الرئيس الجنوب إفريقي الأسبق ثابو مبيكي وتوني بلير

أصدر الصحافي الجنوب أفريقي جون ماتيسون، كتابًا جديدًا بعنوان "الجواسيس والأكاذيب"، ويشير الكتاب إلى مشاركة توني بلير في حرب العراق على الرغم من تقرير بواسطة خبراء من جنوب أفريقيا على معرفة فريدة بالبلاد يؤكد عدم امتلاك أسلحة دمار شامل.

ويكشف الكتاب عن محاولات الرئيس ثابو مبيكي في ذلك الحين إقناع كل من بلير والرئيس الأميركي بوش، بأن إسقاط الرئيس صدام حسين عام 2003 سيكون خطأ فادحًا.

وحاول نيلسون مانديلا الذي خلف مبيكي، إقناع الزعيم الأميركي أيضًا لكنه لم يلتفت إليه ما أثار غضب مانديلا عندما قال: "الرئيس بوش لا يعرف كيف يفكر"، وتأكد هذا الادعاء في هذا الأسبوع بواسطة مكتب مبيكي الذي أكد أنه ناشد كلا الزعيمين حتى يخضعوا إلى تقرير خبراء أسلحة الدمار الشامل، وعرض أن يكون وسيطًا بينهم مع صدام حسين في محاول للحفاظ على السلام.

وكان لدى جنوب أفريقيا نظرة خاصة بشأن أسلحة الدمار الشامل المحتملة في العراق نتيجة تعاون البلدين، وخصوصًا في برنامج الأسلحة البيولوجية والكيميائية لدى حكومة الفصل العنصري في فترة الثمانينات، وتم التخلي عن البرنامج بعد نهاية حكم الأقلية البيضاء عام 1994 إلا أن فريق الخبراء اجتمع ثانية في إطار مشروع "كوست" بواسطة مبيكي للتحقيق في تأكيدات الولايات المتحدة وبريطانيا أن صدام لديه أسلحة دمار شامل وهي الفرضية الأساسية لشن الحرب، وطلب مبيكي الذي يحظى بعلاقات إيجابية مع كل من بلير وصدام تمكين فريق الخبراء من العمل.

وكتب ماتيسون في كتابه: "وافق صدام وسمح لفريق خبراء جنوب أفريقيا بالتجول بحرية دون قيود في جميع أنحاء العراق".

وأضاف أنه لجأ إلى مصادر في الحكومة البريطانية والحكومة في جنوب أفريقيا: "كان لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية للأمم المتحدة على مواقع أسلحة الدمار الشامل، وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة على علم بهذه المهمة ومدى تقدمها".

واستخدم فريق الخبراء معرفتهم المسبقة بالعراق، وبيّن ماتيسون: "كان الخبراء على معرفة بأراضي العراق لأنهم سافروا إلى هناك من قبل  كضيوف مرحب بهم من قبل صدام عندما كانت البلدان تبنيان أسلحة الدمار الشامل، وبعد عودتهم أكدوا عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وكان الخبراء يعرفون مواقع الأسلحة في العراق والشكل الذي تبدو عليه ولم يكن هناك أسلحة دمار شامل في العراق".

ويشير الكتاب إلى أن مبيكي خلف مانديلا عام 2003 كرئيس لجنوب أفريقيا وأرسل فريقًا إلى واشنطن لشرح النتائج ولكن دون نجاح يذكر.

والتقى مبيكي مع بلير لمدة ثلاث ساعات في تشيكرز في 1 شباط / فبراير، محذرًا من أن إزالة حزب "البعث" وصدام حسين ربما تؤدى إلى مقاومة وطنية قوات التحالف، إلا أن القوات العسكرية الضخمة كانت في طريقها إلى العراق بالفعل، وعندما أدرك المدير العام لمكتب الرئيس فرانك تشيكين أنه سيتم تجاهل جنوب أفريقيا كانت هذه واحدة من أكبر صدمات مبيكي والتي كتب عنها في مذكراته لاحقا.

وتابع ماتيسون: "مانديلا متقاعد حاليًا لكنه حاول أيضًا، وكان مانديلا ومبيكي مهتمين بالقضية ذاتها في العراق، حيث اتصل مانديلا بالبيت الأبيض طالبًا الحديث مع بوش إلا أن بوش ماطل وأرسله إلى كوندوليزا رايس، ثم تحدث مانديلا مع الرئيس بوش الأب وتحدث بوش الأب مع نجله ليأخذ بنصيحة مانديلا إلا أن مانديلا لم يحدث تأثيرًا، وغضب مانديلا كثيرًا حتى أنه صرّح أمام الكاميرات بأن بوش لا يعرف كيف يفكر".

وبدأت الضربات الجوية على بغداد في 19 آذار / مارس ما أدى إلى الصراع الذي استمر لأكثر من عقد من الزمن وأسفر عن مقتل مئات الآلاف من الناس وتصاعد تنظيم "داعش".

وأكد المتحدث باسم مبيكي، موكوني راتشيتانغا أن مبيكي التقى مع بلير في تشيكرز لتقديم المشورة ضد الحرب وتورط بريطانيا فيها، واختلف بلير معه وأصر على أن يكون بجانب بوش.

وذكر راتشيتانغا: "أخبر مبيكي رئيس الوزراء أن حكومة جنوب أفريقيا كانت على وشك إرسال خبرائها لمساعدة وتشجيع العراقيين على مد يد التعاون الكامل لمفتش الأمم المتحدة الدكتور هانز بليكس، وحث رئيس الوزراء على انتظار تقرير خبراء جنوب أفريقيا قبل اتخاذ أي قرار بالالتزام النهائي بالمشاركة في الحرب ضد العراق، ورد بلير رئيس الوزراء حينها على هذه المعلومات وأخبر الرئيس مبيكي أن خبراء جنوب أفريقيا يجب أن يعملوا وهم على علم بأن اتخاذ قرار الحرب ضد العراق على بعد دقائق".

وبيّن أن مبيكي اتصل هاتفيًا ببوش عام 2003 وحاول إثناءه عن المشاركة في حرب العراق، وقال بوش: "إنه لا يرغب في المشاركة في الحرب لكنه بحاجة إلى التأكد بشكل مقنع من أن العراقيين لا يملكون أسلحة دمار شامل لتجنب غزو العراق".

وجاء في الكتاب: "أبلغ مبيكي بوش بتقرير خبراء جنوب أفريقيا والذي أرسل بالفعل إلى الأمين العام للأمم المتحدة والدكتور هانز ومجلس الأمن الدولي، وأخبر الرئيس بوش أن التقرير يؤكد أن العراق لا تمتلك أسلحة دمار شامل، وأشار بوش إلى أنه لم يكن يعرف شيئًا عن التقرير لكنه سيحصل على نسخة من سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة في نيويورك".

وأفاد راتشيتانغا بأنه لم يتضح ما إذا كان بوش حصل على نسخة من التقرير أم لا، واتصل مبيكي لاحقا ببلير وطلب منه إيجاد إشارة مقنعة للرئيس الأميركي من صدام حسين ووعد بأنه سيتصل بصدام لإقناعه بإرساله مثل هذه الإشارة، وعلم الرئيس مبيكي فيما بعد من مصادره أن بلير لم ينقل الرسالة إلى الرئيس بوش، ولم ينف مكتب بلير اجتماعًا مع مبيكي أو التفاصيل التي قيلت.

وأردف: "كل هذه المعلومات خاضعة للرقابة وتم فحصها للتقييم من قبل وكالات الاستخبارات لدينا، وأوضحت وكالات استخباراتية أخرى أن صدام كان يملك أسلحة، وتصرفنا بطبيعة الحال بناء على المعلومات من وكالاتنا الخاصة، وكما نعلم الآن أنه على الرغم من استخدام صدام الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع ضد شعبه لم تتواجد الأسلحة بالطريقة التي كنا نعتقدها".

وفي مقابله له الشهر الماضي وقبل صدور تحقيق تشيلكوت اعتذر رئيس الوزراء السابق توني بلير بسبب تلقيه معلومات استخباراتية خاطئة، واعتذر أيضًا عن أخطاء في التخطيط للحرب لكنه أوضح أنه وجد صعوبة للاعتذار عن الإطاحة بالرئيس السابق صدام حسين.