دمشق - نور خوام
انطلاقًا من عمله كمترجم لتنظيم "داعش" في سورية، فقد كان جان محمود يحيي أول شاهد على الرعب الذي أحدثه "نظام الخلافة الاسلامية". وهو يقبع حالـياً في سجن المزة Mezze سيء السمعة في دمشق حيث روى للصحافي البريطاني المعروف روبرت فيسك، رأيه في قضايا الجهاد وعبثية الحرب.
عمل جان محمود يحيي كمترجم رسمي لصالح تنظيم "داعش" وقت إقتياد الجماعة لسبعة رجال من المتهمين إلى "ساحة النعيم" al-Naim المركزية في مدينة الرقة Raqqa. ، وتحدث من داخل سجن المزة the Mezze العسكري على أطراف دمشق عما شاهده خلال الفترة التي قضاها داخل الأراضي السورية منذ وصوله من قرغيزستان Kyrgyzstan عبر نظام معقد للتنظيم الإرهابي في التجنيد والتدريب.
ويقول يحيي إنه لم يحدث أن قتل أحداً، رغم أنه كان في الواقع واحداً من عناصر هذه الجماعة الإرهابية. ووصف الشاب البالغ من العمر 19 عاماً من مدينة أوش Osh في وادي فرغانة Fergana في قيرغيز Kyrgyz كيف إنضم إلى تنظيم داعش في عام 2013، مؤكداً على أن قصة إستمالته للذهاب إلى سورية تعد مفيدة للغاية.
وتعود بداية القصة عند ذهابه الى مصـر من أجل دراسة قانون " الشريعة " داخل جامعة الأزهر، ليمضي هناك عاماً ونصف العام، قبل سماعه فتوى أصدرها الشيخ محمد حسـان حول الجهاد في سورية مضمونها بأن كل مسلم ينبغي عليه الذهاب للمشاركة في القتال الدائر هناك. وقد أعطى الطلاب تسجيلات و أشرطة تحتوي على مقاطع فيديو يظهر فيها الجيش السوري وهو يقتل المواطنين ويغتصب آخرين إلى جانب الاعمال الوحشية التي يرتكبها بحق السوريين، مع منح كل منهم مبلغ 100 دولار كهدية.
وبالفعل سافر يحيى إلى مطار أتاتورك في تركيـا بعد شراء تذاكر بقيمة 270 دولار، وهناك تقابل مع أبو محمد تركيـا المسؤول عن مشاعدة الجهاديين في الذهاب إلى سورية. وإستغرقت رحلة العبور إلى الجانب الآخر من الحدود 13 ساعة، في حين حصل على تأكيدات من أبو محمد بعدم التعرض له في تركيـا لأن هناك الكثير مثله.
وأضاف يحيي بأنه قضى ليلتين داخل منزل كبير يقع على الحدود، ثم تم نقله بعدها من قبل أحد رجال التهريب. وشاهد وقتها المئات من الصبية في عمر يناهز 15 و 18 عاماً وهم يساعدون الاشخاص على عبور الحدود. وبمجرد عبوره، تم إصطحابه إلى " منزل الضيافة " لرجل يدعي سيف الله الشيشاني من الشيشان، حيث كانت توجد هناك مخيمات للاجئين تحمل أعلام الأمم المتحدة وترتدي النساء ملابس إسلامية.
وداخل منزل الشيشاني، تقابل يحيى مع شخصٍ آخر من قيرغيزستان يطلق على نفسه إسم أبو حنيفة، والذي كان يدرس الشريعة في المملكة العربية السعودية، وعقد النية على الذهاب للإنضمام إلى تنظيم داعش الذي يعد الأكثر قوة.
وتقابل هؤلاء الرجال جميعهم مع مفتٍ يدعى أبو عويس المغربي، وإنضموا إلى تنظيم داعش، بينما وعد أبو عويس بأنهم سوف يتوسعون في سيطرتهم على الأراضي ونشر عقيدة الإسلام في أوروبـا و روسيـا. ولاحظ يحيي الذي كان يقيم في منزل يضم مجموعة من الشيشان بأن هناك منازل منفصلة تضم مجموعاتٍ مختلفة من البريطانيين والألمان و البلجيكيين والفرنسيين، ووقتها عام 2013 كان القتال على أشده ما بين تنظيم داعش والجيش السوري الحر FSA على إثر حصار المقرات الرئيسية لتنظيم داعش من قبل الجيش السوري الحر، وفشل مساعيه في الإنسحاب من ريف حلب.
وأعلن زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي عبر الإنترنت بأنه يجب على جميع النساء والأطفال المنتمين لداعش الذهاب إلى مدينة الرقة، ولكن الشباب يتعين عليهم البقاء والقتال. وكمترجم، فقد إنتقل يحيى مع العائلات و بقي في فندق أوديسـا Odessa في الرقة التي كانت تحت سيطرة داعش.
وأمضى يحيى عدة أيام في الرقة يقوم بالترجمة لرجال تنظيم داعش الذين كانوا شاهدين بإنتظام على عمليات الإعدام في ميدان النعيمal-Naim بالمدينة. إلا أنه وبعد عدة أشهرٍ من التواجد هناك، تحولت عقيدة يحيى الجهادية. حيث تعطلت سيارته وذهب لإصلاحها، وهناك تقابل مع رجل سوري سأله عما إذا كان يريد الزواج. ويضيف يحيى بأن ذلك الرجل أخبره بوجود احدى الفتيات من أقاربه التي يمكنه مقابلتها في الساعة السابعة من اليوم التالي.
ولدى وصوله إلى المنزل تم تقديم الشاي الأخضر و العصير له الذي يعتقد حالياً انه تمت إضافة المخدرات إليها بسبب سقوطه مغشياً عليه عقب تناوله لهذه المشروبات. وبعد خمس ساعاتٍ من إستيقاظه، وجد نفسه وإثنين من أصدقائه محاصرين من قبل خمسة جنود تابعين للحكومة السورية، وإقتادوهم بعدها إلى قاعدة طبقة Tabqa الجوية الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، ومن ثم ترحيلهم إلى السجن في دمشق.
وخشيةً من إلحاق الضرر بهم وقتلهم بسبب إلباسهم زي الجهاديين، فقد إعترفوا بكل شيء. ولكن الجيش السوري في النهاية لم يتعرض لهم. وبعد عامين و شهرين داخل أحد السجون السورية، فإن ما يقوله يحيي كحال بقية السجناء بأنه تعرض للخداع على الإنترنت عند وصوله إلى سورية، إلا أنه تلقي معاملة حسنة من خاطفيه ولم يتعرض للتعذيب.
ويعقد يحيي الآمال على منح الرئيس بشار الأسد العفو للسجناء، بما يمكنهم من العودة إلي أوطانهم وعائلاتهم. ولكنه يدرك جيداً بأنه في قرغيزستان معروف كإرهابي، ما يجعل القلق ينتابه من تعرض عائلته لمشكلات على إثر ذلك. كما أنه لا يستطيع تخيل إستقبال والده دانيال الذي يمتلك متجراً للدراجات في أوش Osh له لدى عودته إلي الوطن.
فقبل مغادرته قيرغيزستان، وجه إليه أحد أقاربه نصيحة بالدراسة في مصـر في حال أراد أن يكون معلماً إسلامياً. وبالتالي طلب من والده الذي وافق وساعده على السفر. وأشار يحيى إلى أنه تحدث الى والده هاتفياً لأول مرةٍ وأخبره بأنه كان يتواجد في سورية، وذلك قبل ثلاثة أشهرٍ من إعتقاله. وخلال المكالمة طلب منه بألا يكون حزيناً، إلا أن الأب كان رده حينها بأنه كاذب ولا يوجد جهاد في سورية، مطالباً إياه بالعودة إلى الوطن. ولكن يحيى كان يخشي من ملاحقة الشرطة له.
ويعد وادي فرغانة Fergana في أوش Osh منذ عدة سنوات موطناً للمتطرفين الإسلاميين، حتى في ظل الحكم السوفيتي. فيما يعتقد بأن تنظيم داعش نفسه يمتلك كوادر عاملة هناك. هذا ومن غير المرجح مطالبة حكومة قيرغيز بالإفراج عن يحيى