الطفل قُصي

قُتل الطفل السوري الممثل قصي أبتيني (14 عامًا) الذي لعب دول البطولة في مسلسل سيت كوم الكوميدي في سورية التي مزقتها الحرب في هجوم صاروخي أثناء محاولته الهرب من المدينة المحاصرة حلب، وتم بث المسلسل الكوميدي " أم عبدة الحلبية" للمرة الأولى عام 2014 والذي قدم نظرة ساخرة للحياة في المدينة المدمرة، ولقب الممثل الصغير من قبل مشجعيه بالبطل الصغير إلا أنه قُتل عندما ضرب صاروخ السيارة التي كانت تُقله أثناء محاولته الفرار من المدينة، وتضمن العمل شخصية ربة منزل كوميدية تتشاحن مع زوجها ويلعب الأطفال كافة الأدوار، ولعب الطفل أبتيني دور الزوج وأصبح من المشاهير المحليين، وجرت أحداث المسلسل في واحد من البيوت الحجرية التاريخية في حلب المحاصرة من قبل القوات الحكومية.

ويعد المسلسل الأول من نوعه الذي يتم إنتاجه في مناطق يسيطر عليها المتمردون في سورية، وكشف المسلسل عند بثه على محطة محلية في حلب عن تعامل الناس من خلال الكوميديا مع كل من انقطاع الكهرباء والماء والشقاق بين الثوار والقصف والعنف، وعلى الرغم من تقديم الممثلين الأطفال لمحاكاة من شخصيات حلب التقليدية إلا أنهم جسدوا نوع من البراءة، لكن الواقع المأساوي حطم هذه البراءة في وقت سابق هذا الشهر عندما قُتل أبتيني، وأكدت وفاة الممثل الصغير معاناة حلب التي كانت المركز التجاري والثقافي لسورية لكنها تمزقت حاليًا بسبب القتال وتدمير كامل لعدد من أحيائها.

وقُتل عشرات الآلاف في المدينة منذ صيف 2012 عندما انقسمت حلب  إلى مناطق يسيطر عليها المتمردين ومناطق تسيطر عليها الحكومة وانقلب الجانبين على بعضهما البعض، وفي الأسابيع الأخيرة شددت القوات الحكومية حصارها على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في محاولة لقطع آخر الطرق للهرب، وبعد وفاة أبتيني بأيام توجه عشرات الرجال من منزله في جنازة رمزية ملوحين بأعلام المعارضة هاتفين " قصي ذهب إلى السماء وبشار هو قاتل الشعب".

وتم بث نحو 30 حلقة من مسلسل " أم عبده الحلبية" كل منها لمدة 10 دقائق على محطة المعارضة "تلفزيون حلب اليوم"، وتم تصوير المسلسل في حلب على الرغم من تعرضها للقصف بشكل شبه يومي، وفي إحدى أيام التصوير قفزت ثلاث فتيات أثناء التمثيل بسبب صوت انفجار ثم استكملوا دورهم في المسلسل، وذكر مخرج المسلسل بشار السقا أنه اعتمد على الأطفال في الأدوار لأنهم شهود على المجازر التي ارتكبها بشار الأسد ضد الطفولة، وتم تصوير المسلسل في أحد أحياء حلب الحجرية القديمة فضلا عن إدارة الحوار  باللهجة العربية المميزة للمدينة، وتم لعب دور أم عبده الحلبية بواسطة فتاة شابه تدعى رشا بينما لعب أبتيني دور زوجها أبو عبده، وأظهر الإثنان موهبتهما في لعب دور الزوج النمطي التقليدي بما يعكس الاستبداد والسلطة الأبوية، وكانت رشا فتاة ذكية طموحة تجيد التعامل مع العائلات المجاورة الذين يعيشون في الأحياء القريبة، وفي إحدى حلقات المسلسل زارتهم والدة أحد المتمردين طالبة زواج ابنها لأبنة أم عبدو، غلا أن أم عبده أخبرتها أن كافة بناتها متزوجين لأعضاء الجيش السوري الحر وهم المظلة العلمانية من المتمردين، وعندما علمت أن العريس من المجاهدين المتشددين الإسلاميين طالبت بمهر مرتفع لإحباط مفاوضات الزواج عمدًا.

وقررت أم عبده في حلقة أخرى مع صديقاتها تشكيل فصيل متمرد من الإناث، فيما قال لها أبو عبده " تريدين الذهاب إلى الخطوط الأمامية في حين أنك تخافين من الصرصور" ثم يخبرها أن هناك فأر تحت الأريكة لتقفز هي وتصرخ بينما هو يضحك ساخرًا، وفي مشهد آخر ظهر أبو عبده متجها مع المتمردين في غارة إلا أن أم عبده ثرثرت وأخبرت كافة الجيران ويأتي زوجها مصابا في كمين من قبل القوات الحكومية الذين علموا بأمر الهجوم المخطط له، فيما تفكر أم عبده مازحة " أتساءل كيف عرف الجميع بالأمر".

وأوضح السقا إلى "أسوشيتدبرس", " قصي ولد موهوب للغاية، نحن نبحث عن ولد ذكي، أردناه أن يكون حرًا مع الأفكار ودون خوف من نظام بشار الأسد وقسوته"، وكان أبتيني عمره 10 سنوات عندما اندلعت احتجاجات واسعة ضد حكم بشار الأسد في مارس/ أذار 2011، واشتبك سريعا مع الانتفاضة وشارك في المظاهرات المناهضة للأسد وكان يجلس على أكتاف أخيه الأكبر سنًا، وتحدث في مقاطع فيديو المعارضة منتقدًا حكومة الأسد وواصفًا تدمير حلب، وفي الوقت نفسه كان يلعب أدوارًا في المسرحيات المدرسية، حيث شهدت عفراء هاشم مديرة مدرسته موهبته وقدمته للمخرج السقا، وذكرت عفراء متحدثة عبر سكايب من حلب " كان طموحًا جدًا وعندما انتقل من التمثيل في المسرحيات إلى العمل في التليفزيون اتسعت أحلامه وحولت ما كان يعيش فيه"، وبعد دوره في المسلسل التليفزيوني حصل أبتيني على أدوار في المسرح المحلي، وفي الصيف الماضي لعب دور متمردًا قُتل  أثناء المعركة، وبكت والدته عليه في حين أخبرها أحدهم " يجب أن تفرحي من أجله لقد أراد الشهادة وحصل عليها".

وضُرب منزل ابتيني واصيب والده في القصف الأخير ما جعله قعيدًا على كرسي متحرك، وفي 8 يوليو/ تموز قرر والد أبتيني إرسال أطفاله خارج حلب، ولكن أثناء تواجد نجله في السيارة التي تقله على طول الطريق الذي يسيطر عليه المتمردون ضربها صاروخ، وفي فيديو للجنازة الرمزية للممثل الصغير شاهد والده على مقعده المتحرك متظاهرين حوله ممسكين بلافتة كتب عليها "قصي أبو عبده الحلبي كنت بطلًا صغيرًا، أخفت النظام بأعمالك العملاقة لذلك قتلوك".