دمشق - فلسطين اليوم
أكد الرئيس السوري، بشار الأسد، أن كل شيء في العالم يتغير الآن فيما يتعلق بسورية، وعلى كل المستويات، المحلية والإقليمية والدولية، نبينًا أن ومهمته، طبقًا للدستور والقوانين، هي تحرير كل شبر من الأرض السورية.
وأضاف "الأسد"، في تصريح إلى عدد من وسائل الإعلام الفرنسية: "نحن نأمل أن يرى أي وفد يأتي يزورنا حقيقة ما حدث ويحدث في سورية على مدى السنوات الأخيرة، وأن يكون هناك، في الدولة الفرنسية، من يريد أن يصغي إلى هذه الحقائق".
وأوضح أن المشكلة، فيما يتعلق بفرنسا بوجه خاص، هي أنها لا سفارة لها في سورية، وأن الفرنسيين لا يقيمون أي علاقات مع سورية على الإطلاق، وبالتالي يمكن القول إنها "دولة عمياء"، مضيفًا: "كيف يمكنك وضع سياسة حيال منطقة معينة إذا لم تكن ترى ما يحدث فيها، إذن ينبغي أن ترى، تكمن أهمية الوفود التي تزور سورية في أنها تمثل عيون الدول، لكن ذلك يعتمد أيضًا على الدولة، هل تريد أن ترى؟، أم أنها تريد الاستمرار في تبني سياسة النعامة، ولا تريد أن تقول الحقيقة؟، أقول هذا لأن كل شيء في العالم يتغير الآن فيما يتعلق بسورية، وحتى هذه اللحظة لم تغير الإدارة الفرنسية موقفها، وما زال الفرنسيون يتحدثون نفس اللغة القديمة المنفصلة عن واقعنا، لهذا نأمل أن يكون هناك في الدولة الفرنسية من يريد أن يصغي لهذه الوفود وللحقائق، أنا لا أتحدث عن رأيي، بل عن الواقع في سورية، وبالتالي لدينا أمل".
وردًا على سؤال حول شعوره عندما يرى صور مئات المدنيين الذين قتلوا في عمليات القصف في حلب، قال "الأسد": "بالطبع من المؤلم جدًا لنا كسوريين أن نرى أي جزء من بلادنا يدمر، أو أي دماء تراق في أي مكان، هذا بدهي من الناحية العاطفية، لكن بالنسبة لي كرئيس أو كمسؤول فإن السؤال بالنسبة للشعب السوري هو ماذا يجب أن أفعل حيال ذلك؟، لا يتعلق الأمر بالمشاعر فقط، السؤال هو كيف سنعيد بناء مدننا".
وأشار إلى أن قصف شرق حلب كان الحل الوحيد لاستعادة السيطرة على المدينة، مبينًا أن الأمر يعتمد على نوع الحرب التي تبحث عنها، مضيفًا: "هل تبحث عن حرب هادئة؟، حرب دون دمار؟، لم أسمع أن هناك حربًا جيدة على مدى التاريخ، فكل حرب سيئة، لأن كل حرب تنطوي على دمار، وكل حرب تنطوي على القتل، ولذلك فكل حرب سيئة، لا تستطيع القول هذه حرب جيدة، حتى لو كانت لسبب جيد أو نبيل، وهو الدفاع عن وطنك، فهي تبقى سيئة".
وأوضح أن الحرب ليست حلاً لو كان هناك أي حل آخر، لكن السؤال هو كيف يمكن تحرير المدنيين في تلك المناطق من المتطرفين؟ هل من الأفضل تركهم تحت سيطرتهم وقمعهم وتركهم لقدر يحدده أولئك المتطرفون بقطع الرؤوس والقتل، في ظل عدم وجود دولة؟ هل هذا دور الدولة أن تجلس وتراقب؟، مؤكدًا أن دوره هو أن يحررهم، وهذا هو الثمن أحيانًا (أي الدمار)، لكن في النهاية يتم تحرير الناس من المتطرفين.
وأضاف الرئيس السوري أن وقف إطلاق النار يرتبط بأطراف مختلفة، ولهذا يمكن القول إن هناك وقف إطلاق نار قابل للحياة عندما تتوقف كل الأطراف عن القتال وإطلاق النار، وهذا ما لم يحدث في العديد من المناطق في سورية، وأورده مركز المراقبة الروسي لوقف إطلاق النار، مبينًا أن ثمة انتهاكات لوقف إطلاق النار يوميًا في سورية، بما في ذلك دمشق، وهذا يحدث في دمشق بشكل رئيسي لأن المتطرفين يحتلون المصدر الرئيسي للمياه لدمشق، حيث يُحرم أكثر من خمسة ملايين مدني من المياه منذ ثلاثة أسابيع، ودور الجيش السوري هو تحرير تلك المنطقة لمنع أولئك المتطرفين من استخدام المياه لخنق العاصمة، لذلك تستمر المعارك لمنع "تعطيش" العاصمة.
وأكمل حديثه موضحًا أن وقف إطلاق النار لا يشمل "النصرة" و"داعش"، مبينًا أن المنطقة التي يقاتل الجيشس لتحريرها، أخيرًا، والتي تشمل الموارد المائية للعاصمة دمشق، تحتلها "النصرة"، التي أعلنت رسميًا أنها تحتل تلك المنطقة، وبالتالي فهي ليست جزءًا من وقف إطلاق النار، أما ما يتعلق بالرقة، فأكد أنه مهمته، طبقًا للدستور والقوانين، أن يحرر كل شبر من الأرض السورية، لكن المسألة تتعلق بـ"متى"، وما هي الأولويات، وهذا أمر عسكري يرتبط بالتخطيط العسكري والأولويات العسكرية، لكن وطنيًا ليست هناك أولويات، فكل شبر من سورية هو أرض سورية وينبغي أن يكون خاضعًا لسيطرة الحكومة.
وتعليقًا على المفاوضات المزمع عقدها في "أستانة"، قال: "نحن مستعدون، وأعلنا أن وفدنا إلى ذلك المؤتمر مستعد للذهاب عندما يتم تحديد وقته، ونحن مستعدون للتفاوض حول كل شيء، وعندما تتحدث عن التفاوض حول إنهاء الصراع في سورية أو حول مستقبل سورية فكل شيء متاح، وليست هناك حدود لتلك المفاوضات، لكن من سيكون هناك من الطرف الآخر؟ لا نعرف حتى الآن؟، هل ستكون معارضة سورية حقيقية؟ وعندما أقول حقيقية فإن ذلك يعني أن لها قواعد شعبية في سورية، وليست قواعد سعودية أو فرنسية أو بريطانية، وينبغي أن تكون معارضة سورية كي تناقش القضايا السورية، وبالتالي فإن نجاح ذلك المؤتمر أو قابليته للحياة ستعتمد على تلك النقطة".
وأوضح "الأسد" أنه مستعد حتى لمناقشة منصبه كرئيس، مضيفًا: "لكن منصبي يتعلق بالدستور، والدستور واضح جدًا حول الآلية التي يتم بموجبها وصول الرئيس إلى السلطة أو ذهابه، وبالتالي إذا أرادوا مناقشة هذه النقطة فعليهم مناقشة الدستور، والدستور ليس ملكًا للحكومة أو الرئيس أو المعارضة، ينبغي أن يكون ملكًا للشعب السوري، ولذلك ينبغي أن يكون هناك استفتاء على كل دستور، هذه إحدى النقاط التي تمكن مناقشتها في ذلك الاجتماع بالطبع، لكنهم لا يستطيعون القول نريد ذلك الرئيس أو لا نريد هذا الرئيس، لأن الرئيس يصل إلى السلطة عبر صندوق الاقتراع، إذا كانوا لا يريدونه فلنذهب إلى صندوق الاقتراع، فالشعب السوري كله ينبغي أن يختار الرئيس، وليس جزء من الشعب السوري".
وأشار الرئيس السوري إلى رغبته الحقيقية في تحقيق السلام في سورية، حيث عرضت الحكومة العفو عن كل مسلح يسلم أسلحته، ونجح ذلك، ولا يزال الخيار نفسه متاحًا لهم إذا أرادوا العودة إلى حياتهم الطبيعية، مبينًا أن هذا أقصى ما يستطيع تقديمه، أي العفو.
وتعليقًا على الانتخابات الرئاسية الفرنسية، قال "الأسد": "ليست لدينا أي اتصالات مع أي من المرشحين، ولا نستطيع الاعتماد كثيرًا على التصريحات والخطابات التي يطلقونها خلال حملاتهم الانتخابية، ولذلك فإننا نقول دائمًا لننتظر ونر ما السياسة التي سيتبنونها بعد أن يتسلموا منصبهم، لكننا نأمل دائمًا أن تكون لدى الإدارة الجديدة أو الحكومة أو الرئيس الرغبة في التعامل مع الواقع، وإبعاد أنفسهم عن السياسات المنفصلة عن واقعنا، كما نأمل أن يعملوا لمصلحة الشعب الفرنسي، لأن السؤال الآن، بعد ست سنوات، بالنسبة لك كمواطن فرنسي هل تشعر بأنك أكثر أمانًا؟ لا أعتقد أن الجواب سيكون نعم، وما يتعلق بمشكلة الهجرة، هل جعلت الوضع في بلادكم أفضل؟، أعتقد أن الجواب هو لا، سواء في فرنسا أو في أوروبا عمومًا، والسؤال الآن هوما السبب؟ هذا هو النقاش الذي ينبغي على الرئيس الجديد أن يخوضه، كي يتعامل مع واقعنا، وليس كما يتخيلونه هم، كما حدث على مدى السنوات الست الماضية".
وأضاف أن خطاب المرشح فرانسوا فيون، وإعطاءه الأولوية لمحاربة المتطرفين، وعدم التدخل في شؤون البلدان الأخرى موضع ترحيب، قائلاً: "لكن علينا أن نكون حذرين، لأن ما تعلمناه في هذه المنطقة على مدى السنوات القليلة الماضية هو أن العديد من المسؤولين يقولون شيئًا ويفعلون عكسه، لن أقول إن السيد فيون سيفعل هذا، لكن علينا أن ننتظر ونرى، لأنه ليس هناك أي اتصال، لكن حتى الآن إذا نفذ ما يقوله فإن ذلك سيكون جيدًا جدًا"، لافتًا إلى أنه لم يكن له مع "فيون" أي تواصل أو تعاون، ولذلك فإنه لن يستطيع تقييمه سياسيًا.
ووجه رسالة إلى السياسيين الفرنسيين قائلاً: :عليكم أن تعملوا لمصلحة المواطنين الفرنسيين، وعلى مدى السنوات الست الماضية تسير الأوضاع في الاتجاه المعاكس، لأن السياسة الفرنسية ألحقت الضرر بالمصالح الفرنسية، وبالتالي سأقول للشعب الفرنسي إن وسائل الإعلام الرئيسية أخفقت في معظم الدول الغربية، وناقض الواقع روايتها، وهناك وسائل الإعلام البديلة، فعليكم أن تبحثوا عن الحقيقة، لقد كانت الحقيقة هي الضحية الرئيسية للأحداث في الشرق الأوسط، بما في ذلك سورية، سأطلب من كل مواطن فرنسي أن يبحث عن الواقع، عن المعلومات الحقيقية، من خلال وسائل الإعلام البديلة، عندما يبحثون عن هذه المعلومات يمكنهم أن يكونوا أكثر فعالية في التعامل مع حكومتهم، أو على الأقل عدم السماح لبعض السياسيين ببناء سياساتهم على الأكاذيب".
وأشار إلى أن تخليه عن السلطة محتمل، وفقًا لإرادة الشعب السوري، مضيفًا: "إذا أردت أن أكون رئيسًا بينما الشعب السوري لا يريدني، فحتى لو فزت في الانتخابات لن أتمتع بدعم قوي، ولن أستطيع تحقيق شيء، وخصوصًا في منطقة معقدة كسورية، لا يكفي أن تنتخب رئيسًا، بل ينبغي أن تتمتع بالدعم الشعبي، ودون ذلك لا يمكن أن أكون ناجحًا، عندها لن يكون هناك معنى لكوني رئيسًا، وإذا كان لدي الشعور بأني أريد أن أكون رئيسًا فسأرشح نفسي، لكن ذلك يعتمد على إرادة الشعب، وإذا شعرت بأن الشعب السوري لا يريدني فلن أكون رئيسًا بالطبع، وبالتالي فإن الأمر لا يتعلق بي بشكل رئيسي، بل بالشعب السوري، وما إذا كان يريدني أم لا".
وردًا على تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، الذي أكد أنه يريد تحسين علاقاته مع روسيا، وهي أحد حلفاء سورية الرئيسيين، أوضح أن المشكلة السورية ليست منعزلة، وليست "سوريةً –سوريةً"، وفي الواقع فإن الجزء الأكبر من الصراع السوري ذو طبيعة إقليمية ودولية، والجزء الأبسط الذي يمكن التعامل معه هو الجزء "السوري- السوري"، أما الجزء الإقليمي والدولي فيعتمد بشكل رئيسي على العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، وما أعلنه "ترامب" واعدًا جدًا، خين أكد أن هناك مقاربة أو مبادرة صادقة لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن ذلك سينعكس على كل مشكلة في العالم، بما في ذلك سورية، مضيفًا أن هذا أمر إيجابي، فيما يتصل بالصراع السوري.