذهل.
وأوضحت كاثي أولكين من فريق "ناسا"، أن "سطح هيدرا يتكون من مياه جليدية، في حين أظهرت الصور تباينا كبيرا بينه وبين القمر شارون، فقد اعتقدنا أن اللون المظلم قد يكون قشرة رقيقة، إلا أننا رأينا مواقع في القطب الشمالي ربما كانت فوهة بركان تحتها حفرة"، وتظهر الصور بعض المنحدرات والأحواض التي تمتد حوالي 600 ميل من اليسار إلى اليمين، مما يشير إلى انقسام واسع في قشرة سارون، ومن المرجح أن ذلك نتيجة العمليات الداخلية".
وفوجئ علماء البعثة بقلة الحفر على القمر شارون، ما يشير إلى إعادة تشكيل سطح القمر بفعل النشاط الجيولوجي، وقد تم ضغط صورة القمر لتقليل حجم الملف ليتم نقلها إلى الأرض، أما النسخة غير المضغوطة من الصورة فلا تزال في ذاكرة كمبيوتر المركبة الفضائية ومن المقرر أن تنقل للأرض في وقت لاحق، ومن المقرر أن تقضي وكالة "ناسا" الـ16 شهرًا المقلبة لدراسة البيانات المرسلة من المركبة الفضائية، مع طلاق الصور وملاحظات العلماء بجانب ذلك، حيث تعد صورة بلوتو مع القمرين شارون و هيدرا مجرد البداية فقط.
وتبعد الآن مركبة فضاء "New Horizons" حوالي مليون ميل من كوكب بلوتو، وذلك في صباح الثلاثاء الساعة 7:49 صباحا، وتقترب المركبة من السطح الجليدي لبلوتو على بعد 7.800 ميل، حيث تتحرك بمقدار 30.800 ميل في الساعة.
وأكدت أليس بومان من وكالة "ناسا" أن الوكالة الفضائية استعادت الاتصال من خلال تلقي إشارة من المركبة الفضائية في محطة مدريد الساعة 8:55 مساء بتوقيت شرق الولايات المتحدة، مضيفة "لدينا اتصال جيد بالمركبة جميع الأجهزة تعمل بشكل صحيح"، وبيّن المدير المساعد بوكالة "ناسا" جون غرانسفيلد "إنها حقا علامة في تاريخ البشرية، ولم يتحول بلوتو إلى كوكب ضبابي ذو غلاف جوى غني بالنيتروجين كما كنا نتوقع، لكنه يمثل عالم معقد ومثير للاهتمام ، حيث نعرفه للمرة الأولى".
ودخلت مركبة الفضاء "New Horizons" في الوضع الصامت ليلة الاثنين قبل بداية تكريس سلطتها ومواردها لالتقاط الصور، وقد ظل العلماء في حالة من التوتر للتأكد من نجاح المركبة الفضائية، حيث ظهرت أول صورة صباح أمس الخميس توضح عالما مغطى بالنحاس الملون ويغطيه بقع داكنة ومنطقة تشبه شكل القلب، والتي ربطها أحد الأشخاص بشخصية الرسوم المتحركة "بلوتو"، ويمكن رؤية الحفر والندوب العميقة على سطح بلوتو مع السلاسل الجبلية والسهول الجليدية الهائلة، وكذلك أصدرت "ناسا" صورًا ملونة لكوكب بلوتو وقمره شارون التقطت في 13 تموز/يوليو، ويظهر فيها التركيب الجيولوجي لهما بعمق كبير.
وكشفت الصور أن قلب بلوتو يتكون من منطقتين بألوان مختلفة، وتظهر يفي الصور منطقة القلب وتتخذ شكلًا مخروطيًا مثل مخروط الأيس كريم، يتخذ لون الخوخ في الصورة، كما يظهر خط منتصف خطوط العرض يتراوح لونه بين الأزرق الشاحب واللون الأحمر، حتى داخل غطاء القطب الشمالي في الجزء العلوي من الصورة، مع ظلال مختلفة من الأصفر والبرتقالي، ما يشير إلى وجود اختلافات تركيبية دقيقة، ويرتبط هذا اللون الأحمر المظلم في الغطاء القطبي الشمالي في القمر شارون بالهيدروكربونات والجزيئات الأخرى، وهي فئة من المركبات الكيميائية تسمى "tholins".
واكتشف العلماء أن بلوتو الكوكب التاسع في النظام الشمسي، أكبر مما كانوا يعتقدون، لقد اعتقدوا أن قطره حوالي 1.473 ميل، إلا أنهم اكتشفوا أن قطره حوالي 50 ميلًا، وبذلك هو أكثر اتساعا من توقعاتهم، وقد ظل علماء البعثة ينتظرون أول اتصال من المركبة الفضائية لإنجاز تلك المهمة، وكما أشار أحد الأعمدة في جريدة "نيو يورك تيمز" نرى الآن كوكبا جديدا ونقترب منه للمرة الأولى.
وقضت مركبة الفضاء "New Horizons 8" دقائق بالقرب من كوكب بلوتو، وهي أول مركبة فضاء تزور هذا الكوكب، وقد توجهت المركبة الفضائية بأدواتها نحو بلوتو وأقماره الخمسة شارون وستيكس ونيكس وكيربيروس وهيدرا، كما قامت المركبة الفضائية بقياسات خاصة بالغلاف الجوى للكوكب، وقد برز القمر شارون كجسم رمادي غريب قد يكون مليئا بكميات من الماء الجليدي، ومن خلال الصور التي وصلت للعلماء فإنهم قد رأوا حفرا كبيرة وعميقة بشكل أكبر من حفرة "Grand Canyon" التي وجدت على الأرض.
وأكد ويليام ميكينون من علماء البعثة أن "الصور هذه تعد أول دليل واضح على تصدع واضطراب سطح القمر شارون، لقد تحولت فكرتنا عن هذا القمر من كرة جليدية دون ملامح إلى عالم يضم جميع أنواع النشاط الجيولوجي"، وبعد اجتياز كوكب بلوتو، سوف تتجه المركبة الفضائية "New Horizons" إلى كائنات حزام "Kuiper" والأشياء الأخرى خارج مدار كوكب بلوتو، على أن تنتهي البعثة رسميا عام 2026.
وأشار رئيس قسم الفلك وعلوم الفضاء في منظمة بحوث الكومنولث الدكتور لويس بول أن "هناك الكثير الذي لا نعرفه وليس فقط عن بلوتو ولكن عن عوالم أخرى مماثلة، لقد كان الوصول إلى هذا الجزء من أولوياتنا العلمية في السنوات المقبلة، لأنه يحمل اللبنات الأساسية لنظامنا الشمسي والتي تم تخزينها منذ مليارات السنين"، وتستغرق رسائل المركبة الفضائية حوالي أربع ساعات لتقطع مسافة 2.9 مليار ميل عائدة إلى الأرض.
ولفت البروفيسور آلان ستيرن إلى أن الانتظار حتى إعادة الاتصال بالمركبة من جديد، كان تتويجا لجهد العمل لمدة 15 عامًا، مضيفا أن "هذه النظرة على الصور، إنها تعتبر لا شيء، هذا عالم خيالي ربما لن تراه".