السفير التونسي الحبيب بن فرح

أكد سفير الجمهورية التونسية لدى دولة فلسطين الحبيب بن فرح، أن القضية الفلسطينية هي قضية تونسية، وأن تونس رسميا وشعبيا تحترم القرار الفلسطيني المستقل، وان النخب السياسية والأحزاب التونسية ترى ان القضية الفلسطينية هي قضية اجماع لكل التيارات التونسية.

وشكر بن فرح، اليوم الأحد، خلال حوار خاص مع "وفا"، في الذكرى الثامنة للثورة التونسية، شكر رئيس دولة فلسطين محمود عباس على الاهتمام المستمر، لدولة فلسطين قيادة وحكومة وشعبا بتونس، وما يعنيه ذلك من لفتة ساميه من شعب أصيل ووَفِيٌّ يَحتفظ لتونس التي نالت شرف احتضان منظمة التحرير والشهيد أبو عمار والقيادة الفلسطينية بأروع الذكريات.

وأضاف: حقق التونسيون عبر مسار الانتقال السياسي بعد الثورة عددا من المكاسب كان في طليعتها وأهمها "حرية التعبير" (بشكل فردي، وعبر وسائل الاعلام، و التنظيم في الأحزاب والجمعيات، حرية التظاهر و الاحتجاج...) وتركيز عدة مؤسسات دستورية (مثل الهيئة المستقلة للانتخابات/المجلس الأعلى للقضاء/هيئة مكافحة الفساد...) واعتماد رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بعد انتخابه سنة 2014 نهج التوافق الوطني، وضمان انتقال سلس من الثورة الى الدولة.

اقرا ايضا: لمى علي أوّل فتاة فلسطينية تمتهن صناعة الآلات الموسيقية وتصليحها

واشار إلى أن تونس نالت تقدير العالم بعد المصادقَة بإجماعٍ واسع سنة 2014 على دستورٍ جديد وُلد من رحمِ الاختلافات والتنازلات والتوافقات، وأن الثورة رسخت إرادة جماعية تمنع أي محاولة للرجوع إلى الدكتاتورية، و إلى إعلاء صفة المواطنة والكرامة وجعلها ثورة مُؤسِّسَة للديمقراطية.

وتابع: "ارتبطت الثورات العربية عادة بتسمية "الربيع العربي" التي صاحبها جدل ولغط كثير يجعل من الحري على الأقل بالنسبة للحالة التونسية كفاتحة لموجة التحولات التي شهدتها المنطقة العربية أن نتحدث عن "بداية ربيع تونسي" وأن نبتعد عن استعمال مصطلح "النموذج" وذلك تقديرا لخصوصيات تجارب بعض الشعوب والدول العربية الشقيقة التي نتمنى لها النجاح وفق الشكل الذي ترتضيه لبلوغ الرخاء والاستقرار، وفي هذا السياق، نشير كذلك إلى أن الثورة التونسية لم تكن ولن تكون مُعدة للتصدير أو لإعطاء دروس لشعوب أخرى بل جاءت استجابة لحاجة شباب تونس الأحرار وأكدت الحاجة إلى تصويبِ المسار وحمايةِ مؤسساتِ تونس ومكاسبها من الفساد والدكتاتورية، والانتقال بها إلى مرحلة جديدة تجعل مما يمكن تسميته بــــــ "الاستثناء التونسي" و لخصه الشعب التونسي في شعار "الشعب يريد" الذي اختزل قيما ثقافية غزيرة وذات مضمون إنساني كوني، أصبح معها شعارا عابرا للقارات سَمِعنَاهُ في عدة أنحاء من العالم".

وأضاف: أن البعد السياسي في التجربة الديمقراطية التونسية بات الأكثر شُهرة رغم اتساع أهداف الثورة إلى أبعاد أخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية، حيث انطلق المسار السياسي بخطى ثابتة انتقالا سياسياً سلمياً سلسلاً عبر مسار شرعي وقانوني في كل مراحله فلم تعش التجربة التونسية أي فترة فراغ دستوري (تم تعليق العمل بالدستور القديم ثم إرساء "هيئة" خاصة بنصوص مؤقتة لإدارة مرحلة انتقالية وصولاً إلى انتخاب مجلس نيابي تأسيسي لصياغة دستور جديد ثم تنظيم انتخابات تشريعية و رئاسية سنة 2014 جاءت برئيس منتخب لأول مرة بشكل حر ومباشر ومجلس نواب شعب عبر انتخابات نزيهة، وهو ما عكس مستوى الوعي والادراك الذي بلغه المواطن التونسي بعد الثورة).

وتابع: من بين سمات الثورة التونسية رفض الاكتفاء بترميم سلبيات الماضي، ومطالبة الشعب صراحة ودون مُواربة بالقطع نهائيا مع المنظومة القديمة، وصياغة دستور جديد وإرساء جمهورية ثانية تُؤسِّسُ لمنظومة سياسية ومؤسساتية جديدة، وهو خيار صعب ميّز المشهد السياسي التونسي عن تجارب أخرى.

واضاف: الدور المحوري للمنظمات الوطنية والمجتمع المدني واسهامه بشكل رئيسي في إنجاح الحراك الثوري ومرافقة الفاعلين السياسيين لإنجاح مسار الانتقال الديمقراطي وحماية المكتسبات الثورية، وفي هذا السياق يأتي التتويج الدولي لتونس بمنح جائزة نوبل للسلام لرباعي الحوار الوطني (الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وعمادة المحامين والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية) وهو ما يُعتبر تتويجا طبيعيا لمسار طويل من الحركة الإصلاحية والتنويرية، ونجاح النخب التونسية في مراكمة مكاسب حركة الإصلاح عبر أجيال متلاحقة في بلدٍ امتدَّ إرثهُ الحضاري لأكثر من 3000 عام، وصاغ شعبُهُ دستورَ قرطاج-أحدُ أقدمِ دساتير العالم، بقيت آثاره ممتدّة عبر التاريخ إذ ليس من قبيل الصدفة أن يصدر أول دستور مدني في البلاد العربية والافريقية سنة1861 يساوي بين التونسيين في الواجبات والحقوق، ويستند إلى فكر إصلاحي تقدمي ويستكمل مضامين وثيقة أصدرها "باي" تونس حينها المشير "أحمد باشا" لتُلغي الرّقّ والعبوديّة منذ 23/01/1846 (أي قبل فرنسا التي لم تُدرك ذلك إلا في 27/4/1848 والولايات المتحدة في 18/12/1865.).

وقال السفير: دحر الشعب التونسي الارهابيين المُتربصين بأمنِ تونس وبمكاسب ثورتها، واعترف العالم بأنّ زهرةَ الدّيمقراطية يُمكن أن تُزْرَعَ وتَيْنَعَ في تُربةٍ عربيةٍ إسلامية كثيرا ما شُوّهَت صورتَها وقِيل عنها بأنّها أرضٌ جَردَاء لا تصلُحُ لغيرِ  زراعةِ الاستبداد والتّطرّف والعنف.

وتابع: بعد مُضيّ 8 سنوات على تغيير رأس النظام، وإذا انطلقنا من أن الثورة ليست فقط لحظة تاريخية ورومنسية تتغنى بالثورة وبمضامينها الحالمة، وإنما هي مسار وصيرورة ثورية تنطلق مع الحدث القادح وتنتهي بتاريخ تحقيق أهدافها، يمكن أن نلحظ تأثيرات الحراك الاجتماعي وارتفاع منسوبُ الاحتجاجات الاجتماعية في تونس بعد تكريس واسع لحريةً التعبير والاحتجاج السلمي وانعكاساتها المباشرة على المشهد السياسي، وأفرزت الثورة في تونس جملة من التحديات والتطلعات المشروعة التي أملتها اشكاليات سياسية واقتصادية واجتماعية متراكمة ومُعقدة لم يكن معها سهل الاستجابة إلى تلك الاستحقاقات حسب ما ينتظره التونسيون، والمرور بسرعة من مرحلة الثورة إلى مرحلة الإصلاح لاستكمال الاستجابة لباقي مطالب وأهداف الثورة في ظل تحديات كثيرة في مقدمتها: مقاومة قوى الشد إلى الوراء التي تعمل أحيانا على إعاقة البناء الديمقراطي ومواجهة المهام الُملحّة لمعالجة البطالة واستعادة الحيوية الاقتصادية خاصة النشاط السياحي والاستثمار الخارجي لتأثيرهما في المنظومة الإنتاجية وسوق الشغل.

وأضاف: لا يجوز الحديث في مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تعيشها تونس منذ الثورة إلا عن ملامح تجربة ديمقراطية أكثر منه تقييم لتجربة مكتملة باعتبار أن الوقت لا يزال مبكرا حاليا للحديث عن تجربة ديمقراطية بكامل المواصفات والضوابط المعروفة رغم أن الجميع يشهد أنها باتت أقرب إلى النجاح، حيث جاءت الثورة التي أنجزها التونسيون بوسائل سلمية تعبيرا عن رغبتهم في مزيد من الحرية والكرامة وإعادة الاعتبار إلى قيم الجمهورية والمواطنة، وكان من أهم ثمارها أن الشعب التونسي حرر الجميع مواطنين و مسؤولين، وأعاد الاعتبار لهيبة الدولة وقيم المواطنة.

وقال بن فرح: تونس تستعد لاحتضان القمة العربية القادمة في أواخر شهر مارس 2019، وستأخذ القضية الفلسطينية مكانة هامة لدى كل التونسيين، وهذا وفق موقف تونس الثابتة في نصرة القضية الفلسطينية، وبهذه المناسبة تؤكد تونس أنها ستبقى على العهد قيادةً وحكومةً وشعبًا مُحافظة على ثوابتها في نصرة فلسطين والالتزام بقضيتها العادلة باعتبارها-كما جاء على لسان الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي بأنها "القضية العربية المركزية ومفتاحَ الأمنِ وبوابةَ السلامِ في المنطقة والعالم، كما جعلت تونس من مناصرة القضية الفلسطينية باستمرار جوهرَ اهتماماتها، وإحدى أهم ثوابت سياستها الخارجية، وما انفكت تُجدّدُ للقيادة الفلسطينية ومن خلالها إلى الشعب الفلسطيني الشقيق بكامل أطيافه ومؤسساته أنها ستظلُّ–قيادة وحكومة وشعبا-وفيّةً على الدوام-كما عَهِدتُمُوها لمواقِفِها الثابتة والمبدئية مُنتصرةً لاستقلال دولةِ فلسطين و وعاصمتها القدس الشريف، ودعمِ مؤسساتها الشرعية التي يرتضيها شعبُها في احترام كامل للقرارِ الوطني الفلسطيني المستقل في هدوء ودُونَ مَنٍّ بل اقتناعا من تونس بواجبِ التضامُنِ الطبيعي بين الأشقاء، وتقديرا منها للتضحيات الجِسام للشعبِ الفلسطيني المناضل من أجل الحرية والاستقلال. كما نُشددُ على عُمقِ ومتانةِ العلاقات الأخوية المتميزة لشعبينا وحرصِ تونس على مزيدِ تطويرِ علاقات التعاون الثنائي في كل المجالات.

وأضاف: تونس تؤكد أيضا كامل تقديرها لجهود فخامة الرئيس أبو مازن للدفاع عن الحقوق الشرعية الفلسطينية في كافة المحافل الاقليمية لتحقيق السلام العادل بحكمة وتعقّل وبُعد نظر على درب الحرية وتثبيت معاني الاستقلال، وأن موقف تونس واضح من نقل سفارة الولايات المتحدة وبعض الدول من تل أبيب الى القدس، وهو أن القدس عاصمة فلسطين.

وعن العلاقات الثنائية بين تونس وفلسطين، قال بن فرح: انه قد تم التوقيع في عام 2017 لأول مرة على اتفاقية انشاء لجنة تعاون مشتركة ومشاورات سياسية منتظمة لأول مرة بين تونس وفلسطين في خطوة هامة لتطوير الاتفاق الإطاري للعلاقات الثنائية بين البلدين، وتكريسا لموقف تونس الداعم لدولة فلسطين ومؤسساتها، كما تم منذ سنة 2015 توقيع حوالي 23 من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين الشقيقين في مختلف المجالات.

واضاف: ان اخر اتفاقية تم توقيعها في أواخر سنة2018 بين مجلسي القضاء في البلدين، اضافة إلى عدد هام من زيارات لوفود فلسطينية سنة2018 ، خاصة للاستفادة من التجربة التونسية في مجال الجلود والأحذية و كذلك التعبئة و التغليف، كما واصلت تونس اسناد عدد من المنح الدراسية (200 منحة جامعية، وعشر منح مخصصة للطلبة المقدسيين للدراسة في الجامعات التونسية كل سنة، كما تواصلت المساعي لتطوير الاطار القانوني الذي يسمح بالتعاون التجاري بين تونس وفلسطين عبر إحياء مجلس الاعمال المشترك لتشجيع الزيارات المتبادلة بين عدد من رجال الاعمال الفلسطينيين في البلدين.

وفي مجال التعاون الصحي، تواصل العمل على تفعيل نتائج زيارة مجموعة من الكفاءات الطبية الفلسطينية الى تونس لبحث تبادل الخبرات خلال العام 2017 والاستفادة مما جاءت به مذكرة تعاون في المجال الصحي التي تم توقيعها بين وزارتي الصحة.

وختم بن فرح، بتوجيه الشكر بهذه المناسبة لكافة أسرة وكالة "وفا" وفي مقدمتها معالي الوزير أحمد عساف ومعالي وزير الاعلام نبيل أبو ردينة وكل العاملين في المجال الاعلامي الفلسطيني المسموع والمرئي والمكتوب لاهتمامهم المستمر جميعا بتونس وما يحملونه من مشاعر طيبة تجاه تونس وشعبها وثورتها .

قد يهمك ايضا : فيصل عبدالجليل يكشف أهمية منتدى الحداثة والتنوير الثقافي

                   اختفاء أصوات العزف مقابل غزو آلات الطباعة في شارع "محمد علي"