لندن - سليم كرم
تدرس فراني مويل في كتابها "الحياة الاستثنائية ولحظاتها الحرجة لجوزيف مالورد ويليام تيرنر"، وتسلط الضوء على حياة هذا الفنان الذي يعتبر علامة بارزة في تاريخ الفن، وجاء في كتابها لمحات عن معاداة تيرنر للمجتمع وبعده عنه ونقمه من المعاملات التجارية والشذوذ الجنسي، فكان "تيرنر" يروج لفكره بمنتهى الذكاء، إذ خاض جدلا شرسا مع طبقة الأرستقراطيين وقاد حملة بلا هوادة ولا حياء للترويج للأكاديمية الملكية للفنون.
فأعماله المائية التي جسدت صور البحار وصنعت منه مدافعا عن الهيمنة البريطانية الإمبريالية، وأحد المستثمرين في تجارة العبيد الذي عملوا على استمرارها، إلا أنه دخل سجال القصص الغرامية مع إحدى خادماته حيث عرفت هذه القصة فيما بعد باسم "قذارة تشيلسي".
ونجد في أعمال "تيرنر" خلال سنواته الأخيرة المرسومة بحس عال، أنّها تهتم بالأحاسيس الداخلية عند تأمل أعماله التي تجسد الأشخاص أو الأماكن، فطريقته في الرسم تذهب بعقول معجبيه.
وعلقت مؤلفة الكتاب "فراني مويل" بأن أسلوبه في الرسم يحمل نوعًا من الاستخفاف لهذا النوع من الفن، حيث أراد في إحدى المرات في الأكاديمية الملكية للفنون "تيرنر" رسم لوحة فأخرج مسحوقًا بني غامق اللون كان معه وبدأ الرسم بطريقة غريبة، وانتهى من اللوحة بتلطيخ اللوحات الأخرى وزملائه الحاضرين معه بهذا المسحوق البني.
ويعتبر تيرنر مثالًا لنظرية عدم الحكم على الأشياء بظواهرها، وعباءته المحفوفة بالمهابة يقبع داخلها رجل غريب الأطوار معقد من ماضيه البائس.
وجسدت أعماله الفنية المشهورة "بالمائيات" الطبيعة ببحارها وأزهارها وكانت عامل تجسيد لجانبه المشرق من شخصيته العشوائية، فقد عاش "تيرنر" أوقات بريطانيا المهمة، فكان يزرع حديقة منزله ليخلد إليها في الأوقات الكالحة ليستمد منها صفاء النفس والروح. فيما سخر منه بعض النقاد ومن لوحاته على أنها تجسد اللا شيء، لكن هذا النوع من الفن القديم هو ما كان سائدا في ذلك.
وتقول "فراني مويل" إن لقب الملك الذي لقب به هو أمر مبالغ فيه، لكنه أثبت خلاف ذلك من خلال أعماله.
ومن الأشياء التي كان تثير فكر "تيرنر" أن يرى بعض الزهور الطافية على الماء، إذ كان لها عامل السحر الذي يلهمه لتجسيد هذا المنظر الرائع ليتحفنا بعد ذلك بمجوعة رائعة من اللوحات. أما بالنسبة "للفن التشخيصي" الذي بدأ مع الفنان العبقري " تيموثي هيمان" والذ أصبح سمة القرن العشرين. فبدأ هذا النوع من أواخر القرن التاسع عشر مع أباطيل الفيلسوف " فريدريك نيتشه". ويمضي الكتاب بصفحاته نحو إظهار نجاح الفنانيين الذين تخلوا عن مبدأ التجريد ليستخدموا مبدأ التشخيص في الرسم وإحياء مبدأ دراما الصورة.
فبعض الرسامين المعاصرين حملوا لواء فلسفة مدرسة "فرانسيس بيكون" في أعمالهم الفنية وهي الفلسفة القائمة على الملاحظة والتجريب بخلاف فلسفة أرسطو التي تعتمد على القياس. ومن ثم نجد الفنان الفرنسي " بيير بونرد" الذي يحبذ رسم المشاهد الحميمة لجسم الأنسان وهي الأعمال التي تنطوي على الإثارة الصريحة. فكل الأعمال الفنية من هذا النوع تجسد نمط العيش والحالة النفسية لهؤلاء الفنانين في هذا الوقت.
ففي كتاب " قصة ثورة الفن البريطاني" لمؤلفته "إليزابيث فولرتون" الذي تطرقت فيه لمفهوم "صناعة الفوضى الفنية" إذ عددت فيه بعض الأمثلة التي تؤكد وجهة نظرها في غرابة التقدمين من الفنانين، كما يؤكد أحد النقاد بأن هذا النوع من الفن الذي يزعزع بنيه الحضارة ويخدع الأمم في حين أن الفن كمفهوم له دور أخلاقي.
وإذا تحدثنا عن سوق هذا النوع من الفن نجد أن هناك تواطأ بين رجل الأعمال " تشارلز ساعاتجي" والأكاديمية الملكية للفنون لصلاح جامع القطع الفنية "دايمن هيرست" الذي جمع حوالي 111 مليون جنيه إسترليني بعد تفويت أحد المزادات عام 2008. وما زاد البؤس كيلا أن الأماكن التي تقام فيها المعرض التي تحفل بتلك الأعمال أصبحت ملكية عقارية تابعة للحكومة البريطانية. وتعلق " إليزابيث فولرتون" بأن بعض الفنانين البريطانيين المنتمين لهذا النوع من الفن قد دخلوا غمار "البيزنيس" ومن ثم فبريطانيا على أعتاب انهيار ينبئ عنه حاله من الغضب قد يحين وقتها قريبا.
ومن حيث المتاحف التي تحفل بهذا الفن نجد في كتاب "عمدة الأعمال الفنية لبرادو" الذي طبعه " متحف ديل برادو" أحد المتاحف الإسبانية الذي يحتضن العديد من كنوز الفن الأوروبي، فهذا المتحف يخطف قلب الناقدة الفنية " لورا كومينغ" ما يضمه هذا المتحف من كنوز الإمبراطوريات السابقة في عهودها البائدة، ويقول مدير المتحف بأن القطع الفنية التي يضمها المتحف بين جنباته هي القطع التي خلفها لنا التاريخ بكل ما حمله من دمار وحطام.