إرتفاع الهجرة غير الشرعية بين الفلسطينيين

يحاول ما لا يقل عن 300 شخص الوصول إلى أوروبا، وقد لقوا حتفهم في واحدة من أسوأ الكوارث في منطقة البحر المتوسط، أما بالنسبة للقلة الناجين، فإن ذاكرتهم لن تنسى قسوة المهربين، الذين ابتزوا الأموال خلال الرحلة البرية من غزة ثم أغرقوا المهاجرين في الماء.

تظهر علامات الإرهاق على الناجين عند ساحل البحر الأبيض المتوسط تحت أشعة الشمس الحارقة، الأخوان "عوض الله" انتابتهم حالة من الهذيان، حيث أكد "محمد" أنه رأى مصاصي الدماء يخرجون من الأمواج، أما "إبراهيم" فاستمر في إزالة سترة النجاة، وتخيل نفسه في منزله في قطاع غزة يغير ملابسه.

وأضاف محمد "أنهم يريدون قتلنا، بدأوأ في الالتفاف حولنا والضحك علينا".

وفي مكان قريب، يوجد "مأمون دمغش" 27 سنة، داعمًا شقيقه الصغير "أمين" 24 سنة، والذي كان ضعيفا ويهلوس، بعد نجاته من القارب المكتظ بالمهاجرين، والذي انقلب يوم 9 أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد أن صدمه قارب آخر في مشاجرة واضحة بين المهربين.

يتواجد الناجين في مركز للمهاجرين والمحاصرين في جزيرة مالطا، ويريدون الوصول إلى بلد توفر لهم اللجوء، ربما السويد أو كندا أو أستراليا.

أصبح مشروع تهريب اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا مشروعًا مربحًا بشكل كبير، ولكنه قاتل، حيث لقى نحو 3 آلاف شخص حتفهم خلال هذا العام، وقدر مسئول في الأمم المتحدة أن عام 2014 مكاسب المهربين ستصل إلى أكثر من مليار دولار، بسبب تلك العمليات المعقدة التي تدخل في إطار العصابات الإجرامية التي تتاجر في السلاح والمواد المخدرة.

وبالنسبة لأوروبا، فإن تدفق هؤلاء اللاجئين يثير التعاطف والاستياء معًا، في حين أنه يشكل معضلة سياسة، فإن ضرورة إنقاذ إنسان يائس في عرض البحر مقابل العبء الاقتصادي والسياسي يعد استيعاب لهم.

ومع التوقع بنمو الهجرة غير الشرعية، هناك سؤال واحد هو ما إذا كان هناك توسيع للهجرة الشرعية، حيث إن الشرطة في حالة من الفوضى على طول الساحل الشمالي الإفريقي وشبكات التهريب تزدهر.

وأكد الممثل الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمواد المخدرة والجريمة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومقره القاهرة، مسعود كارنمبور، أن "الخط الساحلي ضخم ومن المستحيل تشغيل دوريات في كل تلك المساحة، وستذهب الأمور إلى الأسوأ بسبب اضطرابات الناس".

رحلة عوض الله ودغمش توضح مدى سرعة عملية تهريب البشر والتي أتت كرد فعل للاضطرابات في العالم العربي، والتي تنطوي على شبكة معقدة من المهربين وسائقي الحفلات والبيوت الآمنة.

في العام الماضي، تصدرت سورية قائمة الهجرة إلى الخارج، والآن يتزايد عدد الفلسطينيين الذين فروا من قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة في الصيف الماضي بين إسرائيل وحركة حماس، كما أن الهروب من غزة يعني الزحف خلال أنفاق التهريب ثم الركض عبر الصحراء.

كان الإخوة يحاولون الوصول إلى أقاربهم  في السويد، كما أن تكلفة الرحلة وصلت إلى 4 الآلاف دولار، وحال تم تطبيق هذا الرقم على كافة المهاجرين الذين كانوا على متن المركب، فإن أرباح المهربين ستصل إلى 1.2 مليون دولار، خلال الرحلة المميتة الواحدة.

وأوضح مأمون دغمش أن "الحياة في غزة مثل عدم وجود حياة"، وذلك خلال توضيحه أسباب ترك غزة مواجها تلك المخاطر حتى يصل إلى أوروبا.

وبالنسبة للأخوين عوض الله، دمر القصف الإسرائيلي شقتهم والدراجة النارية التي كانوا يستخدمونها لكسب المال من خلال توصيل الطلبات، وقد أصبحوا مشردين وعاطلين عن العمل، لذلك قررا الالتحاق بعمهم في السويد، وبدأ يبحثا عن طريقة للهرب.

وأضاف محمد عوض:" بدأ الناس في إعطائنا أرقام هواتف وحصلنا على رقم أبو أشرف، الذي قال لنا إن كل شيء قانوني".

وأثناء المقابلات في غزة، عرف الناس "أبو اشرف المصري" على أنه مهرب معروف، كما لا يمكن الوصول إليه للحديث معه، ولكن يمكن الوصول لابن عمه "سمير المصري".

يمكن للفلسطينيين الدخول إلى مصر بأوراق قانونية من خلال معبر رفح الحدودي، أما لأولئك الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، دائما يحصلون على تأشيرة مصرية مزورة، وحال توقيفهم من قبل الجانب المصري، يهربون عبر الأنفاق.

وأوضح الأخوين "عوض الله" أنهما استعانا بأبوأشرف للهروب، كما أن هناك سلم ينحدر بنحو 70 قدمًا، زحفوا إليه لنحو ثلاث ساعات، وفي النفق المظلم انتظروا نحو تسع ساعات للوصول إلى إشارة المخرج المصري، وأوضحًا أن مهرب فتح باب المعبر، وحين لاحظ حرس الحدود المصري بدأوا في إطلاق النار، وصرخ المهرب "أهربوا، أهربوا،أهربوا"، وركضا إلى مجموعة أخرى من المهربين أدخلوهم في سيارة.

طلب المهربون من الأخوين 50 أو 100 دولار كرشوة لإعادة جوازات سفرهم.

حسب بعض التقديرات، يختبأ نحو مليون مهاجر على ساحل شمال إفريقيا من ليبيا إلى مصر، ويصلوا إلى ذروتهم خلال أشهر الصيف، لانتظار القوارب.

في مصر ارتفعت نسبة التهريب من موانئ الإسكندرية وذلك منذ بدء النزوح السوري في عام 2013، حيث كانت خمسة أو سبعة مراكب تغادر كل أسبوع، الآن من خمسة إلى سبعة مراكب كل يوم.

وأكد أحمد الشاذلي ومحمد الكاشف، وهم يراقبان الهجرة غير الشرعية في الإسكندرية للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومجموعة حقوق الإنسان، أن "المهربون في مصر يقدمون ما يعادل سعر البطاقة، ويرتفع سعرها في فصل الصيف، لأن البحر المتوسط يكون أقل خطورة".

ويضيفان: "تكلفة الشخص الواحد تصل إلى ألفي دولار، وتشمل شرب الماء فقط، وترتفع الأسعار لو أراد المهاجر وجبة واحدة يوميًا، تصل الأسعار إلى 4 آلاف دولار، حال المرور مباشرة إلى ألبانيا والتي تقصر الطريق إلى الدول الاسكندنافية والتي تقدم الكثير من المساعدات للاجئين".