القاهرة - احمد الشناوي
شارك أمين عام الجامعة العربية الدكتور نبيل العربي في اجتماع باريس الذي خصص للنزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي. وبـ"صراحة دبلوماسية" كشف العربي بعض ما حدث داخل الاجتماع، وأهمه الدور "غير السوي" الذي لعبه الوزير جون كيري لمنع صدور توصيات أقوى عن المجتمعين، كان يمكن تضمينها البيان الختامي.
وأشار الأمين العام إلى أن واشنطن وعددا من العواصم الأوروبية يريدون "قلب المبادرة العربية"، بمعنى تسلسل ما يتعين القيام به؛ حتى تدفع الدول العربية للقيام بخطوات أولى لحث إسرائيل على التحرك تجاه الحل؛ وهو ما رفضه الطرف العربي الذي مثله، بجانب الأمين العام، ووزراء خارجية المملكة السعودية ومصر والمغرب. مؤكدا أنه "لا تعديل أو تغيير" في المبادرة العربية، وعزا اهتمام بنيامين نتنياهو بها إلى رغبته في الدخول إلى أسواق الخليج والاستفادة من ثرواتها، وتصوره أن الطريق إلى ذلك يمر عبر المبادرة المذكورة.
أما بشأن الاجتماع في باريس، فقد اعتبره الدكتور العربي مفيدا و"مكسبا"، لكنه رأى في المقابل أن المطلوب هو "مؤتمر تنفيذي" كالمؤتمر الذي استضافته جنيف في عام 1974؛ لأن "محددات" السلام معروفة، وتضمنتها القرارات الدولية؛ وبالتالي لا حاجة لاجتماعات أو مؤتمرات لا يخرج منها سوى تصريحات أو بيانات. مشددا على وجوب شكر الفرنسيين لدعوتهم لهذا المؤتمر. مؤكدا "أنا فعلت ذلك داخل الاجتماع".
وتابع: باريس بدأت بالتحضير له من شهر أيلول/ سبتمبر 2014، وفاتحني وزير الخارجية السابق لوران فابيوس في الموضوع بنيويورك وشجعته. وعقب ذلك جاء إلى القاهرة وعقد اجتماعا مع اللجنة الرباعية العربية "مصر والمغرب والأردن وفلسطين" والأمانة العامة للجامعة، وحمل الوزير الفرنسي معه مجموعة من الأفكار، ولكن ليس خطة محددة. هذا الاجتماع الذي ضم 29 دولة ومنظمة إقليمية ودولية لا يمكن اعتباره إلا مكسبا. كان موضوع النزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي نائما، وكثيرون داخل الاجتماع أشاروا إلى أن الإبقاء على الوضع القائم كما هو عليه أمر غير مقبول. وهذا مكسب أيضا آخر. مؤكدا أن هذا شيء إيجابي، ولكن ما نحتاج إليه حقيقة هو آلية تنفيذية وسقف زمني "للحل". وما تسمى "المحددات" أقرها مجلس الأمن وبالإجماع ومنذ زمن طويل. صحيح أن المؤتمر لم يخرج بآلية "تنفيذية"، لكن الطرف الفرنسي يؤكد أنه سيدعو إلى مؤتمر لاحق قبل نهاية العام. كذلك جرى الحديث عن إيجاد مجموعات عمل. لكن هذا الأمر ليس واضحا بعد. واعتقادي أن غياب فابيوس كان له تأثيره على مجريات الاجتماع. ربما ليس فقط على الاجتماع ولكن أيضا على مجمل الموقف الفرنسي. موضحا: كانت فرنسا تقول إنها ستعترف بالدولة الفلسطينية "في حال فشلت الجهود الدبلوماسية"، واليوم تعدل الموقف. وأريد أن أشير إلى أن وزيرة خارجية السويد كانت واضحة في مطالبتها جميع الدول الحاضرة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. هذا موقف قوي للغاية. وأود طرح سؤال: ما الذي نحتاج إليه اليوم؟ نحن لسنا بحاجة لمؤتمر مدريد آخر أو مؤتمر قريب مما حصل في فيينا "حول النووي الإيراني". نحن نحتاج مؤتمرا للسلام كالذي دعا إليه القرار الدولي رقم 338 الصادر في 22 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973. ذاك المؤتمر في جنيف كان برئاسة أمين عام الأمم المتحدة كورت فالدهايم ورؤساء البعثات المشاركة "هنري كيسينغر وأندريه غروميكو" و3 دول عربية مشاركة هي مصر وسوريا والأردن. وما أريد أن أقوله: إننا بحاجة إلى مؤتمر تنفيذي كمؤتمر جنيف عام 1974، وليس مؤتمرا للمناقشات لا يخرج منه سوى كلام لا تتبعه نتائج.
وقال العربي: الجانب الفرنسي نفسه يقول إن الاجتماع كان تمهيديا ولإعادة إحياء طرح الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي، وكثيرون يريدون إظهار أنه لم يعد مركزيا، وأن النزاع "تحت السيطرة"؛ لكن هذا النوع من المؤتمرات ليس الإطار المناسب للحل المنشود، هذا المؤتمر لم يكن مؤتمرا تنفيذيا للوصول إلى حل، بل كان يطرح فكرة مفادها أننا نريد لكل هذه الدول والمنظمات التي تمثل المجتمع الدولي أن تجتمع وتقول: لا بد من إيجاد حل لهذه المشكلة، والحل يكون عن طريق إقامة دولتين، فلسطينية وإسرائيلية.
واستطرد: يتعين أن نصل إلى تنفيذ ما هو متفق عليه، وبنظري لا بد أن يتم من خلال مجلس الأمن؛ لذلك أخذت القرار 338 مثلا لما يمكن أن يقوم به مجلس الأمن. وعندما يقول وزير الخارجية الفرنسي، ثم يرد نص بذلك في البيان الختامي للاجتماع، إنه ستتم الدعوة لمؤتمر دولي آخر بحضور الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي قبل نهاية العام - فهذا يعني أننا سنكون إما في قلب الانتخابات الرئاسية الأميركية أو بعد انتهائها. كذلك فإن فرنسا مقبلة على انتخابات رئاسية وتشريعية. مبينا: أُكد لنا خلال الاجتماع أن مجموعات العمل التي ستشكل ستباشر تحركها في وقت قريب. وكذلك فإن السفير السابق بيار فيمون - المشترك في هذا الملف - سيأتي إلى منطقتنا الأسبوع المقبل، أو الأسبوع الذي بعده، واتفقنا على أن نلتقي في القاهرة، ولم تحدد مجموعات العمل بدقة، و ما فهمناه من أوساط الرئاسة والخارجية الفرنسيتين أن مجموعات عمل عدة ستشكل، منها المجموعة المهتمة بالمحفزات الاقتصادية، وأخرى للشؤون الأمنية الداخلية "خفض العنف وبناء الثقة"، وثالثة خاصة بالأمن الإقليمي والضمانات الدولية.
وأكد الأمين العام: لا شك أن هناك اهتماما من الدول الأوروبية وأميركا، بدافع من إسرائيل، لقلب المبادرة العربية رأسا على عقب. هذه المبادرة أساسها أن تقوم إسرائيل بخطوات لإنهاء الاحتلال، وأن العرب سيقومون بخطوات لاحقة مقابلة وليس العكس، أي أن يقوم العرب بخطوات حتى تفكر إسرائيل بعدها في ما ستقوم به. أنا تناولت هذا الموضوع بوضوح كامل، وجميعنا - أي المسؤولين العرب الذين حضروا الاجتماع - تحدثوا في هذا المعنى. وبصفتنا جامعة عربية ملتزمون بنص القرار الذي صدر عن وزراء الخارجية العرب السبت الماضي، الذي يقول إن المبادرة العربية تبقى كما هي، ونحن نريد سقفا زمنيا للتنفيذ وآلية مصاحبة.
وبين: بخصوص تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه تذكر المبادرة العربية رأى فيها "عناصر إيجابية"، ربما يكون في ذهنه محاولة الالتفاف على الجهود الفرنسية. وسمعت الصيف الفائت من أحد المسؤولين الأوروبيين أن نتنياهو سعيد جدا بما يحدث في العالم العربي؛ لأنه يعكس مقولة بن غوريون من أن قوة إسرائيل ليست فقط ذاتية، بل أيضا في ضعف وتفتت العالم العربي. نتنياهو يريد الدخول إلى منطقة الخليج حتى يستفيد اقتصاديا وماليا. وربما هو يرى أن هذا الهدف يمكن أن يتحقق عن طريق استغلال المبادرة العربية وفق فهمه لها. إسرائيل تعرف أنها لن تدخل إلى الخليج إلا بعد أن يكون قد قام بشيء ما في الموضوع الفلسطيني، وعبر الاستفادة من المبادرة العربية.
وتابع: قبل 3 أسابيع كان رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس في إسرائيل، وقال خلال مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت": إنه يتعين على العرب القيام بخطوات لطمأنة إسرائيل وتشجيعها على القيام بخطوات باتجاه الحل السلمي. وبصفتنا جامعة عربية لن نقبل أي تعديل أو تلاعب في المبادرة العربية. لكن ليس هناك شيء محسوم بشكل نهائي في العلاقات الدولية. اليوم في ما يتعلق بالملف الفلسطيني، لدينا أهداف محددة ونتكلم بشأنها، وباستطاعتي القول إنه في السنوات الخمس الأخيرة، الأمر الوحيد الذي يتفق حوله العرب هو المسألة الفلسطينية. لا أعتقد حدوث أي نوع من التطبيع مع إسرائيل قبل أن تبدأ إسرائيل الانسحاب "من الأراضي المحتلة"، أو أن تقوم بخطوات في هذا الاتجاه. ربما تعقد مؤتمرات أو اجتماعات وتحصل هناك تعهدات متبادلة. وواضح أن موقف الدول العربية جميعها ثابت، وأنها لا تقبل أي نوع من أنواع التطبيع إلا في إطار تطبيق مبادرة السلام العربية.
وخمَّن العربي سبب قبول إسرائيل حاليا الحلول التي رفضتها منذ عقود بأنها تريد قبض ثمن ما قد تقوم به. والثمن هو سعيها لدخول الأسواق العربية، خصوصا أنه لا أحد اليوم يضغط عليها "من أجل الحل".لافتا إلى أنه مع قدرة إسرائيل على الاستمرار في فرض سياسة الأمر الواقع، وغياب أي ضغوط عليها، فالذي يدفعها إلى الليونة - لا سيما أن الحكومة الحالية ربما الأكثر يمينية في تاريخها - أعتقد أنها تريد ثمنا، تريد أن تدخل إلى العالم العربي، وتكون القوة الاقتصادية الكبرى في المنطقة، وأن تتعامل مع الدول العربية. مشددا على أن عين إسرائيل على دول الخليج، كما أنها تريد سلاما دافئا مع مصر. المشرق والخليج هو الذي يهمها، وعينها على ثروة الخليج والرغبة في الاستفادة منها. هذه هي المسألة الوحيدة التي أتصور أنها تدفعها لكي تقوم بشيء ما. أما الضغوط "الممكنة عليها" فلا نرى لها أثرا، كما أننا نجهل ما يمكن أن تسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأميركية. لكننا سمعنا كلاما من أكثر من مصدر، وقوامه أن الولايات المتحدة ربما تتقدم بشيء ما "اقتراحات" بعد الانتخابات، وقبل أن يتسلم الرئيس الجديد مهماته؛ وهذا يعني أننا نعود لما حاوله الرئيس الأسبق بيل كلينتون، عندما أطلق تحركا دبلوماسيا قبل فترة قصيرة من رحيله عن البيت الأبيض.
وأكد العربي أن الحديث عن مبادرة مصرية دبلوماسية سياسية بشأن ملف النزاع الفلسطيني/الإسرائيلي يعود لكون الرئيس عبد الفتاح السيسي تحدث للمرة الأولى عن ضرورة تسوية هذا الموضوع، وعن استعداد مصر أن تؤدي دورا. وأعتقد أن مصر ستنشط أكثر في موضوع العلاقة بين "فتح" و"حماس"، وستنشط أكثر على صعيد الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي. مشيرا إلى أن قرأ تصريحا لمدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد يقول فيه إن إسرائيل تعتقد أن المبادرات الإقليمية أكثر نجاعة من المبادرات الدولية، مثل المبادرة الفرنسية مثلا، وإن إسرائيل تفضل مبادرة الرئيس السيسي وأن يتولى الأمور فيها طوني بلير.
وأكد أن هذه التصريحات هدفها الالتفاف على المبادرة الفرنسية أو أي مبادرة دولية؛ فهم سيئو النية، ولا أعتقد أن غولد الذي أعرفه شخصيا - لأنه كان سفيرا في نيويورك في الوقت الذي كنت فيه سفيرا أيضا - يمكن أن يصدر عنه شيء حسن؛ لأنه من أكثر الناس تشددا. مؤشددا على أن الوزير جون كيري منذ عام 2013 يتحدث عن المبادرة العربية. فرنسا أو الطرف الأوروبي لم يقوما بأي شيء. لكن الأميركيين الذين كانوا يلعبون دور الوسيط أكدوا لنا أنهم سيضعون حدا للنزاع خلال 6 أشهر، ثم طلبوا 3 أشهر إضافية. لكن لم يحصل شيء حقيقة. ولكن في كل كلامه وفي كل اجتماع، كان كيري يأتي على المبادرة العربية. إسرائيل رفضت الاستجابة للمطالب الأميركية، ولكن كيري هو الذي دفع الإدارة الأميركية لكي تلتزم بالسعي لإيجاد حل للنزاع خلال مهلة محددة. وذهبنا إلى واشنطن واجتمعنا مع الإدارة الأميركية، وجاء نائب الرئيس جو بايدن، وقرأ لنا ورقة تنص على الالتزام الأميركي بالحل خلال الأشهر الستة. وبعد ذلك توقفت المبادرة الأميركية.
وبخصوص مداخلات كيري في اجتماع باريس التي قال فيها لصحافيين أميركيين إنه "لا يتوقع شيئا" من الاجتماع، و"لا مقترحات لديه يقدمها" للمجتمعين؛ أكد أن كيري لم يكن متحمسا بتاتا للاجتماع. والطرف الأميركي لم يلعب في الاجتماع دورا سويا؛ بل لقد كانوا السبب في منع المجتمعين من الخروج بشيء، وكانت "ورقة توصيات" أقوى ما خرجنا به؛ فقد كنا نطالب بأمور كتحديد سقف زمني "لتحقيق الحل"، وآلية الحل، وتحديد المرجعيات. لكن الولايات المتحدة اعترضت في كتابة البيان الختامي. وغيرت مقاطع وخففت من لهجة أخرى، وكان يمكن - في البيان المذكور - أن تكون الإشارة إلى المرجعيات أقوى، لولا الاعتراض الأميركي.
واختتم العربي: علينا أن نأخذ في الحسبان الخطوات الكثيرة التي حصلت في السنوات الأخيرة، أولها الاعترافات الكثيرة بالدولة الفلسطينية من البرلمانات والحكومات، هناك 138 دولة معترفة بفلسطين كدولة، وعلم فلسطين رفع في الأمم المتحدة. وفي رأيي أن النزاع مستمر لمدة طويلة، وعلينا أن نحضر ملفاتنا، ونكسب الرأي العام، ونستغل كل الأبواب: البرلمانات، وحملة المقاطعة، والعصيان المدني، و... علينا القيام بكل الخطوات الممكنة "من هذا النوع"؛ لأن العمل العسكري غير وارد.