المهاجرون الأفريقيين

كشفت شهادة إحدى للاجئات في عمر الـ 20 عامًا مخاطر الرحلة عبر البحر المتوسط حيث تحمل المهاجرون أشكالًا من العنف المروع والأهوال التي يكون الانسحاب منها أسهل من مواجهة تحديات البحر الأبيض المتوسط​.

ويبدأ الآلاف من المهاجرين الفارين من الاضطهاد محاولة الرحلة المحفوفة بالمخاطر كل عام، مع تقديم الكثيرين منهم مدخراتهم في مقابل الحصول على مكان في قوارب مطاطية يستخدمها مهربون للوصول إلى أوروبا.

وتسرد فيدوزا وهي مهاجرة تبلغ من العمر 20 عامًا الأخطار التي تهدد حياة اللاجئين والمهاجرين الذين يخاطرون بأرواحهم في هذه الرحلة.
وأفادت فيدوزا التي ولدت في الصومال، بأنها اضطرت إلى الفرار من إثيوبيا بعد مقتل والدها وأخوتها، وسط تصاعد العنف في البلاد، وشعرت أن ليس لديها خيار سوى دفع 4800 دولار (3000 جنيه إسترليني) لعصابة مهربي البشر من أجل تهريبها عبر البحر الأبيض المتوسط ​​إلى أوروبا.

وتعرضت المرأة الشابة للعنف والتجويع والتهديد بالقتل من قطاع الطرق المدججين بالبنادق طوال رحلتها لمسافة 4000 ميل عبر خمس دول، وأعطت وصفًا تفصيليًا للرحلة المذهلة لعاملين بسفن الإنقاذ والبحث التابعة لمؤسسة أطباء بلا حدود الذين عثروا عليها في يونيو/حزيران الماضي.
وذكرت أن أصلها يعود لمنطقة بيليت وين في الصومال، ولكن على مدى الأعوام الثلاثة الماضية كانت تعيش في إثيوبيا، ووالدها توفي وهي لا تعلم أين أخذته حركة الشباب ولا تعرف أين قتلته وأين دفن وأخاها الأكبر هو أيضًا متوفي وهي لا تعرف من أين جاءته رصاصة القدر وغرق أخاها الأكبر وهو يعبر البحر برفقتها العام الماضي واحتجزت حركة الشباب والدتها لمدة ستة أشهر، وكانت تظن أنها ميتة، ولكنها أشارت إلى أنها سجنت وتعرضت للضرب بانتظام بالعصي وهددت بالسكاكين.
ومع أن تاريخ عائلة فيدوزا صادمًا لكنه ليس غريبًا في الصومال، حيث تسيطر عليها "الجماعات المتطرفة" مثل "حركة الشباب".

وأضافت فيدوزا أن والدتها أخبرتها أنه طالما لديهم منزلًا يأويهم فلن تغادر وحينها أدركت أن أمها لا يمكنها أن توفر لهم العيش، فقررت أن تجرب حظها.
وكان البحر الأبيض المتوسط هذا العام ​​خلفية لإحدى الأزمات الإنسانية الأكثر تقلبًا في تاريخ أوروبا، حيث عبر عدد قياسي بلغ حوالي 340.000 مهاجر أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كان في عام 2014، حدود الاتحاد الأوروبي هذا العام، وفقًا لوكالة الحدود "فرونتكس".
وتقدم مغامرة البحر بنفس القدر فرصةً لحياة أفضل أو خطر الموت المائي، وهو المعبر الذي سلكه 107.500 مهاجر في يوليو/تموز الماضي فقط ويعتبر هو الملاذ الأخير للاجئين اليائسين الذين يبيعوا حياتهم لشراء وطأة قدم على أحد الزوارق.

وهرب معظم اللاجئين من بلدانهم المقيمين بها بمساعدة من عصابات التهريب الذين يطالبون بآلاف الدولارات الأمريكية مقابل المرور عبر حدود الاتحاد الأوروبي.
وذكرت فيدوزا أنه المهربون طلبوا 4800 دولار أمريكي من كل شخص للرحلة، وبمجرد أن أخبرت والدتها بتكلفة الرحلة قامت ببيع المنزل ودفعت المبلغ حتى وصول الرحلة إلى طرابلس.

وبدأت رحلتها سيرًا على الأقدام وتتذكر الحاجة إلى المشي لمدة 18 ساعة بعد التهرب من حرس الحدود في السودان ونظرًا لعدم وجود توثيق قانوني لرحلتهم يجد اللاجئون أنفسهم بانتظام في تبادل للانتقادات وغالبًا العنيفة مع العصابات الإجرامية وحرس الحدود.
وتابعت فيدوزا أن الشرطة أوقفتهم على الحدود السودانية، فشرحوا لهم أنهم من الصومال وأنهم فارون من ويلات الحرب والفقر، وقاموا بترجيهم بأن يسمحوا لهم بالعبور لكنهم رفضوا، فجرى بعض من مجموعتهم وأطلقت الشرطة عليهم النيران وكذلك على الحافلة الصغيرة التي كانت تستقلها فتأذى بعض المهاجرين وأصيب آخرين بعيار ناري في الساق.
ولكونها امرأة تسافر وحيدة بين الرجال، واجهت تهديدات فاقت خطر الأسلحة النارية، فالمهربون ألحقوا بها آلام إذ تتذكر أنه خلال رحلتها إلى طرابلس تعرضت لأمور كثيرة بما في ذلك الاغتصاب.
وأوضحت الشابة أنه عندما يأتي الليل يفصل المهربون بين الرجال والنساء، حيث أمر اثنان من المهربين النساء، بالحضور معهم من أجل تقديم الطعام والفراش، وأنها كانت تعرف أن هذه أكذوبة؛ لأنهم يريدون أن يذهبن النساء معهم حتى يتمكنوا من اغتصابهن.
وردت النساء أنهن لا يشعرن بالجوع ولا بالبرد إلا أنهما عادا بالمزيد من الوسائل للإقناع وسرعان ما عاد المهربين، وهذه المرة معهما اثنين من الرجال يحملون البنادق ... فأخذوا صديقتها قاني، وعندما وجدها السائق كانت مصدومة ولم تستجب لمدة 24 ساعة لدرجة أنها كانت نظن بأنها ميتة، وأخبرتها صديقتها قاني أنها تتذكر المقاومة والقتال إلا أنها فقدت الوعي بعد الاغتصاب للمرة السادسة.
وكانت المحطة التالية في رحلة فيدوزا في طرابلس، ليبيا، حيث مكثت في مجمع أسمنتي في وسط الصحراء لمدة ثلاثة أشهر حيث كان هناك 412 رجلًا في غرفة واحدة، و 116 امرأة في غرفة أخرى.
ووسط تهديدات بأنهم "سيدفنون كالكلاب"، ومع تقاسم أماكن المعيشة مع "القمل والطفيليات الأخرى" وحالات الوفاة بينهم، حينها فقدت فيدوزا الأمل.
وبيّنت فيدوزا أن إمرأة صومالية توفت وكانت حامل في شهرها السادس جوعًا ومات جنينها كذلك، ومات تسعة صوماليين آخرين من الجوع، وعندما دفنهم مهربي البشر في الصحراء لم يكلفوا أنفسهم عناء حفر القبر، ويستخدمون أيديهم أو لوحات لحفر أضرحة ضحلة وبعد ذلك يغطون الجسم بالرمال، وعندما تهب الرياح تذهب الرمال في مهب الريح وتتعرى الجثث.
وفي طرابلس دفعت فيدوزا الدفعة الثانية وقيمتها 2100 دولار أمريكي لعبور البحر، وكان شغلها الشاغل هو الإفلات من قبضت المهربين، فلا يعني دفعك المال للمهربين، هو أنه بإمكانك المغادرة على الفور، بل يسجلون اسمك ولن تغادر حتى يأتي اسمك في القائمة، حسبما أبلغها المهربون.

ويسير المهربون تحت جنح الظلام، ولكن عندما يكونون على استعداد لمغادرة المجمع تفتح مجموعة من قطاع الطرق النار فتأتي مجموعة من المعتدين للاجئين وتجبرهم على الصعود إلى ثلاث شاحنات قمامة، حيث كان من الصعب التنفس لأن الأبواب مغلقة ورائحة الشاحنة سيئة للغاية.
وطلب المعتدون فدية قيمتها 10.000 دولار أمريكي وهو مبلغ مطلوب من اللاجئين بمجرد رجوعهم إلى المجمع، فدفع بعضهم وقال غيرهم في حالة من اليأس المطلق "لا يمكننا الدفع فافعلوا ما شئتم" و عندما طلبوا منها، أبلغتهم بأنها لا تمتلك هذا المبلغ فاتصل بها وطلب منها أن تدفع 1000 دولار أمريكي وإلا سيقتلونها.
وتابعت فيدوزا أنه وفي نهاية المطاف وصلوا إلى الساحل، وكانت منهكة جسديًا وعقليًا واستذكرت الشعور بعدم الجدوى لأنها و 120 لاجئين آخرين صعدوا على متن مركب مطاطي صغير وحصلوا على 20 زجاجة سعة الواحدة خمسة لتر من الماء وبعض البسكويت.

تستذكر فيدوزا أنه عندما تصعد في البداية على ظهر المركب ستتقبل بالفعل أنك ميت وإنهم لميتون وفكر معظم من هم على متن القارب أنهم غير ناجون إلا قلة قليلة ممن يعتقدون بأنهم سيبلغون المرام، مضيفةً انه عند مقارنة الحياة في ليبيا ورحلة البحر، ستغامر وتأخذ فرصتك في رحلة البحر وإن كانت المنية تنظرك فلتكن في البحر.
على عكس شقيقها والعديد من أبناء وطنها عبرت فيدوزا البحار إلى أوروبا حيث أنقذتها سفينة منظمة أطباء بلا حدود في 7 يونيو/حزيران 2015. وقالوا: "القارب الخاص بك وصل إلينا، أنقذناك، في البداية لم أكن أصدق ذلك - شعرت كما لو أنني أهذي، وبمجرد صعودي لظهر السفينة غشيني النوم سريعًا، وعندما استيقظت أدركت أنني آمنة في نهاية المطاف".
وبالرغم من وصول رحلة فيدوزا لنهايتها، إلا أن هناك عشرات الآلاف من اللاجئين يبدأوا رحلتهم كل أسبوع.، وتلقت اليونان وحدها الأسبوع الماضي ما يقرب 21000 لاجئ ولقد أعربت دول مثل اليونان وإيطاليا مرارًا عن المخاوف من عدم تمكنها من دعم تدفق طالبي اللجوء، والذين بلغ عددهم 156.000 لاجئ في اليونان وفي إيطاليا 103.000 في هذا العام حتى الآن.
وكذا الحال في أسبانيا ومالطا حيث عبر أكثر من 243.000 لاجئ الحدود حتى الآن هذا العام، مقارنة بالمجموع الكلي الذي بلغ 219.000 لاجئ عام 2014، ومما يزيد من إثارة للقلق، أن هناك شائعات على الجزر مفادها أنه ينتظر ما يقدر بنحو أكثر من مليوني لاجئ دورهم للعبور من تركيا (وأفادت اليونان بأن أكثر من 135000 جاءوا من تركيا في عام 2015).