مدينة أريحا

تعتبر مدينة أريحا (تل السلطان) أقدم مدينة مأهولة في العالم، حيث سكنها البشر منذ 12 ألف عام، ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، شهدت المدينة حملات تنقيب عديدة، آخرها التنقيبات الرئيسية عام 1953 تحت إشراف عالمة الآثار كاتلين كنيون، والتي أمكن من خلاها إثبات تاريخ الموقع باستخدام طريقة مبتكرة في التنقيب، واستمر فريق البحث في التنقيب لفترة طويلة، عثر خلاها على آثار تعود إِلى الحضارة النطوفية، وتوصلت إِلى معرفة الكثير عن حياة الناس في العصور الباكرة، وأثناء مغادرة الفريق الموقع، لمح أحدهم جمجمة بارزة كانت موضوعة على شكل زاوية.

وتبين بعد ذلك أن تلك الجمجمة كانت جزءًا من مجموعة جماجم عديدة تم اكتشافها في الموقع، وبعد ذلك تم نقل إحدى الجماجم إلى المتحف البريطاني، وعندما تم تجميع أجزاءها تبين أنها جمجمة بشرية ملفوفة في الجبس، وعند النظر إلى تلك الجمجمة، سترى أن عظامها تبرز فوق مستوى حواف الجص الخام، وعظام الجزء العلوي مشقوقة، وتبدو وكأنها ملصوقة، وقد تكون هذه الشقوق جراء عوامل ضغط التربة التي كانت مدفونة فيها لمئات السنين.

وتشبه هذه الجمجمة الدمية كثيرًا، فخداها منتفخان وهي ناعمة كالخزف، وقد طرحت أسئلة تمكنت التكنولوجيا الحديثة من الإجابة عليها، فمن خلال الفحص بالأشعة المقطعية، أصبح من السهل رؤية وراء وداخل الجمجمة دون اختراقها، ويبقى السؤال هو: من هو الإنسان صاحب هذه الجمجمة؟

ومؤخرًا، عرض المتحف البريطاني الجمجمة بالتعاون مع متحف التاريخ الطبيعي الذي كانت له جهودًا قيمة في التحليل والتصوير بإجراء فحص الأشعة المقطعية غير الغازي، ودراسة طبقات الجمجمة كلٌ على حدة، وأظهر هذا البحث تفاوت سمك الجمجمة. بعد ذلك، تم التقاط صورة ثلاثية الأبعاد لها، ثم تم نحت الصورة وأُعيد بناء عضلات الوجه إلى أن ظهر الشكل النهائي لتمثال على هيئة وجه رجل في العقد الثلاثين.

وكانت عينا الشاب صغيرتان وشفتاه مكتنزتان وجبينه قاسٍ، أما الأسنان فكانت تالفة بشدة، ويبدو أن الرجل كان يعاني من ألم في أسنانه، وإذا نظرت إلى الأنف ستجدها مكسورة، بل كُسرت خلال حياة صاحب الجمجمة، فيما يبرز حاجز الأنف المنحرف بشكل واضح. في حين كان الفك السفلي مفقودًا، وتم تصميم فكًا جديدًا، وتشير الضربة الموجودة خلف الجمجمة إلى أن صاحبها قد يُكون قُتل.