المدينة البراقة

قد يبدو المكان قمة من الخراب التي تطل من وسط الكروم الزاحفة والعشب الطويل، لكنه ليس معبد قديم، وإنما كان قصرا براقا قبل 40 عامًا فقط، حيث توافدت إليه جحافل من الصحافيين من جميع أنحاء العالم لمشاهدة محمد علي يتدرب للقتال في ساحة الملاكمة.

لمدة خمسة أسابيع، كان المركب في أساس هذا الخراب المتداعي على حافة الغابة منزلا لعلي، الذي يفترض أنه عاش فيه حياة الرهبانية، حتى وصل إلى الحلبة أمام 50 ألف متفرج في قلب أفريقيا، كان الواقع على العكس من ذلك، لقد كان هذا المكان ملكا لواحد من أكثر الطغاة المستبدين في العالم، وهو رجل يميل للتعذيب والقتل وافتضاض العذارى، والمكان الذي تزوج فيه الملاكم سرا للمرة الثالثة، في حين لا زال متزوجا من الثانية.

نيسيل، التي تقع على بعد 40 كم خارج كينشاسا، عاصمة ما هو معروف اليوم بجمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكن بعد ذلك أصبحت زائير، وكان في السابق واحدا من أكثر القصور تألقا لحاكم موبوتو سيسي سيكو، علي الذي كان عمره في حينها 32 عاما، كان ينبغي أن يكون هنا فقط في غضون أسابيع من وصوله في سبتمبر 1974 ، وكان من المفترض أن يخوض معركته ضد جورج فورمان، ولكن تم تأجيله بعد أن أصيب فورمان في عينه، وبقي الرجال في نيسيل لمدة خمسة أسابيع أخرى، في انتظار لحظتهما في الحلبة.

كان الانتظار شيء يود كل من الرجلين تجنبه، ولكن الصحافيون كانوا قد كشفوا وقتها كيف أنهما لا يحبا زائير، كما كان هناك حديث عن تسمم الأغذية، المخاوف بشأن المياه، وحتى الشياطين الإناث، في الواقع، الشيء الأكثر شرا كان الرجل الذي استضافهما، الرجل الذي دفع 10 مليون دولار جنيه لاستضافة اللعبة، 5 مليون لعلي، و 5 مليون أخرى لفورمان، وكان موبوتو سيسي سيكو كوكو نجبيندو وا زا بانجا، والتي تترجم إلى "محارب جميع الأقوياء الذين بسبب قدرته على التحمل والإرادة غير المرنة للفوز والانتقال من الفتح إلى الغزو وترك النار في ظهره"، كان في السلطة لمدة عشر سنوات تقريبا من قبل الوقت الذي جاء فيه المقاتلان من فرنسا.

الديكتاتور، الذي ولد من جوزيف ديزيريه موبوتو، كان شخصية يمكن التعرف عليها على الفور من قبعته من جلد النمر وقصب خشب الأبنوس، ولكن وراء مظهره المرح نوعا ما كان الرجل الذي لا يتورع عن أي شيء من أجل السلطة، كان مناخ الخوف التي ما زال قائما على زائير، الاسم الذي اختاره سيسي سيكو لمملكته الجديدة، قبل وقت طويل من وصول علي وفورمان.

وأسس الطاغية سمعة لتعذيب خصومه، أثناء إعدام أصدقائه وزملائه القدامى بسعادة أمام الحشود الضخمة، في حالة أن يجرؤ أي شخص آخر على تحدي حكمه كزعي زائير، ويقال أن هناك جدران في ستاد دو 20 ماي، حيث وقعت الاشتباكات في نهاية المطاف في الساعة 04:00 يوم 29 أكتوبر 1974، حيث تناثرت ثقوب الرصاص من حيث اصطف الناس وقتلهم رميا بالرصاص، وكان سيسي سيكو معروفا أيضا باستدعاء التقليد القديم بحق الملاحقة، أو افتضاض العذارى، كما سافر في جميع أنحاء البلاد. وفقا لالكونغو ديفيد فان ريبروك، حيث قدم الناس فتياتهم الصغيرات لزعيمهم، معتقدين أن هذا شرف، ولكن فان ريبروك ذهب إلى ما أبعد من ذلك، أن سيسي سيكو اعتاد النوم مع زوجات وزراء حكومته من أجل إذلالهم، وضمان أن يعرف أسرارهم، لكن على الرغم من هذا الاهتمام في التقاليد القديمة، كان سيسي سيكو متشوقا لأن ينظر إليه من العالم باعتباره محدثا وتطلعي، وال10 مليون دولار كانت ثمن قليل لتصوير البلاد على أنها متقدمة، ويقال انه اعتاد الحبس العشوائي في السجون لضمان خلو شوارع كينشاسا من الجريمة.

وكشف إيان وودريدغ، الصحفي بالديلي ميل الذي أرسل لتغطية الحرب: "نحن نعلم أننا لن نكون في مأمن من السلب في الشوارع، في حفلة كوكتيل المفوضية العليا البريطانية مسؤول حكومي أبلغ عرضا أن عدد قليل من النشالين سيئي السمعة قد جمعوا وشنقوا على الأشجار في الساحة الرئيسية في كينشاسا"، وانتشرت سمعة رهيبة عن سيسي سيكو بأنه كان من آكلي لحوم البشر، كما عرف بأنه يشرب كؤوس من دم البشر، وبصرف النظر عن التعذيب والإعدام، كان سيسي سيكو يركز على المال، في الوقت الذي كان فيه مطاردا من البلاد في عام 1997، بعد 32 عاما من الحكم المطلق، قال أنه قد اكتسب أملاك واسعة في جميع أنحاء أوروبا، وحساب مصرفي سويسري يحتوي على عدة مليار دولار.

في الوقت نفسه، البلد الذي فر منها كانت تغرق في الفساد كما ابتلعتها الغابة، فالبنية التحتية متهالكة والمستشفيات دون طب، ومنفذو القانون تحولوا إلى الجريمة من أجل البقاء، ولم يكن هناك فرصة لعلي كي يلاحظ هذا الانهيار، ففي حين كان من المفترض أن يركز على المعركة، وقع في الحب لإحدى فتيات الغابة تدعى فيرونيكا بورش، كان عمرها 18 عاما فقط حينما التقت بعلي، الذي كان متزوجا خليلة كاماتشو علي في حينها، في سولت لايك سيتي.

وبدأ الاثنان علاقة غرامية، كانت خليلة التي كانت تقيم في فندق على مقربة من الكومباوند، على علم بها تماما، حيث أدركت أن زوجها لديه علاقة خارج إطار الزواج، ولكن ما لم تعرفه أن علي قد قرر بالفعل أن يتزوج عشيقته الجديدة في احتفال إسلامي سري، قبل أسبوع من القتال، على الرغم من المخاوف في معسكره من أنها قد تكون جاسوسة بعث بها فورمان، وقد صرحت بورش في 2014 أنها أحبت علي، لذلك وافقت على الزواج منه، وقد أبقيا على "الزواج" سرا على مدى السنوات الثلاث التي تلته، حتى إتمام طلاقه من خليلة في عام 1977، بعد فترة طويلة من تركهما لزائير.