حسين حربة

أنه واحد من الذين قادتهم المحبة العميقة للفن إلى أن يكون ضمن ابرز جامعي الأعمال الفنية في المنطقة العربية، وربما أيضا في العالم، وضمن ربع قرن من الحرص على استكمال مجموعة فنية مقتناة، ستشكل اليوم عينة مهمة، تسلط الضوء على مغامرة الإبداع العراقي لأكثر من قرن من البحث والتجريب، ضمن حقب امتدت من بداية القرن العشرين وحتى يومنا الراهن.

حسين حربة المولود في مدينة بابل في العراق، والحاصل على الشهادة المعمارية من مدينة تورينو الإيطالية، له عدة تصاميم في كل من الأثاث الداخلي والإكسسوارت النسائية والمواد المنزلية بالإضافة إلى التصاميم المعمارية للبنايات والنصب الفنية، وتباع أعماله في المزادات العالمية كقطع فنية خاصة، ومن يشتر هذه القطعة تكون واحدة مرقمة ومتسلسلة من ضمن 500 في العالم، لعل مما غاب أو نفل في اهتمامات المعنيين بشؤون الفن من نقاد ومتلقين، هو وجود نخبة من المتذوقين، الذين ذهب بهم عشق الفن إلى ابعد من مشاهدته وتتبعه، وبجمع ما تيسر منه، وصاروا إلى تقصي شؤونه وشراء ما أمكنهم من شرائه وحفظه في زمن عزت فيه المؤسسات الحانية عليه، وشحت مراكز الاهتمام به في عراق اليوم".

سيرة حياة حافلة بالكثير من الحميمية والزهو باتجاه الاهتمام بالجمال العميق في لوحات وتماثيل ومعمار تعايش معهم منذ نعومة أظفاره، وهو الذي تربى في كنف أب رعاه وطور لديه الحس الجمالي من خلال اقتناء الأعمال الفنية في الكثير من أشكالها : الأثاث والمعمار واللوحات الفنية.

وكشف حربة عن تجربته مشيرًا الى أن "أول لوحة اقتنيتها كانت لفائق حسن، وعمري كان حينها لا يتجاوز الخامسة عشرة, حين جلبها والدي لي من بغداد، صور الفنان فيها مجموعة من الأحصنة، وقد كانت إيذانا لي ببداية جمع الأعمال الفنية، ومنذ طفولتي، كانت لدينا في البيت لوحات تتميز بالطابع الواقعي في الرسم حيث المناخ الغالب فيها هو مشاهد من الطبيعة العراقية، لقد تم تصميم الشكل المعماري لبيتنا في محافظة بابل من قبل معماري عراقي كان من خريجي الهندسة المعمارية في لندن، وهو الذي اقترح على والدي تزيينه باللوحات، الأمر الذي جعلني منذ الطفولة أعيش في أجواء بيت هو أشبه بالمتحف الصغير، والدي كان يحب الجمال وخصوصا جمال الخيل الأصيل وكان يمتلك عدداً من الأنواع الأصيلة، وكان يبدو أنيقا في غالب أوقاته محبا لامتلاك الأشياء النادرة. دفعني هذا المناخ إلى أن أتبنى مشروعاً شخصياً ظل ملازما لي إلى الآن وهو اقتناء الأعمال الفنية".

بيد أن ما بلور في نفسه ذلك المشروع، هو تشكل الأول لطبيعته كصبي، إذ يقول إنه لم يكن ليهتم كثيرا باللعب مع أصدقاء الطفولة ويميل إلى العزلة التي كانت طقسا نافعا عزز لدي شعورا بالتمتع في جمع الأشياء النادرة المتميزة بالفرادة والاستثنائية"، وفي العام 1980 وبعد إنهاء الدراسة الثانوية في إعدادية الحلة قرر السفر إلى ايطاليا راغبا في دراسة الهندسة المعمارية على نفقة العائلة, وهناك تسنى له أن يتخصص في التصميم المعماري في مدينة تورينو الايطالية، وبعد تخرجه عمل في واحدة من أهم الشركات الايطالية في التصميم المعماري. عمل فيها لمدة أربع سنوات ثم قرر أن يفتح مكتباً للتصميم مع شركة (ايطالية)، ومنذ العام 1994 صمم وأنتج حربة أكثر من 150 ألف قطعة "اوبجكت ارت"، والتي تستخدمها العديد من الشركات العالمية الكبرى لعرض إنتاجها وهو الأمر الذي أدى إلى انتشار أعماله في مختلف القارات، كما يقول.

وأضاف حربة أنه "منذ بدايته العملية جعله طموحه المستمر ان يؤمن بأن التفوق ليس حكرا على مجموعة بشرية محددة وإنما هو نتاج عامل الاجتهاد والجدية في العمل وتحصيل المعرفة وقد تكلل هذا العمل الدؤوب بحصول شركته الايطالية (La Triart pubblicità) على جائزة تقديرية هي جائزة (Italia che lavora) كشركة متميزة في اختصاصها وذلك في سنة 2001، وبعد إنهائه لدراسته وانخراطه في أجواء العمل كمصمم وصاحب شركة تصميم، بدأ يتبلور هدف إنشاء أول متحف خاص بمجموعته الفنية وبجانبه مركز للتصميم في مدينة بابل، وكنت اطمح أن يكون على شاكلة نظام مدرسة "الباوهاوس" في ألمانيا، الهدف منه خلق مركز تصميم وإنتاج عالمي في بابل واستقطاب المبدعين للمساهمة فيه.

ويؤكد حربة أنه "شرع ببناء المتحف، لكن لسوء الحظ توقفنا لظروف العراق الصعبة في ذلك الوقت"، وبخصوص اقتناء الأعمال الفنية، وهو النشاط الذي يواصل فيه حتى الآن، درجة ان مجموعته اليوم تغطي تقريبا كل الحقب الفنية للفن العراقي، مشيرًا الى انه "كنت ولا أزال اعتقد أن الفنانين العراقيين في القرن الماضي أنتجوا الكثير من الأعمال الإبداعية المتميزة، والتي اعتقد أن مستواها يضاهي الإنتاج المعاصر العالمي، ولكن لسوء الحظ ظروف العراق المأساوية بما شملته من حروب وحصار اقتصادي، أسهمت بشكل ملحوظ في شل حركة الفن العراقي وإعاقة مسيرته"، لكنه يجزم أن العراق سيعود بقوة وبسرعة ليأخذ مكان الريادة في عالم الفن مرة أخرى، ويعتقد أن اقتناء الأعمال الفنية العراقية هو من أهم الاستثمارات، حيث الأسعار ما زالت مناسبة جدا ولا اعتقد أنها ستستمر طويلا هكذا".

ويتفرد الفن العراقي عن الفن العربي من جهة كونه قد تعامل مع الحداثة بصيغة جدية ومنذ بدأ البعثات الأولى لدراسة الفن في أوروبا. وهنا يقول حربة "من يصدق على سبيل المثال أن الفنانة الرسامة مديحة عمر أقامت أول معرض شخصي لها في أميركا في العام 1948 ، لو وجد تقييم عادل وجدي للفن العراقي، لكان في مصاف الفن العالمي"، لهذا يحرص حربة على التأكيد أن "الفن العراقي يشكل كنزا وطنيا يجب المحافظة عليه محليا وعالميا، وعلينا ألا ننسى أن الوجه الحضاري هو من أهم ما تقدمه الأمم لتعزيز هويتها الوطنية وذاتها التي تميزها وتطبعها بطابعها الخاص، وأنا افخر كثيرا بجيل الرواد لأنه كان يعبر عن الوجه الأجمل للعراق"، وعن منجزه الفني الجديد يقول حربة إنه "منشغل الآن بالعمل لإصدار كتاب عن مجموعتي الخاصة التي ناهزت 450 عملا فنيا ويتعاون الآن معي حشد من المختصين والكتاب، وهو جهد شخصي بحت، وسيطبع في شركة (سكيرا) العالمية المعروفة".

تجدر الإشارة إلى أن حسين علي حربة هو العراقي الذي طلب منه متحف بريطاني كبير هو (التيت مودرن) ان يكون في مجلس مستشاريه.