لندن ـ كاتيا حداد
كشف المصوّر الصحافي جايلز ديولي، عن القصص الإنسانية الكامنة وراء مجموعة من الصور التي تعكس أزمة ضحايا الحرب السورية، مضيفًا: "إنه اليوم الأخير لي مع خلود وجمال وأعاني كثيرا لاتخاذ القرار، فهل يجب علي إعطاء نسخة مطبوعة من الصور لهم، وفي حقيبتي لدي صورة التقطها لهم قبل عامين ولكن هل يجب أن أعطيها لهم، وترقد خلود المصابة بالشلل في الصورة داخل الخيمة التي تتشاركها مع عائلتها في وادي البقاع في لبنان، ويجلس جمال على طرف السرير ممسكا بيدها وينظر الاثنان إلى بعضهما بحب على عكس حقيقة وضعهم البائس، وإن كان هناك صورة تخون اعتقادي بقوة الصور على التغيير فإنها تلك الصورة، فبعد عامين من التقاطها لا يزال نفس الوضع البائس في الخيمة لم يتغير، كنت أعتقد ربما بشكل ساذج أن رواية قصة خلود ستحدث فارقا لكنها لم تفعل ما جعلني أشعر بالعجز، وأخيرًا أخرجت الصورة من حقيبتي، وقلت لهم وأنا أعطيهم إياها: (عندما التقطت هذه الصورة منذ عامين لم أكن ألتقط صورة لاجئ ولم أكن ألتقط صورة امرأة معاقة لكني كنت ألتقط صورة لزوجين بينهم حب عميق وهذا هو ما أعتني به)".
وأوضح ديولي أنه "في عام 2014 ذهبت إلى لبنان مع المنظمة الدولية للمعاقين لتوثيق وضع بعض اللاجئين السوريين من المسنين والضعفاء والمرضى والعائلات التي تضم عائل واحد والذين يعانون من الإعاقة، والتقيت أشخاص مثل ريم "38 عامًا" وكانت تلازم الفراش في منزلها في إدلب عندما ضرب صاروخ منزلها، وقُتل زوجها بجانبها وتوفى أحد أبنائها وفقدت ريم ساقها، وعندما التقيتها كانت تعيش في خيمة في الطابق العلوي في مبنى لم يكتمل بعد، وكانت لا تزال تتعلم كيفية استخدام الأعضاء الصناعية، ولم تستطع استخدام الدرج ما جعلها محاصرة، ولم ترغب أن يعيش معها أطفالها الناجين بسبب شعورها بالخجل لأنها تعتقد أن إعاقتها لن تجعلها أما مثالية، ويعيش معها والدها فقط، وعندما حاولت التقاط صورة له كان ينظر إلى الجانب الآخر وتركزت نظرته على الجبال البعيدة المغطاة بالثلوج، وتساءلت لماذا ظل ينظر بهذه الطريقة، وأخبرني والدها: (هذه الجبال هي منزلي وأنا رجل مسن وربما لا أعود إلى منزلي مطلقا ولكن على الأقل هذه الجبال آخر ما أراه قبل النوم وأول ما أراه في الصباح)".
وكشف ديولي أنه "خلال الأسابيع الأخيرة التقيت عشرات السوريين مثل ريم التي تناضل من أجل البقاء على قيد الحياة والكرامة كلاجئة في لبنان، وفي عام 2014 كان الوضع بائس بالفعل حيث لجأ أكثر من مليون سوري في مقاطعة تضم 4 مليون فقط وكانت البنية التحتية في البلاد على وشك الانهيار، وكنت لا أزال أتعافى من إصابة أثناء عملي في أفغانستان عام 2011، إلا أت رحلتي إلى لبنان والأشخاص الذين التقيتهم كان لهم أثر عميق في حياتي وعملي، لكني وجدت الإلهام الحقيقي عندما التقيت الفتيات خلود وأية، وتجدد هدفي من التصوير الفوتوغرافي، وفي عام 2013 كان عمر خلود 32 عاما، وكانت تعمل في حديقة المنزل مع أطفالها عندما أطلق عليها أحد القناصة النار وأصاب عمودها الفقري، وأصيبت بالشلل من أسفل الرقبة"، وتقول خلود أنها "كنت أحاول زراعة مساحة صغيرة من الأرض بالقرب من منزلنا حيث لم يكن ممكنا الحصول على الخضراوات وكنت أعتني بالنبات مع أطفالي الأربعة وأصابتني رصاصة في عنقي وسقطت فاقدة الإحساس، ولم يمكنني أن أتحرك"
واستكمل ديولي أنه "بعد علاجها الأولي تمكّنت عائلتها من إخراجها من سورية حتى وجدوا أنفسهم يعيشون في أحد المخيّمات الرسمية في وادي البقاع في لبنان ضمن آلاف المخيمات غير الرسمية المنتشرة في البلاد، وعندما التقيتها كانت هناك قبل 5 أشهر، وكانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين توفّر كوبونات طعام إلا أن الأسرة كانت تعاني، حيث كان يرعاها زوجها طوال 24 ساعة، وعندما سألتها عما تتمنى للمستقبل قالت: (أن أكون أمًا مرة أخرى، أتمنى أن أستطع تحريك أصابعي لأن ابني أحيانا يأتي مصابًا من الخارج ويأتي بجانبي ويهز رأسي ويضع اصبعي على جرحه، أتمني لو استطعت تحريك اصبعي لأجعله يشعر وكأني أشعر بالجرح معه)".
وأشار ديولي إلى أنه "ما أدهشني حقا هو الحب في تلك العائلة، وعلى الرغم من كل هذه المعاناة إلا أنهم لا زالوا يتحملوا ويضحكوا ولديهم أمل، وعاملوني كما لو كنت من أفراد الأسرة، وتقاسموا معي القليل مما لديهم، وعندما قابلت أية وكانت مصابة بالشلل من الخصر إلى أسفل وتعاني من أنحاء عمودها الفقري ما يصعب الجلوس باستقامة عليها، وكان عمرها 4 سنوات، وكانت ضعيفة للغاية وتصورت أنها ربما تمانع أن ألتقط لها صورة، وقضيت اليوم مع عائلتها وأخبرتني والدتها سيهان عن علاقة أية بشقيقتها إيمان، واكنت الاثنتان لا تنفصلان عن بعضهما البعض، وعندما تم قصف منزلهم في إدلب كان عمر إيمان 10 سنوات وحملت شقيقتها أية وظلا على الرصيف لمدة 3 أيام بلا طعام أو ماء وفي الرحلة المحفوفة بالمخاطر من سورية إلى لبنان والتي استغرقت عدة أسابيع كانت إيمان هي من تحمل شقيقتها أية".
ونوّه ديولي إلى أنه " كان من أصعب الأمور الحديث مع أيمن والد أية والذي تحدّث عن إمكانية تقسيم عائلته، وكان وضعهم بائس ويعيشون في خيمة والأطفال دائما مرضى ولا يسمح له بالعمل بسبب وضعه كلاجئ، وتغرق العائلة في الديون بشكل أكبر، وأية لا تحصل على الدعم الطبي المطلوب والأطفال لا يذهبون إلى المدرسة، ما دفع أيمن إلى التفكير في إرسالهم للعيش مع الآخرين، واكن قلقهم الأكثر إلحاحا ما إن كانت أية ستتحمل هذه المصاعب وبخاصة في فصل الشتاء، فيما قاطعتهم أية قائلة: أيه لن تموت، وفي النهاية التقطت صورة لأية وهي تلعب مع إيمان، وكانت تضحك ويمكنك ملاحظة قوتها وشغفها للحياة، بعد عودتي إلى البلاد كنت أفكر في الأسر التي التقيتها وظللت على تواصل مع بعضهم ولا أعلم شيء عن مصير البعض الآخر، وفي عام 2015 كلفتني المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بتوثيق أزمة اللاجئين في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط، وبدأت المشروع في جزيرة ليسبوس وتوثيق المشاهد التي تابعناها عن رحلات اللاجئين إلى برلين، وكنت أعلم أنه لأتبع قلبي علي العودة إلى لبنان وبالفعل عدت في فبراير/ شباط 2016، والتقيت أية وعائلتها وكانوا قد انتقلوا من الخيمة بمساعدة المفوضية ويعيشون حاليا في غرفة مستأجرة في ضواحي طرابلس، ولم يكن مأوى مناسب ولكن بدا الأطفال أكثر صحة، والتقطت صورة لأيه وهي تدفع مقعدها المتحرك خلف أشقائها وهم يصرخون: أسرعي، أصبحت أدرك الألم الذي تعانيه كل يوم ونضالها مع الإعاقة، وكانت حياة العائلة لا تزال صعبة وبالكاد لديهم ما يكفي الإيجار والغذاء، وفي حين تمكن الأطفال من الذهاب إلى المدرسة إلا أنهم يغيبون عن معظم الدروس لأن العائلة لا يمكنها دفع الأموال للحافلة لتنقلهم، ولا يزال والدهم أيمن غير مسموح له بالعمل، وعندما التقيت العائلة للمرة الأولى كانوا يتحدثون عن العودة إلى سورية عندما تسمح الأمور، لكنهم الأن يعتقدون أنهم إن عادوا فليس هناك مدارس أو مستشفيات باقية في ظل هذا الدمار وأنه ليس لديهم أي مستقبل هناك، ومع تراجع احتمالات العودة اقتصر أملهم على إعادة التوطين، ووضعتهم المفوضية لإعادة التوطين في فرنسا ولكن مرت أشهر دون أي أنباء ما جعلهم يفقدون الأمل".
وأفاد ديولي أنه "سعدت أيضا برؤية ريم وأصبحت حاليا قادرة على استخدام الدرج وتعيش معها ابنتها سارة، وقضيت اليوم مع العائلة وتناولت القهوة والخبز وأصبحت حياتهم عاديا نوعا ما وتناقشنا عن الحياة مرة أخرى في سورية، ولكن بالنسبة للاجئين السوريين في لبنان فلا زالوا عالقين فليس لديهم خطط أو يمكنهم إقامة حياة جديدة، وتلقيت اتصالا هاتفيا من خلود وأخبرتني أنها لا تزال تعيش في نفس الخيمة التي التقيتها فيها قبل عامين، وتعجبت كيف يمكن أن تعيش في نفس الخيمة خاصة وأنها تعاني من الشلل ويعمل زوجها على خدمتها 24 ساعة، ومددت فترة إقامتي في لبنان وذهبت لرؤيتهم، وعندما التقيتهم كانت خلود لا تزال لا تتحرك على السرير وزوجها جمال ينظر إليها بحب عميق والأطفال يؤدون واجباتهم على السرير بجوار الوالدين، والمثير للدهشة امتلاء الخيمة بالحب والإيجابية، ومنذ حاولت تجسيد قصتهم بالصور رغبت في قول قصتهم، وفي أخر يوم لي قدمت لهم الصورة التي التقطها لهم من قبل ووعدتهم بأن أروي قصتهم للناس، بعد بضعة أشهر في أغسطس/ أب 2016 كنت في سان فرانسيسكو ألقي خطاب بهدف جمع التمويل للتوعية بأزمة اللاجئين في لبنان، وبعد الحديث أرسل لي فيليب شنايدر وهو عضو في منظمة خيرية تدعى Random Acts، وتهدف المنظمة التي أسستها الممثلة الأميركية ميشا كولينز إلى غزو العالم بفعل واحد وهو اللطف، وتعتمد المنظمة على شبكة من الأشخاص الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعية لرفع مستوى الوعي ومساعدة الأفراد والمجتمعات، وبعد أن استمع شنايدر إلى قصة خلود وأية أراد المساعدة من خلال الجمع بين شبكتي Gishwhes و andom Acts، وتم إنشاء صفحة للتمويل الجماعي لجمع التبرعات ، وبالفعل خلال شهر تم جمع 200 ألف دولار، وتتولى منظمة Random Acts حاليا عملية نقل خلود وعائلتها إلى شقة مع الحصول على الرعاية الطبية اللازمة، وكذلك سيتمكن الأطفال من حضور المدرسة حتى عمر 18 عاما".
وختم ديولي أنه "بغض النظر عن انتمائك السياسي لا يمكن أن ننكر أن عام 2016 شهد المزيد من الرحمة والتسامح وأنه شعور ملهم رغم المشاكل التي يعاني منها العالم إلا ان الشعور بالطيبة واللطف من قبل الغرباء يمكن أن يغير الحياة، وفي نفس الوقت وصلتني أخبار أن أية وعائلتها تستعد إلى بدء حياة جديدة في فرنسا كجزء من خطة إعادة التوطين للمفوضية، وبالفعل قمت بزيارتهم في منزلهم الجديد في لافال على بعد ساعة من باريس بالسيارة، وتقع الشقة في بلدة صغيرة هادئة بضم حدائق يمكن للأطفال اللعب، وساعدت منظمة Random Acts في جلب كرسي متحرك لأية ولأول مرة تمكنت من تحقيق حلمها والذهاب إلى المدرسة، وتناولت العشاء مع العائلة ولأول مرة رأيت الوالدين يبتسمون وأخبرتني سيهان والدة أية وهي تذرف الدموع عن أول ليلة في الشقة الجديدة حيث استطاعوا النوم بأمان لأول مرة وكان حملا ثقيلا مُحي من صدورهم، وفي هذه الليلة أخبرت سيهان أيه أنها آمنه ويمكنها أن تنام في منزلها الجديد بعد أن كانت لا تستطيع النوم في الليالي السابقة".