بغداد ـ نجلاء الطائي
وسط تناقص في الأموال وحالة التشريد الجماعي مع عدم وجود دلائل على استجابة من جانب المجتمع الدولي لنداءات اليزيديين ممن هم في المنفى حتى تكون أوطانهم آمنة، هل تصبح العراق أزمة إنسانية منسية؟
كانت خطوان ميرزا في الشهر السابع من الحمل حينما اجتاح تنظيم "داعش" مدينة سنجار Sinjar في الساعات الأولى من صباح الثالث من آب/أغسطس لعام2014، حيث بدأت "داعش" وقتها في القيام بأعمال قتل علي نطاق واسع استمرت لعدة أيام أسفرت عن وفاة مئات الأشخاص واختطاف العشرات دون مقاومة تذكر من جانب القوات الكردية، وما كان من ميرزا إلا أن لاذت بالفرار برفقة زوجها واثنتين من بناتها الصغار مع اصطحاب بعض المتعلقات وذلك في الثامنة من صباح ذلك اليوم الذي اقتحمت فيه "داعش" المدينة.
واستمرت تلك العائلة في السير لمدة ستة أيام حتى جبل سنجار على أمل التوصل إلى ملاذ آمن يحميهم من المذبحة التي تقوم بها الجماعة المتطرفة داخل المدينة، وكانت ميرزا البالغة من العمر 30عاماً بحسب ما تقول من خلال مترجم تبكي باستمرار وتفكر في مصيرها هي وعائلتها والذي قد ينتهي بالموت.
وأضافت بأن زوجها كان حزينًا بشدة حينما نظر إلى الأطفال الذين يعانون من الجفاف في ظل درجة الحرارة التي تقترب من 50درجة سليزية فضلًا عن عدم وجود طعام أو شراب، ومن ثم قرر الذهاب للبحث عن بعض المياه ولكنه غاب لأكثر من 15 يومًا ما جعلها هي وأطفالها يفقدون الأمل في رجوعه ومن ثم غادروا المكان وهبطوا إلى أسفل الجبل، فيما تم العثور على جثته في وقت لاحق داخل أحد الأودية.
واستمر سويفيان سييدو Swfiyan Seido وزوجته نسرين في البقاء على الجبل برفقة ثلاثة من أطفالهم لمدة سبعة أيام، ويقول سييدو الذي كان يتدرب من أجل أن يصبح محامي بأن عائلته المكونة من أسرته وشقيقته وابن شقيقته استقلت سيارة واصطحبوا بعض الأمتعة الصغيرة وساروا بها تجاه الجبل.
وواصل سييدو حديثه بأن الطقس كان حارًا للغاية ولا توجد مياه أو منطقة مظللة مع توافر كميات محدودة من الطعام فضلًا عن تواجد الآلاف من العائلات التي تتجه سريعًا نحو الجبل هربًا من الاعتداءات التي تقوم بها "داعش" في المدينة، أما والدة نسرين وشقيقها الذي كان للتو قد أنهى دراسته الجامعية وقتها فلم يبقى لهم أثر بعدما اختطفوا من قبل تنظيم "داعش".
وعلى مدار 18 شهرًا شهدنا نزوح جماعي في العراق لنحو 3,1 مليون هارب من العنف
لويز فينان، المعونة المسيحية
وقدرت الأمم المتحدة أن هناك ما لا يقل عن 40,000 من اليزيديين وهي الأقلية المضطهدة التي تشكل الجزء الأكبر من السكان في سنجار Sinjar الواقعة شمال غرب العراق، تقطعت بهم السبل على الجبل في العام الماضي، بينما أحاط بهم المقاتلين من تنظيم "داعش"، ومنذ ذلك الوقت ظهرت العديد من القصص المخيفة لحالات الاغتصاب والإعتداء الذي تعرضت له الفتيات والنساء اللواتي استطعن الهرب من الميليشيات المسلحة، فالحصار الذي عانت منه سينجار ذلك الوقت أسفر عن ما يقرب من 300,000 حالة تشريد لليزيديين إضافة إلي الأزمة الإنسانية المتفاقمة في العراق.
ويقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوشا" بأن نحو 3,1 مليون شخص يعانون حاليًا من التشرد في جميع أنحاء العراق بسبب القتال الدائر ما بين "داعش" من جهة والقوات "العراقية" و"الكردية" من جهة أخرى ـ 1,5 مليون شخص يعيشون حالياً في إقليم كردستان - بينما يعيش حوالي 90% من هؤلاء المشردين خارج المخيمات.
وتبرز الأمم المتحدة بأن ما يقرب من 8,2 مليون شخص هم في حاجة الآن إلي مساعدات إنسانية، في الوقت الذي يعتبر أكثر من أربعة مليون شخص في جميع أنحاء العراق يواجهون انعدام في الأمن الغذائي، فضلًا عن ذلك هناك ارتفاع في أعداد النازحين داخليًا، حيث تقدم العراق الدعم لنحو 250,000 من اللاجئين الذين فروا من سورية منذ خمس سنوات نتيجة الصراعات المحتدمة هناك.
وتعد العراق هي البلد الوحيد في العالم التي تتعامل مع أزمتين في نفس الوقت تصنف على أنها الأشد من قبل الأمم المتحدة، ولكن العجز في الأموال يعرقل جهود مواجهة الموقف، ففي شهر حزيران/يونيو قالت أوشا (Ocha) أنها بحاجة لمبلغ 500 مليون دولار من أجل توفير الخدمات الأساسية للنازحين حتى نهاية العام تذهب 40 % من هذا المبلغ إلى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في العراق خلال عام 2015
ويقلص الانكماش الاقتصادي في العراق الناجم عن تراجع أسعار النفط من قدرة بغداد على معالجة الأزمات التي تعصف بالبلاد، ومع وجود 90 % من النازحين يعيشون خارج المخيمات فإن إقليم كردستان بات يتعرض لمزيد من الضغط مع انقطاع التيار الكهربائي الذي أصبح متكرر.
ويبرز رئيس المكتب الفرعي لتنسيق الشؤون الإنسانية وليام سترانيجو في السليمانية في جنوب كردستان أن نقص الأموال هو مصدر القلق الرئيسي، وبنهاية شهر حزيران كانت المدينة موطنًا لأكثر من 166,700 من النازحين مع ما يقرب من 23,000 لاجئ سوري وبالتالي فإن نقص الأموال يعني كميات أقل من المياه الصالحة للشرب في المخيمات وتوفير أقل الخدمات للنازحين.
وقالت المسؤولة عن الدعوة لتقديم المعونة المسيحية إلي سوريا والعراق لويز فين بأنه على الرغم من أن الوضع الإنساني في المنطقة يشهد تدهورًا مستمرًا إلا أنه لا يندرج ضمن جدول الأعمال الدولي، ولسوء الحظ فإن العراق التي تشهد أعدادًا كبيرة من النازحين على مدار الثمانية عشرة شهرًا الماضية جراء أعمال العنف والتي وصل أعدادها 3,1 مليون هارب أصبحت أزمة منسية وسط عدد لا يحصى من الأزمات في جميع أنحاء العالم.
وأضافت فين أن الغالبية العظمي نمن النازحين يعيشون في مرائب يتم تأجيرها أو مبانٍ غير مكتملة أو حتى على جانبي الطريق.
واختتمت قولها بأن تقديرات التمويل للأمم المتحدة ستغطي فقط الحد الأدنى من المتطلبات " من أجل إبقاء المواطنين علي قيد الحياة "، وتدعو المعونة المسيحية الحكومة البريطانية إلي دعم الجهود الدبلوماسية والسياسية للتوصل إلي حل بشأن الصراع، مشيرة إلى أنها تريد أن ترى الحكومات الوطنية تفكر حقًا في البحث عن حلول سياسية لهذه الأزمات التي يعاني منها الجميع في العراق بشكل يومي بحسب ما تقول.
وتم تأمين ممرًا آمنًا من أعلى الجبل من قبل القوات الدولية بعد أحد عشر يومًا من أول هجمات لتنظيم "داعش" ، وسافرت ميرزا وسييدو مع أسرهم متجهين نحو دهوك في شمال كردستان قبل التوجه إلى السليمانية حيث يستأجران شققاً مجاورة، وتعتمد ميرزا على شقيقها الذي يدعمها بالمال في حين تعتمد أسرة سييدو على مدخراتها التي ستنفذ قريبًا في الوقت الذي تشترك فيه العائلتين في الرغبة نحو العودة إلي ديارهم.